عادل مرزوق: قتل بلا جثث وإصلاح دون روح

عادل مرزوق - 2011-08-24 - 9:42 ص




عادل مرزوق*

تشُك الدولة في هذه الثورة. ما تزال غير مقتنعة بأن حدثاً استثنائياً قد أعلن عن أفول خريفها، ليبدأ ربيع الناس. لم تدخر الدولة جهداً أمنياً إلا وبذلته لإعادة وتقوية مركزها التفاوضي، ولتكون وحدها الطرف الذي يقرر ويختار الزمان والمكان أيضاً. وفي أوج دوران مكنتها الحربية والأمنية لم يكن مهماً بالنسبة لها التفريق بين فرض "الأمن" و"الإبادة"، أو بين "مواجهة" المتظاهرين وممارسة "الإرهاب" المنظم، ذلك أنها لم تتعود حل وتسوية أزماتها إلا بلغة الرصاص، وتحديث سجلات الضحايا، واستعادة القوائم الطويلة من المعتقلين والمُعذبين من أدراجها.
 
ما يزعج الدولة حقاً، وما يجعلها في حالة قلق وفزع مستمر هو الخارج، فهي لا تقيم وزناً لأي شيء في الداخل، سيان عندها من قبِل بالنظام وتفاصيله ومن لم يرضَ، فالقتل التعذيب والتنكيل وامتهان الكرامات وانتهاك حقوق الإنسان هي آليات وأدوات ألِفتها وتعودت عليها، وأصبحت الثقافة السائدة لدى عسكر المشير وطوابير المرتزقة المستأجرين من هنا وهناك.

الصورة الدولية المشوهة، البيانات اليومية الناقدة من جانب الهيئات والمنظمات الدولية والتقارير الإعلامية، التقارير والأعمدة الصحافية والبرامج التلفزيونية من شاشات التلفزة العالمية التي تقدم للمشاهدين حول العالم الصورة الحقيقية لنظام أنفق الكثير من المال والجهد لتحسين صورته ولتقديم هذه المملكة تحت مسمى كان يروق للسلطة السياسية كثيراً: "البحرين: مملكة الإصلاح السياسي والديمقراطية في منطقة الخليج العربية". لكن صور القتلى، وهمجية المرتزقة من رجال الأمن في الاعتداء على الحرمات وممارسة العنف، والإرهاب المنظم، واستهداف الأمنين، وسرقة المنشآت والأملاك وممارسة التعذيب، كلها مشاهد وشهادات أماطت اللثام عن حقيقة مملكة الديمقراطية  وأكاذيبها، ليكتشف الناس نظاماً قبلياً رجعياً متشدداً لا يقيم احتراماً لحق مواطنيه في الحياة، فضلاً عن أن يحترم باقي حقوقهم التي أقرتها الشرعية الدولية للبشرية. نظام يحمي نفسه بالخطاب والفرز الطائفي ليقدم ويعرف ويظهر كل معارض بأنه :مشروع ايراني صفوي" وأن كل موالي هو بالضرورة مثال انموذج السني المتصدي للمد الصفوي في البحرين وفي الإقليم كله.
 
تكسر هذه الأكذوبة مظاهر الحماية والرعاية والعطايا لبعض العائلات الشيعية المحسوبة على النظام من جهة، وكذلك مظاهر الفقر والذل والحرمان للعديد من بيوتات الطائفة السنية التي لا تقل صور حرمانها مأساوية عما هو الحال في بعض القرى الشيعية من جهة أخرى. وخلاف ذلك، تخبرنا قصة استقلال هذه الجزيرة الصغيرة عن حقائق جمة، حقائق من ثابر واجتهد وقدم التضحيات لاستقلال بلده، وقصة من وقع الاتفاقيات والمعاهدات مع الغريب الإيراني قبل الغربي لضمان بقائه على الكرسي حاكماً، ولو رفع على قلاع البحرين أعلاماً أخرى!
 
وعلى كل حال، تسعى الدولة اليوم لطرح تسويتها التي لا ترقب فيها رضا مواطنيها، إذ هي مشغولة بتسوية ملفها الدولي وحسب. تسوية تريد الدولة أن تساعدها للمرور من 14 فبراير وما تلاه من سفك للدماء وانتهاك للحرمات وإرهاب منظم وتعذيب ممنهج ضحاياه المسجلين بالآلاف. تسوية تنجز للدولة مشروعها الذي يسعى لإعادة تعريف حركة 14 فبراير باعتبارها حركة اسلامية شيعية أصولية ايرانية لا امتداد أصيل لربيع الثورات العربية، ذلك الربيع الذي استقبله البحرينييون في صدورهم بكل محبة ومودة، كما استقبلوا رصاصات قوة دفاع البحرين وقوات وزارة الداخلية البحرينية بكل شجاعة وبسالة وتضحية.

تتجاذب الدولة في تسويتها خلافات مؤسسة الحكم بين جناحيها: جناح متشدد، لا يقل خطورة عما يطرب للتحذير وبث الخوف منه في نظام ولاية الفقيه، وجناح معتدل مكبوت، مهمش، مغلوب على أمره في توازن القبيلة التي تعطي أقدمية الأعمار واستعمال البندقية – كعادتها – أولوية المشورة واتخاذ القرار. تتجاذبها أيضاً، توازانات اقليمية أفقدتها سيادتها على أرضها مع دخول قوات درع الجزيرة الى البحرين. وأخيراً، يقلق مضجعها هذا الشباب الذي لم تألفه خبرتها، شباب لا يتوقف كل يوم عن الوقوف والإعلان بكل وضوح وبما يتخطى حدود اللاعبين الرئيسيين في المشهد: إن ارادة هذا الشعب لن تنكسر بالرصاص وهمجية الحل الأمني وقطع الأرزاق، لم يعد قرار الشارع مرهوناً لأحد، الشارع سيد نفسه، ووحدها صناديق الاقتراع الحرة والعادلة والشفافة من تستطيع اعادة توزيع الكراسي من جديد.

وخلاف الخوض في قراءة مراكز القوة ومصالحها الإستراتيجية في طبيعة التسوية وتفاصيلها، لا يزال الجناح المتشدد في مؤسسة الحكم يراهن على كسر شوكة الاحتجاجات الشعبية من خلال آليتين اثنتين، الأولى هي اعتماد المزيد من الضغوط والاستهدافات الأمنية الحذرة من إيقاع المزيد من القتلى. فسقوط المزيد من القتلى هو مدعاة للمزيد من الفوضى والهيجان الشعبي والدخول في صدامات أكثر حدة وخطورة مع المتظاهرين.
 
أما الآلية الثانية فترتكز على توظيف لجنة تقصي الحقائق الملكية ومخرجات الحوار الوطني لتكونا الطعم الذي تستطيع من خلاله أن تقلب الرأي العام العالمي لصالحها من جديد. ستقدم الدولة من خلال لجنة بسيوني تنازلات صورية عبر تقديم بعض العسكريين ورجال الأمن لمحاكمات مفبركة لامتصاص غضب المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية. كما أنهت الدولة بالفعل ملف التعديلات الدستورية الذي سيعزز نسبياً من صلاحيات المجلس النيابي مع بعض التعديلات الأخرى التي ستوحي بأن الحكومة هي ذات قبول شعبي بصورة ما دون المساس بمنصب رئيس الوزراء الذي سيبقى في يد الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ما خلا أن يظهر (فيتو) اميركي صارم بهذا الخصوص، ولا تشير التسريبات الحالية إلى أن التعديلات ستحقق أياً من المطالب الجوهرية للمعارضة البحرينية البتة.

تراهن مؤسسة الحكم على التوازن بين الآليتين لفرض تسويتها النهائية بعد انتخابات المجلس النيابي التكميلية المقبلة، إذ سيقدم الملك مقترح التعديل الدستوري ومجموعة أخرى من المراسيم الملكية التي من المفترض أن تكون أداة التمهيد للانتقال بالبحرين لمرحلة جديدة. وستعمد الآلة الإعلامية في البحرين إلى تصوير وإلباس القوى الوطنية التي ستعارض هذه التعديلات الصورية لاحقاً لباس القوى المتشددة، الفوضوية، والقوى التي تسعى إلى إسقاط النظام وإقامة نظام ولاية الفقيه التابع لإيران مكانه!. فما هي خيارات المعارضة قبال ذلك؟ .. لنا تتمة.
 
 * كاتب بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus