» تقارير
حضن رولا: فيض بياض
2011-08-22 - 2:52 م
مرآة البحرين: سيشدك دائماً، أن فعل الاحتضان، هو القاسم المشترك لمعظم الصور والمشاهد التي تظهر فيها (رولا الصفار) خلال أحداث فبراير ومارس الماضيين، وسيشدك أكثر، أن احتضان (رولا) للطبيبات والممرضات والعاملات في الكادر الطبي، لم يكن احتضاناً عادياً، سيلفتك، أنه احتضان بأقصى ما في اليدين من طاقة اللم والاحتواء، والحماية أيضاً، كأم تلمّ أبناءها خوفاً عليهم من مسّ غير رحيم (1)، إنها رولا الصفار الحضن الأبيض حين يفيض. هل هناك من يتطابق مع مهنته كما هي رولا مع مهنتها؟ التمريض فعل احتضان بامتياز، لهذا سميت الممرضة بملاك الرحمة، وبدون الاحتضان تفقد الممرضة ملائكيتها الرحيمة، رولا هي هذا الفعل ذاته.
رولا، لحظة الافراج عنها |
امرآة مخلوقة من فيض، ألم يقل الفلاسفة أن العالم مخلوق من فيض الهيولي (المادة الخام) وقال المتصوفة من فيض المحبة إلإلهي الذي يحتضن الكون ومخلوقاته. كم تصدق هذه النظرية حين نعاين سيرة (رولا)، فيض يحيط ويحتوي ويلم ويمنح طاقة خلاقة!!
لما اشتعلت أحداث 14 فبراير، ونزفت جراح شعبها، تألقت الأم بداخلها، فاحتضنت تلك الجراح، ودفعت بأبنائها الممرضين والممرضات، والمسعفين والمسعفات(1)، تقدمتهم، حتى نزف أبناؤها بسياط الجيش. احتضنت أبناءها الذين ارتدوا المعاطف البيضاء كالملائكة، وتساقطوا الواحد تلو الآخر أمام عينيها، حتى حانت اللحظة فسقطت هي كالفراشة في عين الضوء، ضوء الوطن كل الوطن، فكان اعتقالها في 5 ابريل 2011.
بجسدها البحريني الأصيل الذي يحمل جينات المكونين الرئيسيين للشعب البحريني، احتضنت رولا المعذبات اللاتي مررن عليها داخل السجن، وكانت لا تكف عن فعلها الأثير: الاحتضان لكل من حولها، حتى أُنهك جسدها الذي ذوى تحت سياط (مبارك بن حويل) و(نورة الخلفية) وزمرتهما من الجلادين. لكن روحها بقت صلبة مثل لؤلوة تزداد جمالاً، وقلباً بقي أبيض كالمعطف الذي تركته فوق مشجب الوطن ينتظر عودتها لترتديه من جديد بكل فخر.
أكثر من أربعة أشهر في السجن، وهي تودع المعتقلات اللاتي أفرج عنهن واحدة وراء الأخرى، تحضنهن احتضان وداع، وتحمّلهم صمودها رسالة إلى أبناء الشعب، تسمع أخبار حصار المستشفى، وتدعو للمعاطف البيضاء، الحقيقية البياض التي تبقت في مستشفى السلمانية، وفي المراكز الصحية. هي التي هزمت وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي في معركتها معها في 2008 حول جمعية التمريض أمام القضاء، تحملت الآن انتقام الوزيرة الفارغة من البياض، ومن أفعال الاحتضان، غير احتضانها لأُخوانيتها الطائفية البغيضة، هذه الوزيرة تدير الآن بمعية ضباط من الجيش مستشفى الجيش، وتقلب الآية: فتسوم ملائكة الرحمة ذوي المعاطف البيضاء سوء العذاب!.
رولا الصفار، أطلت أمس نحو الضوء مرة أخرى، بإصبعين نحيلين رفعت إشارة النصر، وابتسامة واثقة، وإن كانت منهكة. قبل أن ترحل إلى منزلها احتضنت رفيقتها في السجن جليلة السلمان، لمّتها بِكُلّها كما هي عادتها في الاحتضان، ثم مضت نحو منزلها حيث ينتظرها العشرات من المحبين والأبناء، انتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر والفيس بوك، وفاضت عليها المشاعر من الجميع، شعرت رولا بحب الأبناء وبأن غرسها أينع، وبات جميع الأحرار أبناءها، لقد غدت أماً لجيل من البحرينيين الذين سيفتخرون أنهم جيل 14 فبراير، وستفتخر رولا الصفار أنها إحدى أمهات هذا الجيل، هي وبهية العرادي، وجليلة السلمان، وفضيلة مبارك ومناضلات أخريات.
قرب منزلها |
رئيسة جمعية التمريض البحرينية التي تمثل 6000 ممرض وممرضة، خاضت حروباً شرسة في 2008 من أجل إقرار كادر التمريض بهدف تحسين وضع الممرضين المعيشي، أُحيلت بسببه للتحقيق من قبل وزارة الصحة، متهمين إياها بدعوة الممرضين إلى الاعتصام والاستمرار في المطالبة بإقرار كادر التمريض، لكن ذلك لم يثنِ إرادتها من الإصرار على حقوق الممرضين.
عاشت (رولا) في أمريكا 17 عاماً قبل أن تقرر العودة لنثر لآلئ بياضها في حضن الوطن، عادت لتجعل البياض لازمتها الأبرز، فمع الرداء الأبيض الذي هو رمز مهنتها، كانت الشارة البيضاء التي لبسها الممرضون احتجاجاً على تعاطي وزارة الصحة مع ملف كادر التمريض في 2008 وتأييداً منهم لرئيسة جمعيتهم. أيضاً، هو الآن تاجها الأبيض الذي غزا شعر رأسها جراء بقائها في المعتقل أكثر من 4 شهور. لم تُخف رولا فعل هذه الشهور، بل خرجت به لتؤكد أنها لا تملك غير البياض، لا شيء لا شيء غيره، هو تاجها ولباسها وقلبها وحضنها وإنسانها، ووسيلتها التي ستبقى تقاوم بها قتل الإنسان.