ختم بسيوني: الانتهاكات حصلت.. لكن الدولة بريئة

عباس بوصفوان - 2011-08-21 - 8:58 ص


الشهيد المعتقل علي صقر



عباس بوصفوان*


واضح الآن أن الهدف الرئيسي من تشكيل لجنة تقصي الحقائق هو تبرئة سياسة الدولة البحرينية من انتهاكات حقوق الإنسان، بالقول إنها انتهاكات ليست ممنهجة، ولا تعبر عن توجهات القادة السياسيين والعسكريين.

وتقول مصادر خاصة أرفض الكشف عنها أن رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني يتجاوب بشكل واضح مع هذا السعي. وهو سعي مخل، وربما توقعه البعض، لكنه بات الآن واقعا يجدر مواجهته بحكمة ومنهجية سياسية وجماهيرية واضحة. لا أود أن أكشف تفاصيل أخرى عن مطبخ اللجنة، ولا عن أسباب استقالة سكرتيرها (كامران تشاودري) سوى القول إن هذه الاستقالة لم تتم لأسباب شخصية، كما ادعت اللجنة.

تركيز بسيوني يتلخص في البحث عن ثغرات يتمكن من خلالها الادعاء بأن جملة العمليات المروعة لحقوق الإنسان والتي تمت خلال الشهور الماضية، وأدت إلى مقتل أكثر من ثلاثين شخصا، واعتقال نحو 1400 شخص، قتل أربعة منهم في السجون تحت وطأة التعذيب، لا تقف وراءها أوامر صادرة من رتب أعلى. إنها نتيجة اجتهادات شخصية من قبل جنود أو ضباط ينقصهم التدريب، أو التوجيه. وهذا لا يعفي الدولة من المسئولية، لكن لا يحملها مسئولية قانونية على النحو الذي يحملها اياه متى كانت هذه الانتهاكات مخططة ومدبرة، وبلغة قانونية ممنهجة.

ذلك أنه متى كانت الأخطاء غير ممنهجة، فإن مسارها للمحاكم الدولية، قد يكون مستحيلا، لأنها لا تصنف في خانة الجرائم ضد الإنسانية.
ولنتذكر أن السيد بسيوني قدم نصيحة للدولة بأن يتم فتح تحقيقات مع الشرطة والمتهمين بقتل متظاهرين، بهدف منع فتح تحقيق في أي ساحة قضاء دولية، مادام القضاء المحلي ينظر في الاتهامات.

وخلاصة القول، إن السيد بسيوني، وهو يسعى لتبرئة ساحة الدولة، وكبار المسئولين فيها، من المسئولية تجاه الانتهاكات المروعة لحقوق الانسان، فإنه سيدين الانتهاكات وسيحمل مسئوليتها لوزراة الداخلية وربما الجيش أيضا، وقطاعات أخرى، لكنه سيضعها في خانة لا ترقى إلى أن تكون قد تمت بسبق إصرار وترصد، أي تكون نفذت بقرار سياسي.

وأظن أن المطلوب ـ من ناحية ـ أن تتواصل عمليات التوثيق كي تتوافر أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تثبت أن الانتهاكات تمت وفق أوامر صادرة من أصحاب القرار، بهدف كسر إرادة الراي العام، بدليل أنها طالت قطاعات كبيرة، وتمت على نطاق واسع، ومدى زمني طويل.
بيد أن المطلوب أكثر هو تعرية اللجنة أمام المجتمع الدولي، ولن نجد صعوبة في ذلك، والسيد بسيوني أعطى كل المؤشرات الواضحة والجلية والتي لا تحتمل اللبس في أي اتجاه سيصب التقرير. (انظر تصريحاته في رويترز مثلا)

ولعل الضغط على أعضاء اللجنة، وهي تضم شخصيات مرموقة، سيكون جهدا مطلوبا عبر مخاطبتهم والمؤسسات التي ينتسبون لها، ورصد الحالات التي عبر فيها السيد بسيوني عن رأي مسبق يصب في خانة تبني وجهة نظر الحكومة البحرينية.

وربما بات واجبا على قمة الهرم السياسي في القوى الوطنية البحرينية أن تأخذ هذه الوقائع بمحمل الجد، وأن تخاطب الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وكل الجهات ذات العلاقة، وتوصيل الشكاوى من عدم حياد التقرير المرتقب في أكتوبر المقبل، والذي بات أكيدا أنه سيقول أن أخطاء فادحة ومدانة وغير مقبولة ولا يمكن تبريرها تمت في مجال حقوق الإنسان.. لكن الدولة لم تكن تقصد القتل حين قتل العشرات، ولم تكن تقصد أن تعذب حين عذب المئات، ولم تقصد الفصل على الهوية حين فصل الآلاف من أعمالهم، ولم تكن تستهدف البعد العقائدي حين هدمت المساجد واعتدت على المواكب الدينية.
الفرق ضخم بين أن تكون الانتهاكات ممنهجة، أو أن تكون غير ذلك. وإذ يصعب نفي حدوثها، فإنه يكفي الدولة التبرؤ منها.

*صحافي بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus