الديمقراطية: رصاصة الرحمة في صدورنا

عادل مرزوق - 2011-08-19 - 2:16 م


عادل مرزوق*

عالقون في مأزق، لم تستطع لجنة السيد بسيوني ولا مرئيات الحوار الوطني أن تخفف من احتقان الشارع أو على الأقل أن تشغل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية عما يحدث من تفاصيل في الشارع. الدولة في مأزق، وتريد الخروج منه، لكنها لا تريد أن تربط الخروج بتقديم أية تنازلات. لم يعد شارع المعارضة وحده من يمثل التهديد، شارع الموالاة أصبح راديكالياً أيضاً. أحجية معقدة. يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للجنة بسيوني.

الحديث عن أن الحوار الوطني كان ذا نسختين - معلنة لفريق الموالاة وخفيه للمعارضة - لم يكن صحيحاً. والحديث عن أن لجنة تقصي الحقائق الملكية هي الحل الدولي الذي سقط بالبارشوت الأمريكي لم يعد مقنعاً. لم تخرج مرئيات الحوار الوطني بما يمهد لحل سياسي حقيقي ومقنع. وتقرير السيد بسيوني معروف سلفاً وهو بالمناسبة يشابه نتائج مارثون تصريحاته، سيسمع بسيوني أقطاب المعارضة ما يريدون من أن انتهاكات قد حدثت ومخالفات قد وقعت وتعذيباً قد جرى. وسيعطي الدولة ما تريد من أن الحركة لم تكن سلمية دائماً، وأن المتظاهرين خالفوا القانون واعتدوا على رجال الأمن. تقرير اللجنة الدولية للتحقيق في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والذي أدان الطرفين معاً هو أنموذج مثالي لما سيتضمنه تقرير السيد بسيوني المتوقع. والخلاصة، لا بسيوني ولا تقريره سيصنعان حلاً.

  لا يبدو أن أفق الحل قريب. الرهان هو على النفس الطويل، الرهان على الأرض ولا شيء سوى الأرض. إن كان الشارع مستعداً لتقديم المزيد من التضحيات فهو الخيار الوحيد أمامه ليخرج من عنق الزجاجة. والحقيقة، أنه لن يخرج وحيداً، بل ومعه معتدلو مؤسسة الحكم العالقين في قبضة الجناح المتشدد من العائلة الحاكمة. وإن كان النشيد الثوري سيبدأ في أخذ عزف المقاطع البطيئة في أوبرا الاختلافات والملل فإن النهايات ستكون مأساوية، لا على الشارع البحريني الذي سيتلقى أقسى صدماته التاريخية وحسب، ولكن على مؤسسة الحكم التي سترث من رماد الثورة أيضاً شعباً كالجمر، ليس لديه ما يخسره، ستأكل الجمرات المدسوسة في الرماد يابس البلاد قبل الأخضر.
 
لقد قطعت الدولة في الأشهر الماضية حبالاً ما كان لعاقل حصيف أن يقطعها، ولم تكتفِ بالقطع، بل سعت للف حبالها حول رقاب الناس إمعاناً في الذل متوهمة أنها بذلك تعيد هيبتها ومنعتها. لم تدرك الدولة أن ما اقترفته من جرائم وانتهاكات لم يكن سوى عملية إعادة صناعة لشعب جديد لن يقبل بأنصاف الحلول التي تعودها كلما تطلع لحريته وكرامته، شعب تجرع أبناؤه وبناته اليوم من الظلم والتمييز والقهر ما اكتفى منه أباؤه وأجداده حتى تملكته قناعة راسخة أن توقيت العلاج لكل هذا الألم والوجع هو اليوم، ليس غداً أو بعد غد. لم يعد لرصاص البندقية تأثير يذكر، فلقد أصبحت الديمقراطية - لا غيرها - رصاصة الرحمة التي ينتظرها هذا الشعب في موعد لن يتكرر من جديد.
 
نعم، تستطيع رصاصة البندقية أن تفرض حكمها وأن تحقق انتصاراتها الوهمية، لكنها لا تأسس لبلد آمن مستقر. أمن تصنعه البندقية لا يعول عليه، حكم مصدر شرعيته البندقية لا يعول عليه. وحدها المواطنة والحرية والكرامة والديمقراطية وصناديق الاقتراع من تصنع التجارب الناجحة والدول المستقرة.
كلنا عالقون في المأزق، لكن التاريخ علمنا جميعاً، ان الشعوب حية. وأنها لا تموت، أبداً.

*كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus