مؤلف كتاب "الخليج الطائفي" توبي ما ثيزن: السعودية والبحرين..."صراع طائفي بدلا من الثورة"
2014-06-08 - 8:04 م
وصلت رياح التغيير إلى دول الخليج، إلا أن حكامها، وبكل مهارة، قاموا بتحريض السنة والشيعة بعضهم على بعض من أجل خلق انقسامات في حركة الاحتجاج وفق مبدأ "فرِّق تسُدْ"، وحققوا بذلك نجاحاً أوليّاً، بحسب ما يرى توبي ماثيزن في كتابه "الخليج الطائفي".
يانيس هاغمان يعرض الكتاب لموقع قنطرة.
المعارضون في البحرين يفضلون تناول قهوتهم في سلسلة مقاهي "كوستا" بدلاً من "ستاربكس"، وهذا يعني أيضاً أن المعارضين الشيعة يفضلون "كوستا" على منافسه "ستاربكس"، بالنظر إلى أن عائلة شيعية تدير فروع مقاهي "كوستا" في البحرين وعائلة سنية تدير مقاهي "ستاربكس".
فهل بات ذلك يعني أن الصراع التاريخي بين السنة والشيعة امتد أيضاً إلى الثقافة العالمية؟ وهل قسّم هذا الصراع، المستمر منذ قرون، المسلمين إلى معسكرين لا أمل في تصالحهما؟
لا يتفق أستاذ العلوم السياسية والباحث في جامعة كامبريدج البريطانية، توبي ماثيزن، مع هذه النظرة. وفي كتابه بعنوان "الخليج الطائفي"، تنتمي ثقافة شرب القهوة إلى الأمور الثانوية، ذلك أنه يركز في الكتاب على الاحتجاجات الشعبية في ممالك الخليج، التي لم يمرّ عليها الربيع العربي دون ترك آثار.
طائفية وقمع
وبالنظر إلى الانتفاضات في البحرين والمملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، يبيّن ماثيزن أن الكره والتوتر الممتدين منذ مئات السنين بين السنة والشيعة ليس سبباً في ذلك. فماثيزن يفترض أن الحكومات الخليجية ألّبت الطرفين بعضهما على بعض بشكل متعمد وأن حكام الخليج "ردوا على الربيع العربي بالقمع وإثارة النعرات الطائفية، التي قسمت المجتمعات إلى معسكر سني وآخر شيعي، وخلقوا بذلك خليجاً طائفياً بكل معنى الكلمة".
الجزء المركزي من الكتاب، الذي يقع في 130 صفحة، هو الفصل المتعلق بالبحرين. فقد نزل حوالي ربع البحرينيين إلى الشوارع للاحتجاج سنة 2011. لكن على العكس مما حدث في تونس ومصر وليبيا، فقد تمكن النظام هناك من تأمين سلطته.
حول ذلك يكتب ماثيزن، الذي كان في البحرين بالصدفة عندما اندلعت الاحتجاجات: "لقد كانت البحرين سنة 2011 بالنسبة لي ولكثيرين عبارة عن دورة سريعة في سياسة القوة".
"فرّق تسد"
"فرّق تسد" هو ما نجح الرومان في فعله. وكان هذا المنهج مفيداً أيضاً لحكام البحرين، الذين تمكنوا من تقسيم الحركة الاحتجاجية التي بدأت متجاوزة للمذهبية. ومن خلال جدل مبني على الطائفية ومقارنات تاريخية مشكوك بها، تمكن النظام البحريني من نزع المصداقية عن الانتفاضة ووصمها بالمؤامرة الشيعية التي تقف وراءها إيران ومنظمة حزب الله اللبنانية.
"خليج الطوائف"
لكن وهم النزعة الطائفية التي تسود الخليج لم تزرعه حكومات الخليج في عقول مواطنيها حديثاً. فبمجرد ظهور هذه الفكرة، بدأ "خليج الطوائف" بالتوسع وأنتج من انتفعوا منه في أوساط الشعب، ممن يسميهم ماثيزن "المنتفعون من الهوية الطائفية". ففي دوار اللؤلؤة بالعاصمة البحرينية المنامة، تمكنت المجموعات المعارضة الشيعية تدريجياً من الهيمنة على الاحتجاجات هناك بفضل تنظيمها الجيد.
هذا ويتحدث ماثيزن، الذي يصف الأحداث في البحرين أحياناً بشكل مفصل للغاية، مضيفاً إليها بعضاً من تجاربه الشخصية هناك، عن فتاة سنية التقاها في بداية الاحتجاجات بدوار اللؤلؤة وشاءت الصدف أن التقاها مجدداً بعد ثلاثة شهور، ولكن هذه المرة في صفوف مؤيدي النظام.
السبب كان إحباطها الناجم عن الهوية الشيعية المتنامية للاحتجاجات. لذلك، قامت هذه الفتاة بالإعراض عن معارضي النظام وابتعدت حتى عن صديقاتها الشيعيات التي كانت تذهب معهن قبل ذلك للاحتجاج. لقد أصبح "خليج الطوائف" واقعاً.
وبعد أيام من اندلاع الاحتجاجات في البحرين، انتفض الشيعة المقيمون في السعودية المجاورة. لكن، وبحسب ما يكتب ماثيزن، فقد كانت التجمعات المؤيدة للاحتجاجات في البحرين، التي نُظمت في المنطقة الشرقية بالسعودية، غير مفيدة من وجهة نظر المحتجين البحرينيين، ذلك أنها أثبتت للقيادة السعودية بأن من مصلحتها القضاء على الانتفاضة في البحرين. لذلك، توجهت دبابات سعودية في مارس 2011 عبر الجسر بين البلدين إلى البحرين، بهدف منع وقوع ثورة في مملكة خليجية، وهو أمر لم يحصل من قبل.
من يستفيد من التوتر الطائفي؟
ورغم القيمة الكبيرة لتوثيق الاحتجاجات في الخليج، التي تغاضى عنها كثيرون، تبقى الروايات التوصيفية لمجريات الأحداث بالنسبة للقارئ أمراً يتطلب نفساً طويلاً. فبعد البحرين والسعودية، يسرد ماثيزن في كتابه الأحداث في الكويت وبقية الممالك في شبه الجزيرة العربية. كما أن الفصول المتعلقة بعُمان والإمارات العربية المتحدة وقطر مثيرة للاهتمام، إلا أنها لا تضيف إلا القليل.
يعتبر هاغمان أن "الخليج الطائفي" كتاب مبني على بحث مستفيض للتغيرات في دول الخليج، التي لم تنته بعد.
وبدلاً من ذلك، كان الأولى أن يتعرف القارئ على المزيد من الجانب النظري لفكرة ماثيزن، فمبدأ "المنتفعين من الهوية الطائفية"، المستقى من السياق اللبناني، يترك القارئ حائراً - من هم هؤلاء المنتفعون، الذي "يرتبط موقفهم بالتلاعب الماهر بالحدود الطائفية"؟ وكيف يستفيد هؤلاء من التوتر الطائفي؟
أما بالنسبة لأسلوب الكتاب، هناك تساؤل: رغم أن المؤلف يأتي دائماً بأمثلة على تنامي استخدام الحكومات ووسائل الإعلام للجدل المبني على الطائفية، إلا أنه لم يوضح كيفية قياسه لهذا النمو من أجل إثبات نظريته القائلة بأن الطائفية لم تلعب دوراً مهماً في المنطقة مثلما تلعبه الآن.
لكن رغم ذلك، فإن كتاب "الخليج الطائفي" مبني على بحث مستفيض للتغيرات في دول الخليج، التي لم تنته بعد، بحسب المؤلف، لأنه "رغم قمع النشاط المدني، إلا أنه لم يختف كلياً بعد".
ويضيف ماثيزن أن الطائفية والقمع والعطايا المالية الكبيرة لن تنجح في مواجهة ذلك على المدى الطويل، وهو لا يؤمن بأن هناك "استثناءً" بين الممالك العربية يتمتع بحصانة ضد حركات الاحتجاج الثورية. لكن ماثيزن ليس متأكداً بعد من إن كان التغير في الخليج سيحصل من خلال الثورات أو الإصلاحات.
* نقلا عن موقع "القنطرة" الألماني