لماذا لا يتيح آل خليفة مشاركة سياسية حقيقية للأغلبية البحرينية؟
2014-06-07 - 3:53 م
تكافح الناشطة البحرينية والخبيرة في العلوم الاقتصادية، آلاء الشهابي، من أجل التغيير الديمقراطي في بلدها، وذلك بسبب التمادي في الإجراءات القمعية التي تطال الناشطين في دولة البحرين، الجزيرة الصغيرة وإحدى دول الخليج العربية، حيث تطالب الأغلبية البحرينية عائلة آل خليفة الحاكمة بمشاركة سياسية حقيقية لا تجميلية. إيريس موستيغيل تسلط الضوء على الناشطة آلاء الشهابي.
لقد بدأ كلّ شيء في الحقيقة عندما أقدمت قوّات الأمن البحرينية قبل ثلاثة أعوام على اعتقال زوجها. سألوه: "لماذا أنت متزوّج من هذه المرأة؟". ثم أخذوه إلى السجن، حيث قضى فيه عشرة أشهر؛ لا تزال آثار التعذيب - مثلما تقول آلاء الشهابي البالغة من العمر 33 عامًا - واضحة على ظهره حتى يومنا هذا.
عندما تم اعتقال زوجها، كانت آلاء الشهابي لا تزال تعمل معيدة للعلوم الاقتصادية في جامعة خاصة في البحرين. ولكن بعد فترة قصيرة، أخبرتها إدارة الجامعة أنَّ وجودها في هذه الجامعة لم يعد مرغوبًا فيه. "لماذا"، سألت آلاء الشهابي رئيس الجامعة النيوزيلندي. وكان جوابه: "لأنَّك تشكّلين خطرًا بالنسبة لنا". وهكذا تم فصلها من عملها.
ومنذ ذلك الحين فقط بدأت في الواقع عملها السياسي: صحيح أنَّها شاركت في الانتفاضة البحرينية في شهر شباط/ فبراير 2011، وذلك عندما خرجت حركة شعبية بحرينية لمطالبة أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين بمنح جميع المواطنين في البلاد حقّ المشاركة في الرأي وحقوقاً متساوية، بيد أنَّ السبب لتحوّل وعي آلاء الشهابي السياسي إلى ممارسة نشاطات سياسية، كان يكمن فقط في اعتقال زوجها وفصلها من عملها.
وهكذا قامت آلاء الشهابي بتأسيس منظمة "بحرين ووتش"، وهي مجموعة من النشطاء ذات توجهات علمية، تضم حاليًا عشرة أعضاء عاملين - منهم خبراء قانونيون وعلماء كمبيوتر وصحفيون، وجميعهم متطوّعون للعمل في توثيق بالغ الدقة لما لا يتم توثيقه في أي مكان. مثل توثيقهم كيف تستخدم الدولة برامج التجسُّس للبحث والتحري عن المدوّنين البحرينيين، ورصدهم الشركات العالمية التي تقوم بتزويد البحرين بالغاز المسيل للدموع، أو كيف يتم منع الصحفيين المعارضين من دخول البلاد.
هناك مشروع آخر لمنظمة بحرين ووتش يُعرف باسم "رصد-العلاقات العامة" (PR-Watch). وفي هذا المشروع يقوم العاملون العشرة بالبحث عن شركات العلاقات العامة الغربية التي تعاقدت مع الحكومة البحرينية بعد الانتفاضة في عام 2011 ورصدها، والكشف عن نوعية الخدمات لتي تقدّمها هذه الشركات للحكومة البحرينية.
لقد وجدوا عدة أمور من بينها مقالات مؤيّدة للنظام البحريني في وسائل إعلام عالمية مثل صحيفتي الجارديان وهافينغتون بوست، حيث لم يكن محرّرو الأعمدة في هاتين الصحيفتين مستقلين مثلما يدّعون، بل كانوا متعاقدين مع شركات العلاقات العامة المُكلَّفة بهذا العمل من دولة البحرين. وكذلك الحال أيضًا، مثلما تقول آلاء الشهابي، مع مواقع المعلومات التي تبدو محايدة مثل موقع bahrainfacts.org، الذي يعتبر في الحقيقة مجرّد وكالة للعلاقات العامة مقرها في واشنطن.
وفي جميع الحالات، بحسب قول الناشطة آلاء الشهابي، كانت الشركات الأمريكية والبريطانية المُستخدَمة تعكس رواية النظام البحريني: أي أنَّ "البحرين دولة تقوم بإصلاحات والمعارضة الشيعية ذات ميول عدوانية مستعدة لاستخدام العنف ولها علاقات مع إيران". وبحسب معلومات وحسابات منظمة بحرين ووتش فقد أبرمت الحكومة البحرينية منذ عام 2011 عقودًا للعلاقات العامة بقيمة 50 مليون دولار أمريكي.
زيادة العنف
تنشط آلة العلاقات العامة الحكومية بشكل خاص عندما تتم استضافة سباق الفورمولا 1 مرة كلّ عام في البحرين، حيث يتعيّن في ضوء الاهتمام الدولي أن تظهر للعالم مدى الإنجازات الديمقراطية التي تم تحقيقها في البلاد. ولكن في الواقع فإنَّ النظام البحريني يبذل كلَّ ما في وسعه من أجل السيطرة بطريقة أو بأخرى على الوضع في المملكة: إذ لا يمضي أي يوم من دون خروج احتجاجات في الشوارع، ومن دون اعتقالات تعسّفية. ومنذ عدة أشهر صار يتجدّد مرارًا وتكرارًا وقوع أعمال العنف: حيث يهاجم المتظاهرون الغاضبون قوّات الأمن - التي لا توفّر من جانبها أي شيء في الرد عليهم.
لقد مرّت حتى الآن أكثر من ثلاثة أعوام منذ انتفاضة عام 2011، التي لم تتمكّن أسرة آل خليفة الحاكمة من قمعها من دون اللجوء إلى القوّات السعودية. ولكن مع ذلك لم يتم التوصّل حتى الآن إلى اتّفاق سياسي مع المعارضة - التي من بين مطالبها وجود مشاركة سياسية حقيقية وليس فقط مجرّد مشاركة تجميلية مثلما كانت الحال حتى الآن.
إنَّ الإجراءات التي تعتبر على أية حال قمعية بشكل استثنائي ويتم اتخاذها ضدّ المعارضين كجزء من "قوانين الإرهاب" الجديدة، أدّت منذ العام الماضي إلى إثارة المزيد من الغضب لدى المواطنين، وقد باتت تنعكس الآن وعلى نحو متزايد في أعمال العنف. إذ إنَّ المعارضة تتحدَّث حاليًا عن وجود نحو ثلاثة آلاف سجين سياسي، في حين تبقى السلطات بعيدة عن الأضواء، ولكنها لاحظت في الواقع قبل عدة أشهر أنَّ السجن المركزي في البلاد ممتلئ بنحو 33 في المئة أكثر من طاقته الاستيعابية، وأنَّ هناك حاجة ماسة إلى مساحة أوسع.
مكوّنات الأزمة البحرينية
من الممكن أن تكون المكوّنات الأساسية للأزمة في دولة البحرين، الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها نصف مساحة مدينة لندن - حرجة بما فيه الكفاية حتى من دون استخدام العنف، لا سيما وأنَّها أدّت إلى تصعيد الوضع في عام 2011. تكمن مكونات الأزمة في نقص الآفاق الديمقراطية وكذلك في وجود أسرة حاكمة سُنّية، تشعر إزائها غالبية السكّان الشيعة بالتعرّض للتمييز ومعاملة أفرادها كمواطنين من الدرجة الثانية. يشتكي المواطنون الشيعة الذين يشكّلون بحسب التقديرات نحو ثلثي سكّان البحرين، من معدلات البطالة المرتفعة وفرص الارتقاء القليلة وكذلك البنية التحتية السكنية السيئة أكثر مما هي عليه لدى البحرينيين السُنة.
ويتفاقم الوضع أكثر بسبب التركيبة الديمغرافية وسياسة التجنيس التي تتّبعها الدولة على حساب أغلبية المواطنين الشيعة. حيث يفضّل المسؤولون البحرينيون عدم الإبطاء في تجنيس السُنّة الوافدين من الدول العربية الأخرى ومن جنوب آسيا.
يكمن البُعد الثاني للأزمة في الديمقراطية: فعلى الرغم من وجود برلمان، بيد أنَّ هذا البرلمان في الواقع عاجز لا حول له ولا قوة. وعندما يتعلق الأمر بالمسائل السياسية الجوهرية، تكون دائمًا الكلمة الأخيرة للأسرة الحاكمة: سواء للملك حمد بن عيسى آل خليفة نفسه أو لعمّه، رئيس الوزراء القوي الذي يشغل منصبه منذ 43 عامًا.
"أوقفوا شحنة الغاز المسيل للدموع"
وتقول آلاء الشهابي إنَّ أسرة آل خليفة الحاكمة كانت تعدهم كثيراً في العقود الأخيرة وعلى نحو ملفت للنظر بإجراء إصلاحات ديمقراطية، كما أنَّها قامت في الواقع ببعض الخطوات في هذا الاتّجاه، لكنها كانت تتراجع بعد فترة وجيزة إلى الخلف؛ "أريد رؤية حقائق ملموسة"، تقول آلاء الشهابي هذه الجملة وتكرّرها عدة مرات.
أطلقت منظمة آلاء الشهابي مؤخرًا حملة تحت اسم "أوقفوا الشحنة". تهدف هذه الحملة على وجه التحديد إلى إيقاف شحن الغازات المسيلة للدموع إلى البحرين. فبعد أن تعامل النظام البحريني مع الانتفاضة في عام 2011 بغضب شديد مدعومًا من قبل الدولة الصديقة المجاورة، أي المملكة العربية السعودية، وجاء ردّه في البدء باستخدام العربات المدرّعة والذخيرة الحية، لاحظ المسؤولون إثر تزايد الانتقادات الدولية أنَّ هناك وسائل أخرى مناسبة أكثر لقمع المتظاهرين، مثل الغاز المسيل للدموع، الذي يعتبر سلاحًا غير قاتل.
ولكن مع ذلك تقول آلاء الشهابي والناشطون الآخرون إنَّ هذا السلاح قد تسبَّب في حالات وفاة - حيث كانت قوَّات الأمن تطلق قذائف الغاز المسيل للدموع من مسافة قريبة جدًا وبصورة مباشرة على رؤوس المتظاهرين.
عندما حصلت منظمة بحرين ووتش في شهر تشرين الأوَّل/ أكتوبر الماضي 2013 على وثيقة، يرد فيها أنَّ الحكومة البحرينية قد أعلنت عن عقد مناقصة جديدة لاستيراد شحنة مكوّنة من مليون وستمئة قذيفة غاز مسيل للدموع، قام نشطاء بحرين ووتش بإطلاق حملة واسعة، كانت موجّهة أيضًا ضدّ شركتين من كوريا الجنوبية. حملت هذه الحملة اسم "أوقفوا الشحنة" وقد تكللت بالنجاح: ففي شهر كانون الثاني/ يناير 2014، قرّرت كوريا الجنوبية إيقاف هذه الشحنة.
رياح التغيير في البحرين
تحاول آلاء الشهابي ومساعدوها في الوقت الراهن إطلاع الرأي العالم العالمي على المعلومات التي تم جمعها؛ ولكن يبدو من المستحيل تقريبًا تحقيق هذا العمل على المستوى الدولي - إذ توجد الكثير من النزاعات في جميع أنحاء العالم، والعديد من هذه النزاعات أكثر وحشية مما هي عليه في مملكة البحرين. فكيف يتمكّن البحرينيون من إيجاد مكان لهم في وسائل الإعلام العالمية، نظرًا إلى تسليط الضوء باستمرار على "أخبار بوتين وأزمة القرم" أو نظرًا إلى الأخبار الساخنة الأخرى، وكيف يستطيعون لفت أنظار العالم إلى الوضع في البلاد؟
لا يتم تسليط الضوء في وسائل الإعلام العالمية على مملكة البحرين الصغيرة إلاَّ مرة واحدة فقط في العام، وذلك عندما يتم إجراء سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في البحرين. ودائمًا يكون مكان البحرين في وسائل الإعلام ضمن القسم الرياضي، وفي بعض الأحيان أيضًا ضمن الأخبار السياسية؛ وذلك لأنَّ المعارضة بدورها تبذل في أيَّام السباق كلّ جهدها من أجل لفت الانتباه إلى همومها.
وفي هذا العام 2014 لم تنجح المعارضة البحرينية كثيرًا في تحقيق هذا الهدف، لأنَّ صوت آلة العلاقات العامة الحكومية كان أعلى بكثير من أصواتها. فقد غطى على أصوات النشطاء البحرينيين صوت فرقة سكوربيونز لموسيقى الروك، التي قدّمت إحدى حفلاتها في سباق الفورمولا 1 لهذا العام 2014. وعلى الأرجح أنَّها عزفت أغنيتها الشهيرة "رياح التغيير" - تلك الرياح، التي تكافح من أجلها آلاء الشهابي.
* نقلا عن موقع "قنطرة" الألماني.