» رأي
فيصل هيات ل(مرآة البحرين) في سيرة المعتقل، صورة و84 يوماً، الحلقة الثانية
فيصل هيات - 2011-08-14 - 12:57 م
فيصل هيات ل(مرآة البحرين): الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الخميس 7 إبريل 2011، تلقيت اتصالاً هاتفياً من مركز شرطة النعيم يطلب مني الحضور من أجل التحقيق. الاتصال لم يكن مفاجئاً، بل كنت أنتظره منذ ثلاثة أيام، أي مباشرة بعد زج صورتي واسمي في البرنامج الرياضي (حدث خاص) على قناة تلفزيون البحرين.
في تلك الأيام، انتشرت مقولة صارت لازمة في الشارع وبين الناس: "إذا أردت أن تعرف ما الذي تنوي السلطة القيام به في النهار، شاهد تلفزيون البحرين في الليلة التي تسبقه"، ومقولة أخرى "إذا أردت أن تعرف من التالي الذي سيناله البطش، تابع تلفزيون البحرين ستجد حملة منظمة تثار ضده". هذه المقولات ليست ضرباً من المجاز، بل ضرباً لحقيقة عاشها الشارع إبان شدة الأزمة، والأمثلة أكثر من أن أستطيع سوقها هنا، لكن اعتقال الرياضيين واعتقالي معهم أحد هذه الأمثلة.
ليس هذا فقط، بل ستجد التلفزيون تحول إلى نيابة عامة يقوم بالقبض المباشر على المشتبه فيهم، ويواجههم بما يسميه تهم أو جنح أو خيانات، ويحقق معهم على الهواء مباشرة، ثم يعرض الأدلة (غالباً صورة مشاركة في مسيرة)،ثم يتحول إلى محكمة، تصدر حكم الخيانة، واللا عفو، وفي اليوم التالي أو بعدها بأيام قليلة، يأتي دور التنفيذ.
استقبال
عند بوابة مدخل مركز شرطة النعيم، تقدمت ببطاقتي الذكية إلى الشرطي هناك. أدخلني بدوره إلى الساحة الخارجية لمركز النعيم حيث استقبلني رجل أمن مدني قام من فوره بربط عصابة بيضاء على عيني، ثم اقتادني إلى داخل المركز، تم التحفظ على نظارتي ومفاتيح سيارتي وهاتفي الجوال وحزام بنطالي، ثم اقتيادي معصوب العينيين إلى دهليز من الغرف، أنتهى بي إلى مواجهة الجدار في واحدة منها، ثم أمر أحدهم بتقييد كلتا يديي من الأمام.
لمدة لا تقل عن عشر دقائق، كانت عبارات الشتم والسب هي ما لقيته على لسان رجال أمن من أصول يمنية، لم يتورعوا عن إسباغ أقذع النعوت في حقي وحق عقيدتي ومذهبي: ابن الدوار، الرافضي، المجوسي، الصفوي، الإيراني، ابن المتعة.. الخ من نعوتات لا أحسب أن أحداً ممن ينتمي أصله إلى المذهب الشيعي أستثني منها، ولم يُمنع أحد من استخدامها، من الطرف المفرط في استخدامها في كل مكان.
مع قافلة الشتم والسباب، كان رجال الأمن (بسبب أصلهم اليمني) يذكروني بمشاركتي السابقة في برنامج (المجلس)، الذي تبثه قناة الدوري والكأس القطرية، وما قدمته من طرح حول ضرورة عدم إسناد تنظيم بطولة كأس الأخيرة إلى اليمن وإنما للبحرين. كان يصاحب ذلك ضرب مبرح على رأسي ورقبتي، قبل أن يتلقوا تعليمات مباشرة بنقل القيد إلى الجهة الخلفية من جسمي، وحينها طلب مني أن أنسى كوني إعلاميا، بدعوى أني لن أحصل على معاملة خاصة لهذا الاعتبار.
أيضاً، كانوا وسط هذا الضرب والشتم، يطرحون على أسئلة لا علاقة لها بالسياسة أو بمشاركتي في أي من أنشطتها. كانت تركزت في الآتي:
ـ كم راتبك؟
ـ من تقلد (المرجع الفقهي)؟
ـ كيف تقول أن اليمن يجب ألا تنظم كأس الخليج؟
ـ كم تتقاضى من أجر من قناة الدوري والكأس؟
ـ كيف تقول أن من حق اللاعب محمد حبيل عدم الالتحاق بالمنتخب؟
ـ هل لديك منزل؟
ـ كم عدد أولادك؟
ـ أين تعمل زوجتك؟
بدأت بعدها أسئلة متنوعة حول مدى معرفتي ببعض الأشخاص مثل محمود أبوإدريس، وعلاء الحلواجي، وأحمد حمزة، قبل أن يصدر من أحد المسئولين هناك أمراً بنزع حذائي وإلقائي على الأرض.
روبيانة
على الفور تم توصيل يديي المقيدتين بقدميّ في وضعية معروفة باسم (الروبيانة)، يتم فيها إلقاء المعتقل على بطنه، بحيث يكون وجهه مواجهاً للأرض، وقدماه ويداه موثقتان معاً، ومرفوعتان للخلف. لمدة لا تقل عن 10 دقائق أخرى، انهال علي أحدهم بالضرب على قدمي بالهوز بصورة متواصلة، كان يتفنن في ضربي ويلتذ بسماع صرخات ألمي، عرفت هنا كيف تتحول الدقيقة لساعات لا تمرّ، شعرت أن أطرافي جمد فيها الدم.
بعدها أمر الجلاد أحد رجال الأمن باقتيادي إلى مكان آخر قائلا: (خذوه لكي يتمشى)، تبين أنه أسفل سلم المركز، كان الهدف من السماح لي بالمشي هو سريان الدم في قدمي التي تجمدت، لم أكن أقوى على الدوس على قدمي من شدة الألم، لكني أدرك أنه يجب أن أحركها وإلا واجهت مشكلة صحية، فكنت كمن يمشي على زجاج مكسر منثور على الأرض.
جلسة التعذيب كان يتخللها أسئلة حول عدد مرات زيارتي الدوار، وعلاقتي بالأستاذ حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد، وعما إذا كنت من أصول إيرانية وعن مشاركتي في مسيرة الرياضيين، وكانت أجابتي أني زرت الدوار مرة واحدة، ولا علاقة لي بأي من الشخصيات التي تم ذكرها، وأني مواطن من أصول بحرينية ولست من أصول إيرانية أو غيرها، ورفضت بشدة ربطي بأي علاقة بمسيرة الرياضيين لأني لم أشارك فيها ولم أكن على علم بها، وهذا ما تعلمونه في مرآة البحرين!!
بقيت ملقىً على الأرض أسفل السلم لمدة عشر دقائق تقريبا أو أقل، لم يلبث أن عاد الدم لمفاصلي حتى تم اقتيادي مجدداً إلى غرفة التعذيب، أمرني رجل الأمن بالالتزام بالصمت، وقادني إلى إحدى الغرف التي يخضع أحد المعتقلين للاستجواب، عرفت فيما بعد أنه رئيس جهاز الكرة الطائرة في النادي الأهلي علاء الحلواجي. تم سؤاله عما إذا كان رآني في مسيرة الرياضيين، فسمعته يجيب: لقد رأيت الصورة التي عرضت في التلفزيون.
يد الكتابة
تم إعادتي بعدها إلى أسفل السلم، قيل لي أن أنام هناك. وأقول لمرآة البحرين، طالعت الأرض، قلت لنفسي كيف سأقضي الليل على الأرض هكذا؟ لم أتفوه بكلمة، وضعت جسدي على الأرض، لم ألبث أن سمعت صوت أقدام أحدهم تقف عند رأسي: قم. صرخ فيّ. اقتادني إلى غرفة التعذيب مرة أخرى، وهناك تمت معاودة ضربي على قدمي بـ(الهوز). ثم سألني الجلاد (بأي يد تكتب؟)، قلت في نفسي لن أضحي بيد واحدة، فلتتقاسم يداي ما سيصيبهما من عقاب على فعل الكتابة. أجبته: أكتب بكلتا يديي، فانهال عليهما بالضرب بالهوز أيضاً حتى شعرت بأني فقدت الشعور بيديي، وكان خلالها يكيل لي الشتائم والسباب.
بعدها أمر بإيقافي مقابلاً للجدار وأنا معصوب العينين موثوق اليدين، لا أعرف تحديداً كم من الوقت مضى علي وأنا واقف وسط تورم قدمي ويدي للخلف، ويبدو أن حالي استدر عطف أحدهم الذي جلب لي كوب ماء، وأخبرني أني أمضيت قرابة ثلاث ساعات كاملة واقفاً. أخذوني بعدها إلى نضد الاستقبال الخاص بالمركز حيث رفعت العصابة عن عيني، وعرضت علي إفادة للتوقيع، وقعت، ثم تمّ أخذي إلى غرفة التوقيف حيث قضيت ليلتي الأولى هناك.
كانت هذه هي ليلة استقبالي الأولى في المعتقل، لم أكن أعرف ماذا ينتظرني نهار الغد، لكني علمت أنني لن أخرج خلال أيام، وأني لن أعود لبيتي وأطفالي قريباً، وأن هناك الكثير مما سينتظرني، كان جسدي يئن من الألم.