» تقارير
عقيدة الجيش: المالك كريم
2011-08-11 - 5:23 م
مرآة البحرين (خاص): من مآسي تاريخ الدكتاتوريات التي التي تعيد نفسها في التاريخ في شكل ملهاة مستديمة، أنها تُؤلّه نفسها، تمنح نفسها صفات الإله، وتثبّت هذه العقيدة في نفوس أتباعها وعقولهم، سنجد ثمة أتباع يزايدون فيمنحون الصفات الإلهية المطلقة لولي نعمتهم، والإيمان بولي النعمة يصل بالتابع حداً يظن أنه عبدٌ لعبد، مُلْك لرجل، أن بلاده وثرواتها، أرضها وسمائها، بحرها وفضائها ملك لصاحب جلالة، وأن هذا المُلكَ موروث، وأن البلد وليس الحكم فقط موروث، وأن ما على الأرض وما تحتها له وحده.
في الإفراجات الأخيرة التي تمت في مملكة البحرين بفعل الصمود الشعبي الهائل، أخرج النظام بعض المعتقلين الذين وقفوا أشواكاً في حلقه، ولم يستطع بلعهم، من هذه الشخصيات التي أفرج عنها من أسرّ بحوار عجيب جرى بينه وبين ضابطين في الجيش، في مناسبتين مختلفتين. حوار توضح ماهيته عقيدة الجيش الذي يقوده مشير فاشل.
تقول هذه الشخصية التي خرجت من السجن مؤخرا "قبل أيام فقط من الإفراج حينما تم الإعلان عن زيادة في رواتب موظفي القطاع العام، مرّ ضابط برتبة عالية عندنا داخل السجن، فقلت له: مبروك زيادة الرواتب، فأجبني: الله يبارك فيك. وتحدثنا حول موضوع زيادة الرواتب، ففاجأني هذا الضابط أنه يتوقع أن تكون الزيادة في الرواتب بنسبة 70%!!، أذهلني توقعه المبالغ فيه، فقلت له هذا لا يمكن، لأن هذه الزيادة ستكلف ميزانية الدولة كثيراً، بل ستصعّد ميزانية الرواتب لوحدها أرقاماً كبيرة جداً، وهذا ما لا يمكن للدولة بوضعها الحالي أن تفعه، فرد عليّ الضابط: لكن بوسلمان (الملك) كريم".
ويضيف "قلت له صحيح ولكن توقعك بزيادة 70% في الرواتب أمر غير معقول، فرد الضابط: كيف يكون غير معقول، والملك يستطيع أن يعطينا من دخل حقله النفطي، حقل أبو سعفة!!".
تقول هذه الشخصية " طارت حواجبي من العجب، وسألته: هل تعتقد أن حقل أبو سعفة النفطي هو ملك شخصي للملك؟، فقال الضابط: نعم وهذا الحقل تم إهداؤه منذ أيام الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية لأسرة آل خليفة!، وهنا أوضحت له: لكن ميزانية البحرين ربما يأتي أكثر من نصفها من هذا الحقل الذي هو مناصفة بيننا وبين السعودية، فعاد الضابط ليقول: هذا لأن الملك كريم!".
وفي حوار ثان مع ضابط آخر لم تحدد الشخصية المفرج عنها رتبته، جاء الحوار حول موضوع التجنيس واستبدال التركيبة السكانية للبلد، إذ قالت هذه الشخصية المعارضة، إن ما يجري في البحرين حالياً، هو تجنيس مخالف للقانون، فرد الضابط"كيف تفكرون أنتم؟!، هذه مملكة أبو سلمان، هل تعني أنك تملك بيتاً؟، فرددت على الفور : نعم. فأردف الضابط بثقة: الملك يملك البحرين كما تملك أنت بيتك، وهو يستضيف فيها من يشاء كما تستضيف أنت في بيتك من تشاء!".
تقول هذه الشخصية "خرست ولم أتكلم، فما سمعته كاد يصيبني بالإغماء، لم أكن أتصور أن هناك من يفكر بأنه مملوك كامل لإنسان آخر بهذه الصورة".
هذه هي نماذج من عقليات بعض الموالاة، ونموذج للولاء الوطني المراد تعميمه في البحرين، لا توجد حقوق، بل فرد يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، بيده الأمر، وهو على كل شيء قدير!، ربما كان واجباً أن نقول هنا: نستغفر الله.
هذه هي الصفات التي يراد للبحرينيين الاتصاف بها، من خلال تسليم إنسانيتهم والتوقيع على "سيوف الولاء"(1)، لأن هذا السيف أصبح يقطع اليد التي ترتفع بالمطالبة بالحقوق الإنسانية ويعتبرها يداً متمردة، ويرضى على اليد التي تُقبّل حدّه وتوقع ببيع إنسانيتها فوق حديده الحاد المصقول، ويعتبرها يداً موالية.
دكتاتوريات القرن الثامن عشر وما قبلها، ربما يخجل بعضها أمام هذه النماذج الحديثة من الدول التي يتواجد بعضها في الخليج العربي، لذا لا يعتبنّ أحد على البحرينيين إذا ما تمردوا منذ زمن بعيد على هذا النمط من الولاء، الذي هو في حقيقته نمط الإقطاع المحكوم بمنطق السيد والعبد.
ربما يجد البحرينيون عزاءهم في قراءة نص أخطر عقل متمرد في هذه الجزيرة العربية التي يعانون من دكتاتوريتها. إنه عقل المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي الذي وصف الديكتاتوريين، بقوله:"إن الغدر والكذب هما سحر كل ديكتاتور.. هما الدعاية الدولية له.. هما الإعلان اليومي عنه.. هما رواية التاريخ له وعنه.. إنه لايستطيع أن يكون غير متناقض.. إنه يمدح الشيء ويذمه.. إنه يذم الشيء ويفاخر بفعله... إنه ينتقل بين المتناقضات في مهرجانات من الدعاية والإعلان.. إنه يعبد الشيطان ويلعنه..يمتدح الملاك ويصلبه... إنه يكتب الدستور ويطلق النار على من ينادون به...إنه يدعو الى الحرية ويعاقب من يصدقونه... إنه يمجّد الكرامة ويسحبها من السوق ..إنه يقدس اسم الشعب ويحتقر إرادته".