» تقارير
أيام بسيوني وآلام الشارع البحريني: أعذب أيام عمار مدن
2011-08-03 - 2:25 م
مرآة البحرين (خاص):
يوماً بعد يوم يعجز النظام البحريني أمام التنين ذي الرؤوس المتعددة، تماماً كما في الأسطورة، كلما قطع هرقل رأساً للتنين نبتت له عشرة رؤوس مكانه. إذن ما العمل مع هذا الشعب المعاند في سلميته، لا يمل، يبتكر رؤوساً مدنية تطل على هرقل من كل مكان، البر والبحر وأزقة القرى وطرق المدن وأسطح المنازل وفضاء الجزيرة الواقعي والافتراضي وأقاصي المنافي؟
إنه يفعل، تماماً كما كانت تفعل الملكيات الأوربية المطلقة في القرون الوسطى، التعذيب العلني الوحشي، ليعتبر من لا يعتبر.لكن لم يعتبر أحد، صارت هذه الملكيات المطلقة عبرة، وتمّ تقييدها بدساتير تحفظ رؤوس الناس من سيف هرقل.
الغريب أنه في ظل وجود لجنة التحقيق الملكية التي شكلها الملك، فإن النظام البحريني ووزارة داخليته لا تبدو قلقة من وجود هذه اللجنة، وهذا مؤشر مقلق، ففي الوقت الذي يتوجه ضحايا الانتهاكات أو أهاليهم لمحققي اللجنة الملكية، يستمر مرتزقة الأمن في اتباع أسلوب وحشي جديد هو أسلوب التعذيب الميداني.
تماماً كالمحاكمات الميدانية التي تعقدها العساكر، إذ تقوم بالقبض على شخص وتحاكمه وتدينه في جلسة واحدة، تعقدها في المكان الذي يقبض فيه عليه، وتقوم بعده بتنفيذ الحكم مباشرة، بلا استئناف، إلا استئناف دورة التنكيل مجددا.
خلال الأسبوعين الماضيين اتبعت القوات الأجنبية التي يجلبها النظام الحاكم أسلوب التعذيب الميداني، بدءاً من الجريح حسن الاسكافي، ومروراً بعمار مدن، ومعتقلي بني جمرة، بما يشمل هادي العرب ورفاقه، وطفل من عائلة المهندس من قرية الدير.
المشهد كالتالي تنطلق التظاهرات السلمية في المناطق المختلفة التي تخرج يومياً، يقوم رجال الأمن برمي الغازات (السامة) داخل البيوت لتخنق النساء والأطفال والمعاقين بشكل متعمد، وقد أدى ذلك حتى الآن إلى: استشهاد الحاج عيسى محمد علي وهو رجل مسن يبلغ من العمر 71 عاماً من قرية المعامير في 26مارس الماضي، وفي شهر يوليو الماضي استشهدت كل من زينب آل جمعة، وعيسى الطويل، وهما من جزيرة سترة، وتعرض المئات للاختناق. وأظهرت تسجيلات فيديو ذات جودة عالية تم تصويرها من قبل المواطنين في سترة خلال اعتصام تقرير المصير لائتلاف شباب 14 فبراير ـ رجال أمن من الأجانب المرتزقة، وهم يرمون عبوات الغاز السام على منازل المواطنين(1).
وفيما يتفن البحرينيون في إظهار رؤوسهم المدنية، يرتد مرتزقة وزارة الداخلية ورجال الأمن إلى وحشيتهم البدائية في التنكيل والتمثيل بالرؤوس التي تهتف سلمية سلمية.من الأساليب الوحشية الجديدة خلال الأسبوعين الماضيين، يقبض المرتزقة الأجانب على أي شاب يرونه أمامهم، ويأخذونه بحيث لا يمكن تصويرهم ويقومون بإيقاع عذاب وحشي انتقامي على جسد الشاب، ثم يرمونه على قارعة الطريق ليلتقطه بعض المارة. ثم تخرج وزارة الداخلية بعد انتشار الخبر وانتشار صور جسد الشاب المعذب، لتنفي كالعادة، وليردد وكيل الوزارة أو مسؤول العلاقات العامة وكلاهما من عائلة بن دينة مقولة "غير صحيح"، أو يتم تضخيم الكذبة فيقال إن الشاب المصاب الذي تعرض للضرب والتعذيب كان في عراك مع أشخاص مجهولي الهوية. وهو الأمر الذي حصل في حادثة الجريح حسن الإسكافي(2)، الذي قالت وزارة الداخلية إنه أصيب بآلة حادة خلال عراك مع مجهولين.
بعد نحو خمسة أيام من إصابة الشاب حسن الإسكافي بعبوة غاز تم إطلاقها مباشرة على رأسه بقرب جدحفص، جاءت حادثة عمار مدن شاب من قرية الديه، عمار اعتقله الوحوش الذين تسميهم الدولة رجال أمن، وأخذوه لمركز شرطة المعارض، وهناك تم تعذيبه لمدة ساعتين، ثم تبول عليه اثنان من ضباط وزارة الداخلية، بعدها تمّ رميه بقرب حديقة قرب منطقة الديه، وهناك التقطه بعض السيّارة، ونتيجة للتعذيب الميداني الوحشي فقد أصيب عمار بكسور وكدمات شديدة في فكه ورسغه وظهره، ونزفت رئته دماً. وحتى كتابة هذا التقرير، فعمار مدن، في العناية المركزة في مستشفى السلمانية المحتل، لديه كسور في الأضلاع، وتبين الأشعة احتمال تأثر الرئة. وهو غير قادر على الكلام بسبب إصابة فكه إصابة بليغة، وبانتظار صدور تقرير طبيب اختصاصي العظام.
والمفارقة الصارخة، إن قوات الأمن المسيطرة على مستشفى السلمانية، اعتقلت نائب رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عيسى الغائب لزيارته للمصاب عمّار، وقد تمّ الإفراج عنه لاحقاً بعد التحقيق معه.
وإمعاناً في السياسة البدائية والوحشية التي لا تجيد غير تقطيع رؤوس التنين العنيد، فبعد يوم واحد فقط من حادثة (عمار مدن)، اعتقلت قوات الأمن عددا من شباب بني جمرة كانوا يجلسون بشكل طبيعي داخل منزل أحد الشباب، وتم أخذهم إلى مركز شرطة البديع، وهناك تم تعذيب الشباب، وعلى الفور أخذ رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان (نبيل رجب) أحد المحققين في لجنة القاضي محمود بسيوني، ليتوجه به إلى مركز شرطة الديه، وبالفعل ذهب المحقق وهناك التقى بأحد الشباب، فسأله ماذا فعلوا بك، فقال لقد استخدموا أسلوب التعذيب بالحرق في جسدي، لم يصدق المحقق ذلك، فرفع الشاب ثيابه ليريه أثر الحرق في صدره، وهنا انفعل المحقق وتحدث بقوة مع رجال (الأمن) الذين تورطوا بفعلتهم.
ولشدة التعذيب، فقد نقل أحد شباب مجموعة بني جمرة إلى المستشفى العسكري للعلاج، وتمّ الإفراج عن البقية بعد أخذ ورد، وأظهرت الصور لاحقا مقدار البشاعة التي يتحلى به رجال (راشد بن عبدالله ) الذي لم يرَ ما يستر به فضيحته سوى إحالة عدد من رجاله إلى التحقيق، علماً أنه لا يثق أحد بمحاكمات وزارة الداخلية لرجالها، فلم يحدث أن أدانت أحداً منهم على مر تاريخها الشديد السواد والسوداوية.
التصرف الأكثر سوءاً ودلالة على المرض النفسي الذي يصدر عنه هرقل ورجاله، هو شهادة أحد شباب مجموعة بني جمرة الذين تم الإفراج عنهم، فأحد مرتزقة (هرقل) من رجال الأمن كان يقوم بضربه فاتحاً موبايله، ليُسمع إحدى صديقاته صوت الشباب وهم يصرخون. كانوا يصرخون من شدة التعذيب وهمجيته، والجلاد كان يصرخ بفرح: اسمعي كيف نقوم بتأديبهم. لكن ما لا يعرفه هذا المريض النفسي، كما قال هذا الشاب: إن هذا الشعب لا يقطع رأسه.
قصص الاضطهاد والانتهاك تجمع القرى البعيدة في حكاية قريبة، فمن قرية الديه إلى قرية الدير خط سرد متصل، اختطاف وتعذيب ورمي، والصبي المعتقل من قرية الدير، هو من عائلة المهندس عمره 14 عاماً اختطفته سيارة سوداء تابعة للمخابرات، وأخذته لمركز الشرطة في سماهيج، وهناك تم ضربه ضربا مبرحاً.
هذه هي البحرين في عهد لجنة القاضي محمود بسيوني، شريط تعذيب غير منقطع، مشاهد في الشوارع متصلة السرد، وبالصوت والصورة من الإسكافي ومرورا بعمار مدن وشباب بني جمرة، وعشرات الشبان في البلاد القديم، وسترة، وكرزكان، والدير، وسماهيج، وقبلهم مصاب العكر. هكذا الشريط يمر، لكنه لا يتنهي عند أحد.
السؤال هو: هل يحتاج السيد بسيوني ورجاله الآن، التحقق من حقيقة جود تعذيب رسمي وممنهج تقوم به قوات الأمن الأجنبية من رجالات راشد بن عبدالله؟، وهل يستطيع أن يتخيل ماذا فعل رجال المشير الفاشل خليفة بن أحمد بالمتظاهرين البحرينيين خلال فترة قانون الطوارىء المسمى كذباً قانون السلامة الوطنية؟
الملاحظة الأخيرة، أو المفارقة هو عدم استنكار أي من جمعيات المعارضة حتى اللحظة عمليات التعذيب العلني بشكل صريح وواضح؟ ربما هم ينتظرون هذا التقرير أو ينتظرون بسيوني.
1. فيديو لرجال الأمن وهم يرمون الغازات الخانقة على البيوت
2. صور وفيديو الإسكافي: القمع مستمر، والكذب مستمر