فورين بوليسي: إذكاء نار التطرُّف في البحرين، الفاتح وجماعته

2011-07-22 - 7:36 ص


نشرتها مجلة فورين بوليسي. ويظهر تواجد جاليات آسيوية(الحشد الى اليسار) تشترك في حرق العلم الأميركي

فورين بوليسي، جستين جنجلر

ترجمة: مرآة البحرين.




في مقابلة له يوم السادس من يوليو/ تموز الحالي مع الصحفيين المصريين، والتي قامت بنشرها جريدة الأهرام المصرية، أدلى أحد القياديين البحرينيين بتصريح قال فيه " إنّ ما حدث في البحرين مؤامرة إيرانية، ولكن بدعم ومساندة أمريكية" وأضاف إنّ الأخيرة - أي الولايات المتحدة - تهدف إلى "رسم خارطة جديدة للمنطقة"، ثمّ تابع بإصرار قائلا:" ما هو أكثر أهمية من الحديث عن الخلافات الأمريكية- الإيرانية هو المصالح المشتركة بينهما في شتى المجالات، والتي في مجموعها تستهدف الصالح العربي".
 
مَن وراء نظرية المؤامرة هذه يا ترى؟ هل هو أحد القومين العرب المتطرفين؟ ربما. أم هو زعيم سني يقوم بقيادة تحرُّك مضاد لثورة شيعية؟ ليس تماما. في الحقيقة إنه ليس سوى المشير الركن خليفة بن أحمد آل خليفة: وزير الدفاع والقائد العام لقوة دفاع البحرين، وكما يدلّ اسمه أحد الأفراد البارزين في العائلة الحاكمة. وثورة الغضب هذه من قبل المشير والمستنكرة للتدخل الأمريكي في الشأن البحريني، ما هي إلا الأخيرة في سلسلة من الحوادث والاتهامات التي تكال علنا للولايات المتحدة  في البحرين. ولكنها مرة أخرى، تثير التساؤل عمّن وراء إذكاء نار التطرف في البحرين. وهذه المرة وفي غير السياق المعهود، فإنّ المسئول عن صناعة التطرف ليست الأغلبية الشيعية في البلاد.
 
وفي مفارقة لا تخلو من سخرية، فإنّ هذه الأجواء المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية يمكن إرجاعها إلى احتجاج قام بتنظيمه الناشطون السياسيون الشيعة أمام السفارة الأمريكية في المنامة. إذْ التقاهم هناك مسؤول الشؤون السياسية بالسفارة؛ ليستمع إلى شكواهم. وفيما يبدو بأنّه أحد التفاصيل التافهة، قام هذا المسؤول بتوزيع قطع من الحلوى( دونت) عليهم. وفّرت هذه الحادثة ــ  في الأسابيع اللاحقة ــ وقودا لأحد المقالات التي ذاع صيتها بشكل كبير على الشبكة العنكبوتيّة، وتصوِّر هذا المسؤول على أنه أحد المقاتلين الأعداء الحقيقيين. ثمّ ظهرت صور له ولأفراد عائلته مع عنوانه المحلي، ورقم هاتفه على أحد المواقع السّلفية، وفيه تمّ حثّ القراء على أن يقوموا بعمل ضدّه على اعتباره عميلًا لحزب الله. وخلال الأسابيع القليلة التي تلت، تمّ تعيين موظف جديد للشؤون السياسية في السفارة، وأعيد زميله القديم إلى الولايات المتحدة بهدوء.
 
وفي الوقت نفسه، قامت صحيفة الوطن التي تعدّ أكثر الصحف الحكومية تطرُّفا بنشر سلسلة من المقالات التي تفصّل ما تزعم أنّه مؤامرات أمريكية ضد البحرين. فتحت عنوان "واشنطن وسنّة البحرين"، تطرّقت هذه المقالات لما تقول عنه الصحيفة إنّه مجموعة كبيرة من السياسات والمعاهد الأمريكيّة، كان الهدف منها إضعاف حكم السنة في البحرين خصوصا، وفي دول الخليج العربية عموما. وشمل ذلك مبادرة وزارة الخارجية الأمريكية  للشراكة في الشرق الأوسط، والمعهد الوطني للديمقراطية (NDI)، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومعهد الدراسات الأمريكية في جامعة البحرين الذي أعيد تنظيمه.

وفي نهاية يونيو/حزيران الماضي، أدّت هذه المقالات إلى سلسلة جديدة من المقالات أقلّ مواربة وأكثر وضوحا وصراحة بعنوان " آية الله أوباما والبحرين". وتستفيد هذه المقالات من الاسم المسلم للرئيس الأمريكي لتصوير الولايا ت المتحدة بوصفها دولة لم تهجر حلفاءها في دول الخليج العربية وحسب، وإنّما يرأسها رجل يحمل ميولًا أيديولوجية شخصية متعاطفة مع الشيعة. وامتدت هذه السلسلة من المقالات من 26 يونيو وحتى السادس من يوليو. ولم تتوقف إلّا باحتجاج رسمي من السّفارة الأمريكية.
 
ولم تتوقف هذه الموجة عند الحملات الإعلامية فقط. فعندما أقامت الوفاق - أكبر جمعية سياسية شيعية معارضة في البلاد - تجمعاً للتأكيد على مطلبها التي تنوي التقدم به إلى مؤتمر الحوار الوطني خلال جلسة هذا الأسبوع - والمتمثل في حكومة منتخبة - وُوجِه هذا التجمع بتجمع آخر دعا إليه السنة الموالون. وكان الهدف منه ليس موجها نحو السياسة الدّاخلية، وإنّما "لإنهاء التدخُّل الأمريكي في البحرين". وفوق المنصة الرئيسية تدلّت لوحة بعرض 15 قدما تحمل أعلامًا "للمتآمرين" على خليج العرب، وهم: الولايات المتحدة، والوفاق، وحزب الله، وإيران. وتحتها لوحة أخرى كتب عليها: "البحرين خليفية، اللهم احم البحرين من الخونة".
 
وفي السياق نفسه ، ومن بين عدد من الأمور، خاطب رجل الدين الصّاعد الشيخ عبد اللطيف آل محمود مستمعيه قائلا:" الولايات المتحدة هي من قامت بتقسيم البحرين إلى سنة وشيعة، مثلما فعلت في العراق". ثمّ تابع قائلا: " إذا كان النظام ضعيفا فليقلها علنا، وليدَعْ الناس يقولون كلمتهم، وإذا كان النظام بحاجة إلى تجمع أمام السفارة الأمريكية فإنّ النّاس مستعدون". ثمّ يقول الشيخ مصعدا" وإذا كانت الولايات المتحدة تهدّد بسحب قواتها والتسهيلات التي تقدمها إلى البحرين، فلتذهبْ إلى الجحيم هي بجنودها وتسهيلاتها، ونحن مستعدون أنْ نموت جوعا من أجل الحفاظ على كرامتنا ". هذا كلام الرجل الذي قبل أشهر قليلة فقط، قام بترؤس تجمع سنّي ضم مئات الآلاف من السنة البحرينيين.
 
إنّ التحشيد المناهض للولايات المتحدة من قبل الموالين للنظام يُنذر بالسّوء، في مفارقة أخرى لا تخلو من سخرية أيضا؛ وذلك نظرا لردّة الفعل الأمريكية الفاترة تجاه احتجاجات 14 فبراير، والتي كانت ترتكز على فرضية أنّ البحرين المحكومة شيعيا هي بحرين من دون أسطول أمريكي خامس. ولكن ولسوء الحظ مرة أخرى، فإنّ الأمور ازدادت سوءا.
 
وبالإضافة إلى هذه المشاعر الجماهيرية، هناك قضية أخرى تبعث على إثارة المزيد من القلق : الخلاف طويل الأمد الذي يقسّم العائلة الحاكمة، والذي دفعت به الأزمة الأخيرة إلى الواجهة. فما بعد فبراير شهد صعود جناح العائلة الأكثر تشددا، والمتمثل في شخص رئيس الوزراء الممسك بتلابيب السلطة منذ أربعين عاما على حساب الجناح الأكثر اعتدالا فيها، والمتمثل في الملك وولي عهده، والذي اختفى تماما بعد فشله في عقد صفقة مع المعارضة تضمن إنهاء الاحتجاجات في الأيام الأولى من الأزمة. ويأتي ذلك على الرغم من جهود الولايات المتحدة لإحياء دوره السياسي، والتي توّجَت بلقائه بالرئيس أوباما في واشنطن يوم 7 يونيو/حزيران الماضي.
ما هو لافت للنظر في خطاب المحمود لطائفته السنية ليس تهديده للولايات المتحدة، وإنّما التهديد الموجه لحكومته. فعندما يقول " إذا كان النظام ضعيفا فليقلها علنا، وليدع الناس يقولون كلمتهم"، هو أمر أقل ما يمكن أن يقال فيه إنّه تحدٍّ صريح للجناح الحاكم في العائلة الحاكمة. وكأنّه يقول لهم: قوموا بفعل ما هو ضروري لمصلحة البلد، وإلّا تنحوا عن طريق من هو مستعد لفعل ذلك.
 
إنّ عدم قدرة الملك حمد لحد الآن على وضع حد لكلا الأمرين— التحرّش بالسفارة الأمريكية والرئيس أوباما الذي امتد لأشهر من ناحية، والنقد العلني لطريقة إدارته للأزمة السياسية في البحرين من ناحية أخرى — يشير إلى خوف الملك من خسارة ما تبقى له من القليل الثمين من دعم في الدوائر السنية النافذة في البلاد. وبالفعل، فبدلا من أن يقوم الملك بإخراس هذه الأصوات الرديكالية فإنّه سعى من باب الضرورة إلى إضفاء الشرعية عليها. ففي 21 يونيو، ذهب بعيدا إلى درجة أنّه قام بزيارة شخصية إلى عائلة آل محمود؛ إذْ قام - وبحسب وكالة أنباء البحرين - بمدح الشيخ عبد اللطيف آل محمود على ما قام به من جهود "حماية لوطنه ودينه".
 
عندما اشتعلت الاحتجاجات في البحرين، كان الحديث أساسا عن حكومة سنية صديقة، تمّت محاصرتها بواسطة أغلبية شيعية موالية لإيران، وهي فئة معادية للغرب بطبيعتها، وازدادت الخشية من أنّها ازدادت  تطرفا في أعقاب حملة القمع الأمنية الكاسحة التي رامت خنق احتجاجاتها. وبالنسبة لصانعي السياسة الأمريكيين - والذين تحملوا لأشهر عديدة الانتقادات بسبب دعمهم اللامحدود للحكومة البحرينية، في الوقت الذي قاموا بمساندة الحركات الديمقراطية في أماكن أخرى، فإنّ مفارقة الحملة المناهضة للولايات المتحدة من قبل الإسلاميين السنّة لابد وأنّها تبعث على السّخرية، وخصوصا عندما تكون هذه الحملة مُكنت - إنْ لم تكن زُرعت - من قبل أفراد برغماتيين من العائلة نفسها، التي سعت الولايات المتحدة - وبكل طاقتها - للحفاظ عليها.

15-7-2011



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus