ملك يُكابر.. هيبته تُداس بالأقدام!

يوسف سلمان يوسف - 2014-03-26 - 8:17 م

يوسف سلمان يوسف*

لا يحتاج أصغر طفل، وأصغر أم بحرينية إلى وصاية قائد سياسي أو حزب معارض بالتحريض على رفض الظلم، أو إرشدهما إلى كراهية النظام واكتشاف أن العدالة مفقودة في بلادنا، فالمطالبة بالحقوق لا تحتاج إلى قائد أو حزب.. ودندنة نغمة: "تن تن تتن" الشهيرة مثلًا، لم تنزل من السماء هكذا قاصدة البحرين دون غيرها من البلادين.. فقد جاءت بعد تراكمات كمية من الانتهاكات الفظيعة، توارثها شعبنا جيلًا بعد جيلٍ على مختلف محطاته وحقبه النضالية.

كل جيل أخذ نصيبه في وطننا الجريح، أما جيل ثورة 14 فبراير 2011 قد كسر المعادلة حين وجد نفسه يعيش في ظل حكومة ديناصورية امتدت لأكثر من 40 عامًا، تتوارث الأرض، ومن عليها، وما في جوفها باسم الحق الإلهي لمشيخة غازية تغوّلت وأفرطت في ظلمها واستبدادها وسياسة التمييز العنصري الذي تمارسه، وتتعامل مع شعبنا باعتباره قطيعًا، أو حفنة من المخربين، والمشاغبين، والفوضويين، والغوغائيين، الذين لا ينفع معهم غير العصا لتأديبهم، أو نفيهم وتشريدهم خارج البلاد، أو إيداعهم السجون وتصفيتهم تحت وطأة التعذيب.

كما لا يحتاج أطفال البحرين، شبابها وشاباتها، أن يطلب منهم قائد أو حزب أن يبتكروا أساليب نضالية جديدة في عصر الثورة التكنولوجية و"تعويم الأيديولجيا"، وفق تعبير الراحل المناضل عبد الرحمن النعيمي، ليقولوا: كفى ترك مصائر الناس بإرادة فرد (أفراد) تحكمهم وتتحكم فيهم، ينهبون أموالهم العامة ويفسدون دون حسيب ورقيب، ولا يطالهم القانون، أو يستخفون بعقولهم بشعوذات وخطابات سياسية وكذب فاقع، ثم يخرج مختار العصر على التلفاز في أوج أكبر أزمة تعصف بالبلاد ليسأل المشاهدين: "صوتي حلو؟".. و"البنات بنات والأولاد أولاد!".

جيل 14 فبراير، تعلم الخروج والتظاهر في الساحات والميادين، وملأ الشوارع بأمواج بشرية وحّدها الغضب عندما فقد ثقته في النظام السياسي وقادته ومن حولهم، فواجه الدبابات، والمدرعات، ورصاص، ووحشية جيش الاحتلالين، السعودي والخليفي، ومرتزقته، بصدور عارية، رافعًا أعلام بلده وورودًا متداخلة بشارة النصر الرمزية في وجههم، ووجه أي مستبد وظالم، مرددين دون تردد أو توجس شعار: "من بعد الخميس أنهينا الكلام/الشعب يريد إسقاط النظام!، وشعار يسقط حمد.. حتى الدوس على صوره بالأقدام في الشوارع العامة".

هذان الشعاران بالمناسبة، حق من حقوقه الإنسانية، ضمن مفردات حرية التعبير وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث تبناها هذا الجيل تراكميًا من بشاعة ووحشية هذا النظام، ومن الثورة التكنولوجية لعصره التي صار العالم بفضلها قرية صغيرة، واستثمرها بالوجهة الصحيحة للتغيير، على الرغم من عواقب هذه المفردات في بلاده على مطلقها.

تجدر الإشارة انه بإمكان نظام حكم الفرد، الذي ابتلي شعبنا به وبمرتزقته وبأجهزته الأمنية الانكشارية، أن يجبر الأطفال، والشباب، والشابات، والشيوخ، ومن تطاله هذه الأجهزة في قبضتها، على الاعتراف بما يشاء من تلفيقات قضايا أمنية ضدهم، وكذلك يجبرهم على الاعتراف بأية تهمة ما أنزل الله بها من سلطان، ومن ثم إدخالهم في شبكات وهمية "إرهابية وعنفية" ويربطهم فيما بعد بدعم وعمالة، وأجندات جهات أجنبية خارجية معادية، وبالتالي يوصم حراكهم السلمي، الذي شهد له العالم، بخرافات وخزعبلات تؤكد أكاذيبه من الفضاء المحلي إلى الفضاء الخارجي.

المسؤولون عندنا؛ من أعلى رأس في السلطة إلى أصغر زمّار موالٍ لها، يريدون خلق شعب بليد يقوم على فلسفة غريبة عجيبة ومعادلة كريهة تجاوزها الزمن مفادها: "من واجب المواطن، مقهورًا كان أو مسلوبًا، أن يقبل بالمقسوم ويحرص على الحكم والحكومة، والأنكى، أن يهتف كالببغاء بـالروح والدم نفديك يا حمد، في المقابل، ليس من واجب الحاكم وحكومته أن تحرص على أمن المواطن والعيش في وطنه حُرّ وكريم".

عند أول صرخة لأم أول شهيد (علي مشيمع) في ثورة الرابع عشر من فبراير 2011: "شايلينك.. شايلينك يا حمد" إلى هتاف الجماهير: "مطلبنا رأس حمد!"، ثمة مسافة مطردة لمبدأ حق تقرير المصير، حتى وإن خرج علينا زمّارون يطلبون من أهالي الشهداء والمنكوبين في كوميديا ساخرة ليتغنوا بقاتل أبنائهم: "عيني ومي عيني.. يحميّد يا يابا/ تسوه هلي.. وكل الكَرابه.. يحميّد يا يابا!"

عزيمة هذا الجيل مختلفة، ومن الصعب كسرها بحملات الاختطاف، والمطاردات اليومية، والاعتقالات، وإغراق المناطق بالغازات السامة، وإطلاق الرصاص الحي والشوزن، والقتل في الشوارع وتحت التعذيب في السجون، وحصار المناطق الثائرة بنقاط التفتيش، أو محاولات تكميم أفواهه، وهكذا اختبر جيل ثورة الرابع عشر من فبراير جميع هذه الأساليب القمعية منذ طفولته، فمنذ كان عمره عشر سنوات في العام 2011 صار عمره الآن 13 عامًا، ومنذ كان عمره 17 صار 20 عامًا، وتراكمت خبراتهم وابتكاراتهم النضالية، وهذه الأعمار وغيرها، منهم من سقط شهيدًا، ومنهم المعتقل، ومنهم المختطف والمطارد والجريح، إلا أن إرادتهم أفشلت إلى الآن جل مخططات السلطة وأكاذيبها، وسددت لها هزائم أخلاقية وسياسية وحقوقية على المستويين، المحلي والعالمي، حتى غدا الملك يحاول شراء هيبته بتغليظ العقوبة لمن يمس ذاته، بينما الجماهير تدوس صوره بالأقدام، كنتيجة طبيعية لانعدام الثقة الجماهيرية في إصلاحه وإصلاح مشيخته، بسبب الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي تمارسها حكومته ضد المتطلعين نحو التغيير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقيقية.


يخبرنا الكاتب السياسي فخري كريم، رئيس تحرير صحيفة "المدى" العراقية، بأن "الكذب في الدولة ليس خطيئة أخلاقية تصم صاحبها بالقصور، بل جناية يحاسب عليها القانون، لأنها لا تقتصر على خداع الجمهور، بل تسبب إرباكات وتعقيدات في المشهد السياسي، وقد تهّز سوق المال والأعمال".

*كاتب بحريني.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus