» رأي
خصخصة السياسة والمهمات القذرة
محمد نجم - 2011-07-17 - 7:40 ص
محمد نجم*
لكن النظام البحريني الذي برع في بيع عدد من القطاعات الحكومية من أجل تنفيع المتنفذين برع في شيء آخر أيضا وتفرد به بين الأنظمة العربية، وهو بيع الثورة المضادة والمهمات القذرة ليقوم بها غيره من المقاولين فيما تظل يده ولسانه نظيفان ومهذبان.
والحق أن من تابع خطابات صاحب الجلالة وولي عهده، بل وتصريحات رئيس الوزراء لن يجد في مفردات هؤلاء ما وجدناه في مفردات القذافي وبن علي ومبارك وعلي صالح والأسد من وصف للشعوب بالجرذان والخونة والمهلوسين والعملاء وغير ذلك من الشتائم.
كان خطاب رموز النظام البحريني متوفرا على حد معقول من الاحترام والرصانة، بغض النظر عن اتفاقنا مع مضمونه بينما أوكلت مهمة اليد القذرة واللسان القذر إلى حزب "الوحدة الوطنية" وإلى صف طويل من تكنوقراط وسوسيوقراط ورياضيين وإعلاميين وجمعيات الغونغو المهنية من الصحفيين والأطباء والاقتصاديين والمحامين، وما يسمى بحقوق الإنسان وبعض النقابات الصفراء بل وعدد من الأجانب والعرب الذين يسيل لعابهم للحصول على جنسية أو امتياز من أي نوع لقاء الطعن في الثورة والنيل من وطنيتها، مع استعداد كامل من أجهزة المخابرات لتزويد هؤلاء بكل ما يحتاجونه من معلومات طازجة عن خصوصيات المعارضين وتحركاتهم.
غير أن مشكلة هؤلاء الذين تم إيكال مهمات الثورة المضادة إليهم هي ضعفهم الشديد فكريا ومنهجيا بما يزيد القذارة اتساخا ووضوحا، وبما يحرج حتى النظام الحاكم لفرط امحاء المسافة بينهم وبين الحكم بل والمزايدة على الحكم في التغول والاستئساد على الناس الأبرياء، وهذا ما يجعلهم غير مقبولين كممثلين لأنفسهم فضلا عن تمثيلهم للناس أمام الرأي العالمي.
وكان من أبرز مفارقات هؤلاء أنه عشية مناقشة المحور الفرعي حرية الرأي والتعبير ضمن المحور الرئيسي (الحقوقي) في جلسات حوار التوافق الوطني، الأحد 10 يوليو والذي رأس جلسته رئيس تحرير (الوسط) عبيدلي العبيدلي، بدا الشيخ فواز بن محمد آل خليفة رئيس هيئة الإعلام يضحك سرا متهكما على رئيس نادي بوري الذي كان يبذل جهدا كبيرا للإيحاء للشيخ الوزير بأنه مواطن شيعي من بوري لكنه موال للنظام وراح يشتم الفيسبوك والتويتر والـ SMS وصلوات الجمعة المسيسة مرددا "نريد وطنا يحكمه آل خليفة لا شيوخ السنة ولا الشيعة".
كما أثارت التهكم مداخلة أنور عبد الرحمن رئيس تحرير أخبار الخليج الذي بعد استعراض نرجسي لعمله في الصحافة وتضخيم سمج للذات راح يصف مستخدمي الشبكات الاجتماعية بالتافهين والسفهاء، وكان رذاذ الغضب يتطاير من فمه أمام الميكروفون بما لا يليق برئيس أقدم جريدة في البحرين، فيما كان الشيخ فواز يعلق بأدب جم على إغلاق المواقع الإليكترونية ويقول "ليست هيئة الأعلام مسئولة عن عمليات الإغلاق بل جهات أخرى ونحن فعلا بحاجة لقانون ينظم النشر الإليكتروني ويوحد المسئولية في مؤسسة واحدة".
أما في ليلة مناقشة قانون الجمعيات وحين كانت الوزيرة فاطمة البلوشي تقر بالحاجة لقانون عصري للمجتمع المدني يتناسب و تحولات البحرين منذ الميثاق، لأن قانون الجمعيات الحالي يعود إلى عام 1989، كان دمية النظام رئيس جمعية الأطباء المعين (نبيل الأنصاري) يطالب بوضع بند ينص على الولاء للنظام في القانون ويتهم الإدارة السابقة للجمعية بالعمالة للخارج والانقلاب على النظام، ويشترط على كل منظمة مجتمع مدني تريد الانضمام إلى حاضنتها العالمية أو العربية ذات الصلة الحصول على موافقة الحكومة.
وراح رئيس نادي بوري المسكين يدعو لأشد العقوبات ضد الأندية والجمعيات التي "توالي الخارج وتسيس العمل الاجتماعي" وراح صحفي مصري حصل على الجنسية حديثا وأصبح عند المعارضين يحمل لقبا كارتونيا هو "قومي تحت الطلب" وهو السيد زهرة يتهم المجتمع المدني البحريني بأبشع التهم التي تصل إلى الخيانة العظمى ويطالب بفرض القيود على استلام دعم المنظمات الخارجية الأم، التي تنتمي لها منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، حتى قالت الوزيرة فاطمة البلوشي في سرها إن الحكومة أرحم على المجتمع المدني من هؤلاء المتملقين.
وكان "السيء زهرة" هو نفسه أيضا في المحور السياسي بتاريخ 10 يوليو يصف المطالبة بحكومة منتخبة بأنه مطلب طائفي ذو أجندة خارجية انقلابية، فيما كان وزير العدل ممثل الحكومة وعضو العائلة الحاكمة يجلس مستمعا بكل حياد لمداخلات المطالبين بحكومة منتخبة. وأما على الصعيد الرياضي فلم تلوث اللجنة الأولمبية البحرينية يدها بتوقيف الرياضيين هربا من أية مساءلة محتملة. لكن ما أن انتهت حلقة الراصد التليفزيونية المخصصة للرياضة والتي لعب فيها الصحفي الرياضي ماجد سلطان دور المفتش بامتياز وتداخل فيها رئيس اللجنة نجل العاهل ناصر بن حمد مهددا بسقوط الطوفة (الجدار) على كل من نادى بسقوط النظام حتى بادرت الأندية الكبرى بإيعاز سري غير مكتوب من المؤسسة العامة للشباب والرياضية بإيقاف عشرات الرياضيين من لاعبين ومدربين وإداريين في كل اللعبات.
وتبرع لاعب بارز هو أحمد عبد النبي بشتم حكام مباراة فريقه بذريعة مذهبهم والطعن في أعراضهم بأنهم أبناء متعة ومن رحم الدوار، وبدلا من لومه على تصرفه غير الرياضي والطلب منه في الحد الأدنى تصحيح خطأه بما يحفظ اللحمة الوطنية، راح الطائفيون من أصحاب الأقلام الرياضية مثل ماجد سلطان ومحمد لوري ومحمد طالب ومحمد المداوي وغيرهم، في اصطفاف طائفي غريب يدافعون عنه ضد العقوبات التي اتخذها اتحاد كرة اليد ضده وضد ناديه (النجمة) دون أن يشيروا لتصرفاته الحمقاء التي لا تليق بطفل في فريق البراعم، فضلا عن واحد أبرز لاعبي كرة اليد الدوليين في البحرين.
وغداة زيارة الوفد الأيرلندي القريبة للبحرين، وفيما كانت وزيرة الصحة بأمر حكومي تعطي للوفد كامل الحرية في الحديث عن براءة أطباء الثورة المغدورة والمطالبة بإطلاق سراحهم، كان الرئيس الدمية لجمعية الأطباء نبيل الأنصاري يفرش مقر الجمعية لاستقبال الوفد، ويرص الأكاذيب في جهاز العرض متوسلا الوزيرة أن لا تستقبل الوفد بل تتركه لجمعيته البائسة، ليسرد عليها أساطيره المخترعة التي تحول القتلة إلى ضحايا والضحايا إلى قتلة. لكن لسوء حظه قابل الوفد الوزيرة واستمعت إليه فيما قام الأنصاري بتشجيع بعض البلطجية لإفشال المؤتمر الصحافي للوفد بافتعال خناقة واضحة الاختلاق مع الصحفية ريم خليفة وهو ما زاد البحرين إحراجا في ملف الأطباء المعتقلين.
وشيئا فشيئا يصبح هؤلاء الدمى بغبائهم عبئا على النظام، لا عونا له ليقذف بهم في أول منعطف، ذلك أن فضيلة كل مخلوق كما نعلم هي أن يخفي هيمنة خالقه إلى الحد الذي يبدو حرا ولو ظاهريا، لكن النظام لم يفشل فقط في القضاء على معارضيه بل أيضا في صناعة أنصاره.
*كاتب بحريني