الشيخ ميثم السلمان في حوار مع «مرآة البحرين»: الخطاب التكفيري يتنامى، والسجية البحرينية حمتنا من العنف الطائفي (2-2)

2014-02-19 - 11:13 م

مرآة البحرين (خاص): تواصل مرآة البحرين حوارها مع الشيخ الدكتور ميثم السلمان، مسؤول دائرة الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان. يكشف السلمان في هذا الجزء عن عمل المرصد حاليًا على التحقق في شكاوى متعلقة بهدم 7 مساجد أخرى لم يسبق الإعلان عنها ضمن الـ38 مسجدًا المعروفين. ويشير إلى قيام المرصد بتوثيق كل الخطب، والتغريدات، والمقالات، والتصريحات التي تحرّض على الكراهية الطائفية والعنف الطائفي. كما يتحدث السلمان عن دور سجية الشعب البحريني المسالم (بشقيه السني والشيعي) في حماية الشارع من الانجرار للعنف الطائفي، كما أشاد بدور آية الله الشيخ عيسى قاسم في حفظ الشارع الشيعي -رغم كل الاستفزازات الطائفية التي تعرض لها- من الانزلاق في مستنقع العنف الطائفي الذي كان مخططًا له. وأكد أنه لا مناص عن دولة المواطنة المتساوية، من أجل الوصول إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي.

الهوية الفرعية والهوية الأم

مرآة البحرين: المعارضة في البحرين لها أهداف سياسية للتحول نحو الملكية الدستورية، هل التحول إلى الديمقراطية سيسبب إقصاء لفئة معينة من الشعب؟

السلمان: لا يمكن أن تستقر أحوال الوطن إلا في بيئةٍ سياسية ومدنية تعزز المواطنة المتساوية، وتكون فيها الهوية الوطنية هي الوعاء الجامع لكل المواطنين؛ بصرف النظر عن تلاوينهم المذهبية أو القبلية أو حتى رؤاهم السياسية والأيديولوجية. المواطنة المتساوية مطلبٌ تسعى إليه الشعوب المتحضرة لصناعة الاستقرار السياسي والاجتماعي، لا يمكن للمجتمع أن يستقر بتهميشِ وإقصاء ِفئاتٍ مجتمعية، وحرمانها من الشعور بالمساواة، والعدالة الاجتماعية، والتمثيل السياسي العادل. 

سياسة التمييز وإعطاء امتيازات لفئة على حساب الأخرى مظهرٌ للتخلف السياسي، يعود بالضرر على كل الوطن، بما فيه الفئات المستفيدة من الامتيازات، ولذلك فإن المطالبة بتعزيز الانتماء الوطني لكل أبناء الوطن بتعدد أصولهم، ومذاهبهم، وإثنياتهم، ومواقعهم الاجتماعية، وأوضاعهم الاقتصادية هو عين التحضر والوطنية، وكل دعوة تناقض ذلك تمثل تخلف ورجعية؛ لكونها تضعف الانتماء الوطني وتعزّز الانقسام المجتمعي والفئوي والطبقي، وتقوّي الهويات الفرعية على حساب الانتماء إلى البحرين. 

منذ المجلس التشريعي في 1938، والسنة والشيعة في البحرين يناضلون من أجل المواطنة المتساوية. لذلك، فإن رفض التطوير الديمقراطي، وعدم تعزيز مبدأ صوت لكل مواطن يعارض طموح الآباء والأجداد (السنة والشيعة)، ولا يمثل فئة أو مذهبًا دون الآخر. التحول الديمقراطي سيجلب العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والحرية السياسية لجميع المواطنين، وهو مطلب لا تتخلف عنه المجتمعات المتحضرة المتطلعة لغدٍ أفضل.

السجية البحرينية

المرآة: بالرغم من الانتهاكات التي طالت قرابة 38 من المساجد والمآتم ودور العبادة للطائفة الشيعية ـ ضمن مسلسل الاستهداف الطائفي ـ إلا أننا وجدنا المستهدفين يتحلون بقدر كبير من ضبط النفس وعدم الانجرار إلى العنف الطائفي كرد فعل، كيف تفسر هذا الموقف؟

السلمان: السجية العامة لجميع البحرينيين شيعةً وسنةً هي التسامح واللين والطيبة، المجتمعات في مراحل الاحتقان السياسي والتوتر الأمني قد تجنح لشيءٍ من العنف، غير أن الحركة المطلبية في البحرين هي أكثر الحركات سلميةً في ثورات الربيع العربي؛ وهذا راجع لثلاثة أسبابٍ رئيسية في تصوري: 

أولًا: نَجِدُ سكان الجبال يختلفون في طباعهم عن سكان الصحاري والبراري، ونجد سكان الجزر والأرياف يختلفون في طباعهم عن سكان البراري والصحاري، ومجتمع البحرين الأصلي مجتمع حضري وزراعي وريفي، وليس مجتمعًا بدويًا صحراويًا وبريًا. ربما هذا المدخل مناسب لتسليط الضوء على ما يميّز طبيعة البحرينيين المتسامحة، فالبحريني في تكوينه الأنثروبولوجي لم يمر بصورة عامة برعونة الصحراء، وقسوة البراري، وبداوة العيش، كما مرت بعض الشعوب الصديقة، ولعل ذلك جعل التسامحَ سجيةً وطنيةً أصيلةً مترسخةً في الشخصية البحرينية، فقد حبا الله هذا الشعب طباع التسامح والطيبة والصفح والسماحة والتآلف، جعلت اسم البحرين وشعبها في ذهنية الشعوب الأخرى مرتبطًا بالتسامح والطيبة والسماحة. أما حالات القسوة والتشدد والتطرف والتكفير، فهي حالات غريبة ودخيلة وطارئة على المجتمع البحريني. ربما لو هدم 40 مسجدًا لطائفةٍ تمثل ما لا يقل عن نصف الشعب في بلد آخر لانجرّت تلك الطائفة لردات فعلٍ مجنونةٍ في عنفها وغضبها، ولكن شعب البحرين بطبعه لا يجنح للعنف، ولا يميل للقسوة، ولا يتبنى ثقافة التكفير والتطرف والعنف. 

سلمية الثورة والمعارضة

ثانيًا: شعار "سلمية ... سلمية"، الذي انطلق في 14 فبراير 2011، تحوّل من شعارٍ منطوق إلى استراتيجية حركية ثابتة، وخيار سياسي واجتماعي وديني. نجحت المعارضة الوطنية في التمحور حول السلمية واللا عنف، منذ الرابع عشر من فبراير 2011، لتضرب البحرين نموذجًا راقيًا في العمل السلمي، وتتفوق المعارضة أخلاقيًا على أصحاب خيار البطش والقمع والقسوة، بتمسكها بالأساليب السلمية في المطالبة بالحقوق المشروعة لشعب البحرين. 

الجمعيات المعارضة توّجت هذه القناعة بإطلاق وثيقة ومبادئ اللا عنف، في 8 نوفمبر 2012، التي أكدت التزامها المبدئي بالسلمية: «العنف لا يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق مطالب مشروعة أو أن يستخدم لمنع تحقيق مطالب مشروعة». ورغم حساسية الوضع إلا أن هذه الاستراتيجية قد نجحت في إحباط مساعي الجهات التي سعت لجرِّ الشارع إلى خيار التصادم الأمني والمواجهة العنيفة فخسرت رهانها في جر المعارضة الوطنية لخيارات غير سلمية.

كما نجحت القوى الوطنية في تحديد مساحة الخلاف السياسي ودوائره بصورة واضحة؛ فالصراع في البحرين بين جبهةٍ تطالب بالتحول الديمقراطي وتحقيق التمثيل الشعبي العادل، وجبهةٍ ترفض التحول الديمقراطي وتصر على بقاء الوضع على ما هو عليه. إن محاولات السلطة لإيهام العالم أن الخلاف القائم بين الشيعة والسنة قد فشلت، وقد أهدرت في سبيل ذلك الملايين بغية صبغ الحركة المطلبية بالصبغة الطائفية ولكنها فشلت.

حكمة عيسى قاسم

ثالثًا: لك أن تختلف أو تتفق مع قناعات وخطابات ومواقف آية الله الشيخ عيسى قاسم، لكن الإنصاف الموضوعي يوصلك إلى نتيجةٍ قطعية، وهي أن هذا الرجل قد نجح في حفظ الشارع الشيعي من الانجرار لردات فعلٍ عنيفة تجاه كافة شركاء الوطن، أدرك آية الله قاسم أن خصوم الديمقراطية ربما يسعون بهدم المساجد التي يرتادها أبناء الطائفة الشيعية وتعريض الشيعة للمهانة والازدراء المبرمج في الإعلام، وانتهاك حرماتهم وحقوقهم، لجر الشارع الشيعي للتصادم العنيف مع الشارع السني، فأفشل المخطط بإصراره على تحميل السلطة ـ لا المكون السني ـ مسؤولية جريمة هدم المساجد وبقية الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان. وبإصراره على السلمية ورفض العنف، والوحدة الوطنية، ورفض الانجرار للتعاطي مع الخطابات التي تحرض على الكراهية الطائفية والتخوين الوطني بالمثل، بقيَ خطابه داعيًا إلى الوحدة والتقارب والألفة بين المكونات المجتمعية، رغم تحدثه الصريح عن معاناةِ الشعب، وأوجاعِ المواطنين، وتشخيصه الدقيق لمرض الاستبداد السياسي، وذكر مصاديقه، والدعوة للحلول التي تلبي المطالبَ المشروعة للشعب في حياة حرة كريمة، وعدالة اجتماعية، وتمثيل سياسي عادل. 

أقولها صراحةً: إن الشيخ عيسى قاسم يستحق الشكر من كل البحرينيين ـ بمختلف تلاوينهم ومذاهبهم ـ لحكمته ودرايته بكيفية إحباط أجندةٍ كادت تجر الشارع إلى التصادم الطائفي العنيف.

7 مساجد مهدومة تحت التحقق

المرآة: بصفتك مسؤول الحريات الدينية في مرصد البحرين لحقوق الإنسان قمت بالعديد من الزيارات لشخصيات دولية ولمنظمات، كما أقمت العديد من الفعاليات، سلّطتَ خلالها الضوء على هدم المساجد في عددٍ من دول العالم، كيف كان الانطباع الدولي تجاه هدم المساجد؟

السلمان: جريمة هدم المساجد شوّهت سمعة البحرين، وأسست البنية المعنوية لتنامي التطرف والتكفير، السلطة تتحمل مسؤولية ذلك كله أمام الله والشعب والتاريخ والمجتمع الدولي. المجتمع الدولي بصورة عامة متعاطفٌ مع الشعب البحريني في حراكه الديمقراطي، وكل الشعوب المتحضرة ترى هدم المساجد وصمةَ عارٍ في جبين النظام. 

المرآة: ذكرتَ في تصريحٍ سابق أن لجنة تقصي الحقائق برئاسة السيد بسيوني لم تقم برصد كل الانتهاكات التي طالت المساجد، والمآتم ودور العبادة، كيف ذلك؟

السلمان: نعم، بيّنتُ في أكثر من لقاء أن اللجنة لم تستطع معاينة كل المساجد المهدمة لصعوباتٍ لوجستية، غير أن ذلك لا يعني عمليًا نفيها لهدم بقية المساجد، فريق التحري بلجنة بسيوني تمكن من معاينة 30 (منشئةً دينيةً) وفقًا للتقرير، في حين أن العدد الفعلي للمساجد المهدمة المسجلة في الأوقاف الجعفرية هو 38.

ولكن أريد أن أشير لأول مرةٍ إلى مسألةٍ حساسة للغاية نتابعها منذ مدة في قسم الحريات الدينية بمرصد البحرين لحقوق الإنسان، وهي تلقينا شكاوى بتعرض 7 مساجد أخرى للهدم في فترة السلامة الوطنية غير مشار إليها في قائمة ال 38، وهي موجودة في الحجر وكرباباد وعراد والبراهمة والسنابس، وقد يصدر منا موقف صريح وواضح حيالها في الأسابيع القادمة بعد انتهاء التحقيق في الشكاوى. 

مراقبة أممية دائمة

المرآة: ما زال النظام يسطو بالسلاح وبالقوة على دور العبادة، وهذا ما شاهدناه خلال محاولة إبعاد مسجد الشيخ محمد البربغي 30 مترًا عن الموقع السابق، كما تمّ التعرض لمسجد الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان، ما السبيل إلى وقف هذه التعديات؟

السلمان: في نظري القاصر لا توجد وسيلة فاعلة لإيقاف كافة الانتهاكات المممنهجة لحقوق الإنسان إلا بحدوث تغيير جوهري وإيجابي في النظام السياسي، أو بوجود ممثلٍ دائمٍ للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في البحرين. السلطة تعهدت قبل عامين أمام المجتمع الدولي بتطبيق 26 توصية خرجت بها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وقد فشلت في الالتزام، ومن المتوقع ان تفشل كذلك في تطبيق 157 توصيةً خرج بها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ولذلك لا سبيل لإيقاف الانتهاكات إلا بوجود مراقبة أممية دائمة، أي بتحريك ميكانزمات المراقبة الدولية لحقوق الإنسان في البحرين، أو بتوافر إرادةٍ سياسية جادة وحقيقية لوقف الانتهاكات المنهجية.

وما يزيد من صعوبة إيقاف انتهاكات حقوق الإنسان القائمة على خلفيةٍ طائفية، هو أن الطائفية قد اكتسبت بنيةً مؤسساتية في الدوائر الرسمية، أي أصبحت مهمة إيقاف الانتهاكات المرتكبة على خلفية دينية وصدّ التعديات على الحريات الدينية تستلزمان تفكيك مراسي الطائفية في الدوائر الرسمية، ومن الملاحظ أن السلطة ومواليها يصرون على إعاقة أي تشريع يجرّم التمييز الطائفي ويحرّم التحريض على الكراهية الطائفية أو إلاثنية.

تنامي الخطاب التكفيري

المرآة: هناك دعوات تكفيرية في البحرين لهدم مقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان، وقد كشف عنها النائب السلفي السابق محمد خالد في إحدى تغريداته.. كيف ستواجهون ـ كمرصد ـ تلك الدعوات؟ 

السلمان: نعم ، نحن نقوم برصد وتوثيق كل الخطب، والتغريدات، والمقالات، والتصريحات التي تحرّض على الكراهية الطائفية والعنف الطائفي، ولكن الدعوة الأخيرة لهدم مسجد ومقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان ـ الذي يعود عمره لأكثر من 1300 عام ـ تمثل دعوةً صريحة لهدم مسجد، ولتدمير التراث، وتكفير المسلمين؛ إذ اعتبر المدّعي أن مسجد ومقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان من المعابد الشركية. 

إن تنامي هذا الخطاب التكفيري من أخطر ما يهدد مستقبل البحرين؛ وهذا ما دعانا، في 4 يونيو 2012، لتقديم خطاب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، نطالب فيه بالضغط على حكومة البحرين لتطبيق ما جاء في مبادئ خطة عمل الرباط 2012، للحدِّ والسيطرة على خطاب التحريض على الكراهية؛ إذ تلزم خطة الرباط الدولة بأخذ إجراءات عملية تجاه التكفير والتحريض على الكراهية. كما بيّنت خطة الرباط أن توفير البيئة الديمقراطية، وتمتع المواطنين بالحقوق والحريات، يعد وسيلةً من وسائل مناهضة خطابات الكراهية، ونصّت أيضًا على أن المسؤولية الملقاة على الدولة تتمثل في تبني تشريعات لمناهضة التحريض والعنصرية والطائفية، وتتضمن إجراءاتٍ وتدابيرَ وقائية للسيطرة على الخطابات الطائفية. 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus