إقطاعية البحرين

عادل مرزوق - 2011-07-10 - 10:27 ص


البحرين الحديثة! إقطاع يحرسه المشير

عادل مرزوق*

حينما كانت هوليود تقدم أفلامها عن تلك الفترات التاريخية في أوربا وأمريكا لتحكي حكايات الانتقال من زمن الإقطاعية والاستبداد لزمن الحرية، كنت أراهن مع نفسي أن السينما دائماً ما تخلط الحقائق بالمبالغات. أما اليوم ونحن نقترب من إكمال خمسة أشهر ممزوجة بالألم والوجع، أعتقد جازماً دون شك، أن لهوليود الحق في أن تقدم للبحرين بكاميراتها ومخرجيها ونجومها العالميين لتنقل للعالم صورة من أروع صور المطالبة السلمية المتحضرة بأسمى معاني الحرية والكرامة للإنسان في منطقة الشرق الأوسط. إن في هذه الجزيرة الصغيرة من الحكايات والبطولات والتضحيات الكثير مما يستحق الخلود والتوثيق.
 
هذه الجزيرة التي كانت مقبرة البابليين أصبحت أكبر مقبرة للحرية في العالم، المقابر تتسع في شتى الاتجاهات لاستقبال المزيد من الحالمين بالحرية. الحالمون الذين لم يجدوا سوى الصبر والمثابرة وتحمل الأوجاع والصدمات والنكبات رهاناً يعتمدون عليه في نضالهم وتطلعهم لزمن لا يكونون فيه عبيداً بل أحراراً يتقاسمون بالعدل والكرامة خيرات أرضهم المعطاءه. الحالمون بهواء الحرية هنا وقفوا، وهنا تظاهروا وهتفوا، وهنا قدموا الورود لقاتليهم، وهنا قتلوا، وهنا توسدت رؤوسهم التراب.
لم تكسر أعمار غالبية الضحايا سقف الثلاثين من العمر، لكنهم كسروا بوعيهم ومدنيتهم وإنسانيتهم سقف الدولة التي لا تزال وعسكرها البليد تعيش في أكثر أزمنة الإقطاعيات الأوربية شراسة، ومراهقة، وحباً للعنف.
 
تكاد الدولة من ضيق سجونها بالمعتقلين أن تطوق الشوارع ليفترشوها، أو لتدفنهم هناك تحت اسفلت بقايا براميل النفط المنهوبة للحسابات الثقيلة. من يصدق ما يحدث في البحرين؟، من يصدق أن قتلى رصاص العسكر وهمجية المعذبين في المعتقلات تخطى الثلاثين، من يصدق أن المعتقلين والذين قررت الدولة تجويعهم، بلغوا عشرات الآلاف من المواطنين العزل في بلد لا يزيد تعداده عن 450 ألف مواطن. من يصدق كل هذا؟! أليس هذا المشهد المجنون جديرا بالكتابة والتوثيق والتصوير ليكون بمثابة التذكار والمرجع التاريخي لكل من يبحث عن الحرية. سيدرك المشاهد لا محالة، كم هو مكلف تذوق الحرية في جزيرة يحيط بها الماء المالح من الجهات الأربع ويعبث في بيوتها وشوارعها الآلاف من المرتزقة الذين جلبتهم الدولة للتنكيل بشعبها.
 
لا تزال هذه الجزيرة تصارع جيشاً جراراً من زمن الإقطاعيات الأوربية، جيشاً يتحكم بقبضته مشير مغمور يتباهى أمام شاشات التلفزة بإبادة شعبه والتنكيل به. لا تزال هذه الجزيرة، ولا تزال، لكنها لا تنفك كل يوم تبعث للعالم حكايات شعبها الصابر الذي لن يهزمه سيل الرصاص المجنون، حكايات البطولة والتكاتف والتآزر نحو يوم سيكتب الشعب فيه أسمى لحظات النصر والعزة والكرامة. حينها لن يقف الناس على قبور الحالمين الراحلين ليبكوا فقط، لكن ليضعوا إكليل من ورد الحرية والكرامة على تلك القبور وفاء لهم.

*كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus