المحاصصة: كي لا نرى 16 مارس مجدداً

عادل مرزوق - 2014-01-24 - 5:54 م

عادل مرزوق*

ليس على جماعات المعارضة في البحرين أن تمزق بعضها بعضاً. فاختبار المبادرة الجديدة لولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة لن يطول. 

أسباب عدة يمكن تقديمها لتبرير المبادرة؛ جولة جديدة من "المماطلات"، استجابة لضغوط خارجية، أو مبادرة تهدف إلى تحقيق انتقال ديمقراطي يستجيب لانتظارات الأغلبية السياسية. سرعان ما ستتضح الأمور، فالإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي هو (قرار)، قبل أن يكون (حوار).

المواقف المتصلبة لبعض جماعات المعارضة لها وجاهتها في التحذير من الثقة بمؤسسة الحكم، فالخبرات المتراكمة تبرر هذه المخاوف، وتعززها. لكن ذلك لم يمنع الجمعيات – رغم خبرتها - من أن تلتزم بعقلانيتها، وبمضامين خطابها السياسي، وذلك بأن تحاول استثمار ما قد يكون "فرصة" في طي صفحة الأزمة. فالهدف هو إنهاء هذه "الأزمة"، لا العمل على بقائها.

ظهور وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة إلى العلن، دلالة تؤكد أن المبادرة تتخطى حدود ديوان ولي العهد. لكن هذه "الدلالة" مرهونة بأن لا يكون لدى الملك ووزيره خطط رديفة لوضع العراقيل. حيث لا يمكن قراءة مواقف "الفاتح" وتيارات (الإخوان المسلمين) و(السلف) الأخيرة إلا باعتبارها الخطاب (الرديف) لإرادة الديوان الملكي.

على الأرض، اختبار "الانتصار" الكبير لم ينجح فيه أحد، فلا قوى المعارضة المتشددة نجحت في تنفيذ "مانشيتات" الدوار الداعية إلى إسقاط الحكم، ولا القوى المتشددة في الأسرة الحاكمة نجحت في تنفيذ تعهداتها بالإجهاز على المعارضة. المحصلة: لدينا نظام قوي وعنيف، ولدينا أيضا، معارضة متشبثة بمطالبها وصلبة. وليس ثمة من خيار حقيقي لإنهاء الأزمة سوى أن يقتسم الطرفان البلاد، باشتراط أن تكون "أسس" الاقتسام والمعايشة واضحة ونافذة. وبما ينهي الحاجة إلى 14 فبراير أو 16 مارس جديدين.

ليس ثمة ما يكفي من "الوقت" أمام الاستحقاق النيابي أواخر العام. وضياع "التسوية" سيعني فشل الانتخابات واستمرار الأزمة، وربما استفحالها. يضاف لذلك أن الوضع الإقليمي لا يسير على ما يشتهي النظام، أو حليفه الإستراتيجي في المنطقة.

وإذا كانت المعارضة البحرينية "مجبرة" على أن تدخل مفاوضاتها مع مؤسسة الحكم بمعية تنازلات (مؤلمة) فيما يتعلق ببنود وثيقة المنامة، فإن عليها أن تتأكد أن النظام أيضاً سيقدم تنازلات مؤلمة. وخلاف ما تحمله غالبية خطابات المعارضة اليوم، فإن عليها أن لا (تستحي) أو أن (تتمنع) عن التفاوض الصريح تحت عنوان "المحاصصة"، سواء أكانت هذه (المحاصصة) تحت عنوان "سياسي" (موالاة/ معارضة) أو "طائفية" (سنة/شيعة)، فكلاهما سيان. 

المحاصصة وهي آلية قديمة في طي النزاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية اعتمدتها كثير من الدول لوقاية تجاربها من شبح التمزق والتقسيم، عنوانٌ يجب أن لا تتعامل معه المعارضة بحساسية، أو باعتبارها تشويها لمطالبها السياسية. فكلنا يدرك أن سياسات التمييز الطائفي كانت تأسيساً للشرارة التي أطلقت الحراك في 14 فبراير. بعد سلسلة من الانكسارات المتتابعة، والتي كان من أهمها: تقرير البندر.  

يضاف لذلك، إن فهم النظام (القبلي/ الطائفي) القائم في البحرين لشعار (لا للمحاصصة) لا يزيد عن أنه تفويض مفتوح للنظام للإبقاء على سياساته الطائفية فاعلة. والخبرات السابقة في هذا (التوظيف) حاضرة، وشواهدها حية، وماثلة. 

فعلياً، كل ما يمكن أن تتحصل عليه المعارضة من نصوص دستورية وقانونية وتعهدات لضمان تحقيق مطالبها لا قيمة له؛ فنصوص دستور 2002 والقوانين المحلية في البلاد لم تمنع مؤسسة الحكم من ممارسة انتهاكاتها والاستمرار في سياسات التمييز الطائفي تحت عنوان "لا محاصصة"، وهو ما كلف الطائفة الشيعية خسارة حتى ذلك "القليل" الذي كانت تستحوذ عليه من وزارات الدولة ومؤسساتها، وهو خطأ يجب أن لا يتكرر.

إن ضمان نفاذية نصوص الدستور وأحكام القانون في البحرين هو حجر الزاوية في أي تسوية سياسية مقبلة، فجميع انتهاكات النظام منذ بدء الأزمة كانت ولا تزال مُجرَمَة بحسب الدستور والقوانين المحلية. وإن ما جعل النظام في حلٍ من الالتزام بها وفي مأمن من المحاسبة على انتهاكاته هو (انتفاء) حالة (المحاصصة) في الدولة – خصوصاً في المؤسسات الأمنية والعسكرية والإعلام – هو ما أتاح للسلطة الحاكمة تنفيذ انقلابها في 16 مارس 2011. 

وحدها (المحاصصة) - التي تنفر منها أدبيات المعارضة - من تستطيع توفير الضمانات الحقيقية لتكون الحكومة (منتخبة وممثلة لجميع الشرائح المجتمعية)، وليكون لكل مواطن (صوت مسموع وفاعل)، وليكون البرلمان (كامل الصلاحيات)، وليكون القضاء (عادلاً)، وليكون الأمن (للجميع). 

خلاف ذلك، تستطيع مؤسسة الحكم أن تقدم للمعارضة من الدساتير والمواثيق ما تريد، وإن تنقلب عليها متى تريد. 

المحاصصة لا تخيف، وهي في قاموس جميع اللغات "لا تتعدى كونها عملية تقسيم الكل إلى مكوناته حسب الاستحقاق الكمي للأطراف المشاركة فيه"(1). وعسى أن تكرهوا شيئاً، وهو خيرٌ لكم !

 

هوامش:

(1) مهران موشيخ – مقالة: مفهوم المحاصصة في القاموس السياسي العراقي المعاصر.

 

* صحافي بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus