» رأي
من هو صديقكم حقا يا آل خليفة؟
محمد نجم - 2011-07-02 - 9:54 ص
الولاء لنظام الدولة، أم لسيف القبيلة؟ (توقيع سيوف الولاء- أرشيف)
محمد نجم*
بالنسبة للمعارضة فإن عائلة آل خليفة لها شرعية حكم البلاد، لأن هذا ما نص عليه ميثاق العمل الوطني وهو العقد الاجتماعي. لكن بالنسبة لشلة الزار فإن عائلة آل خليفة لها شرعية الحكم، لأنها عائلة محسوبة عليهم أو محسوبين عليها عقديا أو قبليا أو سياسيا، وإنها لن تعود تتمتع بهذه الشرعية فيما لو غادرت هذه الحسبة، فكانت حكما منصفا لنفسها وللجميع، فشرعيتها ليست مستمدة من عقد اجتماعي، بل إن العقد الاجتماعي مستمد من شرعيتها القبلية والعائلية، فانظروا إذن يا آل خليفة من هو الذي يستحق صداقتكم.
لا ينقسم المجتمع سياسيا بالنسبة إلى المعارضة إلى سنة وشيعة وآل خليفة، بل إلى مؤسسات بدءا بنظام حاكم بضفتيه العرش والسراي، أي الملك والسلطة التنفيذية، السلطة القضائية، السلطة التشريعية، المواطنين الأحرار. وبالنسبة للمعارضة فإن جوهر اللعبة السياسية هو تعديل كفة التوازن بين هذه المؤسسات من خلال فصل حقيقي بينها يمكّن كلا منها من القيام بدوره دون تدخل أو هيمنة على المؤسسات الأخرى.
أما بالنسبة للموالاة ليس الملك ورئيس الوزراء إلا شيوخا للقبيلة كأي شيوخ تقليديين في الصحراء محترمين بشخوصهم لا بمسئولياتهم ومواقعهم في النظام الحاكم، وهذا ما عبروا عنه بقولهم خليفة بن سلمان خط أحمر. ليس أحكام ميثاق العمل الوطني، والدستور، ولا مؤسسات الدولة، ولا حتى النظام كنظام، ولا حقوق المواطنة، بل الأشخاص الحكام هم الخطوط الحمر بالنسبة لهذه الموالاة.
إن هذا يجعل حتى تسمية "موالاة" (تخب عليهم) كما يقول الخليجيون، أي أكبر من حجمهم، لأن الموالاة في عرف الدول المحترمة ليست موالاة للقبائل والأشخاص، بل لتيار سياسي وهي عرضة لأن تصبح معارضة كما في لبنان مثلا أو حكومة ظل كما في الدول الديمقراطية. إن انشغالهم بمصالحهم المرتبطة بالأشخاص يجعلهم مثيرين للشفقة إلى حد البكاء، فهم يظلون في اليوم والليلة يتلقون عشرات الإشارات المتناقضة فلا يعرفون اتجاه الريح فتظهر إشاراتهم متضاربة.
يشتمون المعارضة مرة ثم يتوسلونها المشاركة في الحوار. ينفون أخطاء الشرطة في التعامل مع المحتجين فتصفعهم كلمة وزير الداخلية: "لم يخل عملنا من العيوب وسنتقبل الحقيقة مهما كانت مؤلمة" فيعودون للقول "كان الوزير شجاعا". يطالبون بطرد خبير إيراني الأصل سويسري الجنسية في هيئة سوق العمل بحجة أنه "صفوي مندس" فتأتيهم اللجنة الملكية لتقصي الحقائق بخبيرة حقوق إيرانية الأصل و"شيعية" فيشيدون بقرار الملك.
يرفضون الملكية الدستورية ثم يقولون "نحن سائرون إليها" بل ويزايدون على من هو الأسبق في المطالبة بها !!. تناقضاتهم لا تحصى لأن شغلهم الشاغل ليس ماذا يجب أن يحدث بل من هو الرجل القوي في النظام الآن، وماذا يتبنى ليركبوا مركبه قبل أن يغرقوا.
كان صمتهم المدروس أيام الثورة ضمن حسابات أن ولي العهد هو الرجل الأكثر حظا، وأن رئيس الوزراء راحل لا محالة، فكتب أنور عبد الرحمن في أخبار الخليج مقالا مهما عن ضرورة حل لا يخلو من تنازلات من الجميع، وصعدت فوزية رشيد على منصة ميدان الشهداء وزار محمد العثمان الميدان أكثر من مرة وقامت سوسن الشاعر و محمد الشروقي بالبث المباشر من الميدان، وأجرى سعيد الحمد مقابلة مطولة مع الشيخ علي سلمان، وانضم أحمد سند البنعلي إلى الائتلاف الوطني الذي رفع مرئياته المطالبة بمملكة دستورية، وقام نقابي موال هو علي البنعلي برفع عقيرته ضد النظام مطالبا برحيل العائلة الحاكمة ودعا رئيس غرفة التجارة عصام فخرو شباب 14 فبراير إلى اجتماع في بيت التجار، وزار وفد من الغرفة ذاتها الشيخ عيسى قاسم في بيته طلبا لموافقته على التسوية.
كان هذا يحدث طبعا تحت سمع وبصر جناح رئيس الوزراء في السلطة والذي كان يحصي على الموالين قبل المعارضين كل حركة وسكنة. ولما قلبت الطاولة وبدأ النظام يظهر توحشه ويسأل الناس عن صمتهم ناهيكم عن مشاركتهم في الثورة، أسقط في يد هؤلاء، فلم يجدوا بالطبع من سلم يصعدون عليه إلا المبالغة في الولاء للنظام والمبالغة في شتم المعارضة والدعوة إلى التنكيل بها. إنهم لا يقومون بمواجهة المعارضة بل بمواجهة أنفسهم، ولطالما قال الفلاسفة إن سر الصحة النفسية هو في أن يسامح الإنسان نفسه قبل أن يسامح غيره.
كان غضب الجناح المتشدد في النظام على الموالين الذين عضوا اليد التي منحتهم الأموال والعطايا والهبات، أكثر من غضبه على المعارضين، فلم يكن أمام هؤلاء الموالين إلا التكفير عن الذنب وطلب المغفرة على حساب الضحايا.
قام عصام فخرو بطرد عدد من الموظفين الشيعة من الغرفة، بناء على قائمة وردته من وزارة الداخلية وطرد عنصرين مهمين في الحركة التجارية من مجلس إدارة الغرفة، هما ابراهيم الدعيسي وعادل العالي والتوجيه بمقاطعة كل منتج إيراني. ووجد أنور عبد الرحمن فرصته في طعن زملاء المهنة في الصحافة وبارك اعتقال زميله في المهنة منصور الجمري، بعد عملية مخابراتية قذرة في صحيفة الوسط، ووجدت سوسن فرصتها لتقول أنا آسفة في تغيير خطابها الوطني السابق إلى نبرة طائفية فاقعة على خطى سعيد الحمد ومحمد الشروقي في لغة تحاكم كل من في الدوار بالخيانة، ووجدت فوزية رشيد وعلي الشرقاوي فرصتهما في اللعب على اختراع "ولاية الفقيه" الذي تؤول حقوق ملكيته للمخابرات قبل أن تستلمه شلة الردح وتجعل منه نظرية.
وراح محمد العثمان يعتذر من خلال سلفنة كاملة لخطابه وتصعيد الشتم ضد الدوار ومن والاه. وصعّد علي البنعلي من هجمته على زملائه في العمل النقابي متهما إياهم بالتأمر على الدولة، بينما راح يوسف الحمدان يبحث عن بعثية منسية لعلها تسعفه في خطب ود النظام، فهاجم في مهرجان دبي للسينما مخرجا كرديا، لأنه شم في فيلمه الرمزي عن الدكتاتورية إشارة مضمرة لحكم الرئيس صدام حسين. ولكيلا ننسى كان يوسف الحمدان أيام غزو العراق قائدا لحملة ضد مجموعة من المثقفين البحرينيين وجمعيات سياسية، قادوا حركة مناهضة للحرب الأمريكية على العراق متهما إياهم بالفاشية ومناصرة الدكتاتورية.
لو فكر النظام الحاكم بعقلانية في حقائق الأمور، لاهتدى إلى أن صديقه الحقيقي في هذا البلد وفي عالم المؤسسات والأفكار والذي أعطى للنظام مكانته وسمعته كدولة مختلفة عن وسطها الإقليمي وتسمح بمساحة من الحرية والاختلاف، هو المجتمع المدني النشط من نقابات ومنظمات الذي كسب احترام العالم، وهو المعارضة في سقفها الذي تتبناه الجمعيات وليس ماسحي الجوخ وحارقي البخور وضاربي الطبول من جماعة "سيدي سمعا وطاعة".
*كاتب بحريني