» رأي
رجل هنا... وشارع هناك
عادل مرزوق - 2011-07-02 - 8:38 ص
بيير بورديو: "مقاومة الهراء"
من باب المصارحة، لا أستطيع أن أقنع نفسي – قبل أن أسعى لإقناع الآخرين - أن الأيدي التي قتلت وعذبت وانتهكت هي ذاتها الأيدي التي تستطيع أن تدير حواراً ديمقراطياً، من المفترض أن ينتهي بإقرار حرية هذا الشعب وكرامته. ماذا سيكتب المؤرخون في صفحاتهم يا سادة: أن فلاناً ابن فلان في الخامس عشر من مارس العام 2011 قد قتل وتبلطج وعذب وانتهك الحرمات والأعراض، ثم تحول بعد ثلاثة أشهر ونيف لملاك وديع، بل لصانع أسطوري من صناع الحرية!.
لن يكتب مؤرخ ما في البحرين أو خارجها مثل هذا الهراء، ومن الواجب في هذا السياق التذكير بأن أحد مهمات المثقف كما يحددها الفرنسي بيير بورديو: "مقاومة الهراء". بررت جمعية الوفاق التي مدت رجلاً داخل صالة الحوار وأبقت الأخرى خارجها، مشاركتها في الحوار على لسان أمينها العام الشيخ علي سلمان، ثم عبر مؤتمر صحافي للنائب السابق خليل المرزوق، وحاول الوفاقيون تصوير المشاركة في الحوار من باب تجنب اللوم في أن تكون المعارضة الطرف الذي يقف ضد إتمام التسوية العادلة والشاملة لمعالجة ما شهدته البحرين منذ إنطلاق ثورة اللؤلؤة في الرابع عشر من فبراير الماضي حتى اليوم.
على الأرض، تدرك الوفاق أنها لا تستطيع إنجاز تسوية عادلة وشاملة دون إطلاق جميع القادة السياسيين وأكثر من 1000 معتقل آخر بحسب ما أكد السيد بسيوني رئيس لجنة تقصي الحقائق. وأنها ستكون عاجزة عن إقناع شارع المعارضة بشتى أطيافه دون أن تكون الأطياف الأخرى شريكة حقيقية في إنضاج هذه التسوية أولاً، وتسويقها لاحقاً. وخلاف ذلك كله، لا ننسى أن في داخل مؤسسة الحكم نفسها أطرافا، ستعمل جاهدة لإحداث البلبلة في الحوار والإجهاز عليه، ذلك أنها تدرك جيداً أن أي إصلاحات سياسية حقيقية في البحرين، ستؤثر عليها وعلى مراكز القوى والنفوذ التي بحوزتها، وهو ما سيحد من استنزافها لثروات البلاد.
ذكرت في مقالة سابقة وأعيد التذكير بذلك، أن النجاح في إنضاج أي تسوية سياسية في البحرين لن يتم إلا من خلال قبول الشارع بتفاصيل هذه التسوية، واقتناعه بها. ورغم ما تمتلكه الجمعيات السياسية وفي مقدمتها الجمعيات المعارضة في الشارع الشيعي من قوة وفاعلية وتأثير في الشارع البحريني ككل، إلا أنها ليست المحرك الوحيد لقواعد اللعبة وتفاصيل المشهد، وليس من المستبعد أن يضرب هذا الشارع بأي تسوية صورية عرض الحائط، وللوفاق وباقي الجمعيات السياسية رجل أخرى خارج الحوار تستطيع أن تلحق بهذا الركب في أي توقيت.
تدرك الدولة أن العواصم الغربية المؤثرة على المنامة لن تقبل من المعارضة مقاطعة أي فرصة من فرص التسوية لإنهاء الإزمة في البحرين، ولذلك عملت السلطات الرسمية على تعزيز هذه المحاصرة من خلال الإفراج الصوري عن بعض المعتقلين، وإعادة المفصولين عبر وساطة غير مفهمومة من السيد بسيوني، وأخيراً عبر تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي من المؤمل في أحسن التوقعات أن تفي بمعالجة الملف الحقوقي.
لكن الذي لا تدركه الدولة هو أن العواصم الدولية لن تستطيع الضغط على المعارضة في حال كان خيار الشارع البحريني، هو الرفض لهذه التسوية المصنعة والقائمة في أساسها على المراوغة والخداع. وستضطر الجمعيات السياسية والعواصم الغربية على حد سواء القبول بخيار الشارع في البحرين، وتبنيه مجدداً. ولنا في تجربة نسخة حوار مبارك مع المعارضة المصرية مثال واضح. اليوم وفي هذا المحك والتوقيت الصعب، لا تزال الدولة تكابر عن القبول بتدشين مرحلة جديدة تصالح فيها هذا الشعب المجروح، وتتوافق معه على ملكية دستورية مقبولة من كافة الفئات والشرائح المجتمعية. وخلاف ذلك، يبدو مسلسل الإنهيار لمستقبل الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي مستمراً.
* كاتب بحريني.
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق