هي الكرامة... لا مفاوضات سياسيين ولا مقالات صحافيين

عادل مرزوق - 2011-07-01 - 7:42 ص



عادل مرزوق*

لم تكن حركة الرابع عشر من فبراير ثورة جياع معدمين، لم تكن ثورة تسأل عن رغيف خبز. بل كانت هذه الحركة السلمية في أعمق مكوناتها – ولا تزال - ثورة تبحث وتهتم وتطالب وتدافع عن كرامة مستباحة منذ عشر سنوات في أبشع مظاهر الاستباحة، ذلك أنها كانت تتم تحت غطاء مشروع إصلاحي مزيف يصفق له البعيد قبل القريب، وعليه، كانت كلفة امتهان الكرامة والذل والظلم مضاعفة مرتين.
 
لا تغيب عن ذاكرة أحد - وبما فيها ذاكرة الملك – تلك الروح التي لفت والتفت حول مشروع ميثاق العمل الوطني بعد سنوات من القهر والظلم والتنكيل والتهجير بأبناء البحرين. لا تغيب عن ذاكرة أحد، تلك اللقطات لملك البلاد وهو يطوف القرى ليُحمل فوق الأعناق، وأحيل كل مدعي كاذب ومشكك في ولاء هذا الشعب لتلك اللقطات التي لا تحتاج للمزيد من الشرح والتفصيل.

مضى العام بعد العام، كان أبناء البحرين يتلقون الصدمات تباعاً، التمييز في الوظائف والتوزير والمناصب العليا في وزارات الدولة ومؤسساتها، الوعود بالخدمات الإسكانية واستكمال البنى التحتية التي كسرها الانتظار، شبح التجنيس السياسي الذي كان يمتص ثروات البلاد وخيراتها دون رحمة، وتقرير البندر الذي أجاب على العديد من الأسئلة، ورغم أن التقرير قد حمل العديد من الإدعاءات غير المنطقية، لكنه أيضاً، أعطى إجابات دقيقة على العديد من المشاهد التي استعصى فهمها على النخب السياسية والإعلامية على حد سواء. 

كانت دلالات اليأس والفشل للمشروع الإصلاحي تتزايد، ومشاهد التمييز الطائفي وتشطير البلاد تضخمت في كل وزارات ومؤسسات الدولة، وألقت صراعات الأجنحة الثلاثة في الحكم (وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن احمد آل خليفة/ رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة/ ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة) بتداعياتها على جميع الوزارات والمؤسسات فعاشت البلاد في صراع ثلاث حكومات تضرب بعضها البعض. وخلاف كل ذلك، لم يستطع دستور 2002 أن يضمن للشعب كرامته وحقوقه المسلوبة والمسروقة، توزيع دوائر الانتخاب طائفي وظالم، صلاحيات محدودة للمجلس النيابي، وعقدة تطوير وتحديث ماثلة في مجلس الشورى العقيم. وكلما اشتد الشارع غضباً من الأوضاع القائمة والحقوق المضيعة كان رجل الإطفاء الشيخ علي سلمان يحاول تهيئة الأجواء للمرور من جديد في حلقة جديدة من الوعود، تلك الوعود التي سرعان ما تتعرى قبالة حماقات الدولة وانتهاكاتها لحقوق مواطنيها.

أوقدت ثورة تونس حس الرفض والتمرد على الوضع القائم، وأشعلت ثورة مصر قلوب البحرينيين أملاً في إصلاحات سياسية حقيقية، فكان الموعد في الرابع عشر من فبراير دون رغبة أو تنظيم من جانب أي من الجمعيات السياسية في المعارضة. ركبت الجمعيات السياسية موجة التغيير وزادت من حماستها، وحدث ما حدث من تطورات سياسية وأمنية انتهت بدخول قوات درع الجزيرة للبحرين وانتهاك قوة دفاع البحرين ووزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية لحرمات البيوت وحقوق المواطنين والتنكيل بالأسر والمعتقلين وهدم المساجد وترويع الآمنين وتحويل أفراد القوى الأمنية لمجموعات من البلطجية المسلحة التي تجوب شوارع البحرين وقراها لتقتل وتسرق وتعذب وتنتهك الحرمات دون ضمير.

نقلت المنظمات الدولية والقنوات التلفزيونية حول العالم تفاصيل التنكيل والتعذيب والترويع والاستهداف للمواطنين، وفقدت البحرين صورتها الديمقراطية وسقط المشروع الإصلاحي ليكشف القناع عن مشروع كاذب مراوغ، لم يكن أكثر من فصل جديد من فصول الظلم والاستهداف الطائفي البغيض. تحملت الطائفة الشيعية – الثقل الأكبر في المعارضة – الحمل الأكبر من حملة الاعتقالات والإقالات والانتهاكات وكان للتيار الوطني سنة وشيعة أن يتحملوا الكثير أيضاً. دفعت الدولة قبالة حماقاتها الكثير، سمعة دولية مشوهة، إدانات متواصلة وتلويح بإجراءات عقابية عليها من شتى العواصم الدولية، وشلل كلي في اقتصاد البلاد التي باتت مرهونة البقاء بتحويل المزيد من صدقات الإنقاذ من الدول الخليجية.

وليست فلول الأجانب المغادرين من البحرين إلا دلالة على أن الدولة تتقلص حد الكفاف جراء السياسات الخاطئة والمجنونة في إدارة الأزمة السياسية منذ الخامس عشر من مارس الماضي. اليوم، ومع محاولة البحث عن تسوية للخروج من هذا المأزق، تعتقد الدولة أن خارطة الطريق في إجراء إصلاحات سياسية محدودة والإفراج الجزئي أو حتى الكلي عن المعتقلين وإعادة المفصولين لأعمالهم. الذي يبدو لي أن هذا الاعتقاد صحيح وخاطئ في ذات الوقت، فمثل هذه الإجراءات قد تخفف فعلاً من احتقان الشارع لكنها لن تكون كافية لإعادة البحرين لما قبل الرابع عشر من فبراير الماضي.

لم يعد الموضوع مقتصراً على برلمان كامل الصلاحيات أو الإفراج عن المعتقلين، فلقد تعمقت الفجوة وانعدمت الثقة ولدى الشعب بكل أطيافه وفئاته إحساس عميق بالإهانة والإجحاف والظلم، وهو ما يستدعي أن يعاد لهذا الشعب كبرياءه، وأن تعاد له كرامته.  إن ما يتطلع له الشعب اليوم هي كرامة أبدية لا مساومة فيها، كرامة تعطيه الحق في حكم نفسه بنفسه في ملكية دستورية كاملة وحقيقية، لا مزيفة ولا مصطنعة. كرامة وتسوية تنصف الشهداء وتنتصر للمعذبين والمعتقلين، وتعيد الكرامة والعزة لوجوه من البحرينيين بعد ما أذاقهم النظام من ظلم واجحاف ومهانة. 

إن أصدق المواقف التاريخية التي صنعت للإنسان حريته وكرامته لم تكن مواقف تعتمد على اللعب والتلفيق والحوار بالألغاز والرموز، كانت لحظات واضحة وصريحة ودقيقة لا مجال فيها للمراوغة أو الخداع. لحظات صنعتها إرادة الناس الحقة، القوية، التواقة نحو الحرية والكرامة. لحظات لم تصنعها مفاوضات سياسيين أو مقالات كتاب أو صحافيين.  
* كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus