الشعب يترقب جلالتكم

عباس بوصفوان - 2011-06-29 - 5:41 م



عباس بوصفوان*
  

والملك حمد بن عيسى آل خليفة يتوجه، اليوم، لإلقاء كلمة مهمة، في مرحلة معقدة من تاريخ البحرين، فإن الأمل يحدوا الرأي العام المتحفز، كي تقدم الكلمة المرتقبة رؤية مدركة لعمق الأزمة، وتقترح تصورات عملية لتجاوز حالة اللاستقرار التي تكاد تكون وضعا دائما: قبل الاستقلال وما بعده. ويأمل القطاع الأوسع من الجمهور أن يرأس جلالته جلسات الحوار الوطني، وأن يلقي كلمته فيها، بدلا من توجيهها عبر مجلس الوزراء، الذي يعتبره البعض ميئوسا منه، فيما ينظر إليه آخرون على أن تركيبته، رئاسة وأعضاء، غير قادرة مطلقا على الانتقال بالبحرين إلى مصاف الملكيات الديمقراطية العريقة التي بشر بها ميثاق العمل الوطني.

وإذ يأمل كثيرون أن يعلن الملك عن تغييرات جذرية في وجوه القيادات التنفيذية، رئيسا وأعضاء، ويضخ دماء جديدة، فإن قطاعا آخر يرى أن هذه الخطوة لن تغير من جوهر اتخاذ القرار، طالما ظلت الحكومة غير خاضعة للرقابة الشعبية الحقيقية. هؤلاء يرون في إخضاع رئيس الوزراء والوزراء لرقابة البرلمان، حتى وإن كان كامل الصلاحيات، لن تكون كافية لتفعيل العمل التنفيذي، ويعتقدون أن انبثاق الحكومة من الإرادة الشعبية، عبر انتخاب مباشر لرئيس الوزراء، أو عبر إعطاء الحزب الفائز بأكبر كتلة نيابية حق تشكيل الوزارة، الطريق الأنجع نحو حكومة أكثر كفاءة، كما جاء في خطاب الملك في إعلانه الدعوة للحوار الوطني. ويتطلع كثيرون أن تتضمن خطبة الملك، اليوم، تأكيدا على هذا المبدأ، وليس فقط الاكتفاء بالإعلان عن عدم توزير الشخص لأكثر من دورتين (8 سنوات)، أو فصل العمل التجاري عن العمل السياسي، وهي النقاط التي إن لم يذكرها الملك، سيوصي بها ـ على الأرجح ـ حوار التوافق الوطني.

لكن الأجواء لا تبدو متفائلة تجاه نقلة نوعية في تركيبة الحكومة، وعلى الأرجح ستظل العائلة المالكة مسيطرة على المراكز "السيادية"، وربما لن تتحقق دعوة البعض بأن يكون وزير الخارجية من الطائفة السنية، والداخلية من الطائفة الشيعية، والدفاع من عائلة آل خيلفة. بل إن البعض يبدو متشائما أكثر حين يرى أن الأجواء الراهنة قد تشير إلى تشكيلات وزارية أكثر خيبة للمتطلعين إلى وزارة تمثل الإرادة الشعبية، كما جاء في الاقتراحات التي عرضها ولي العهد للحوار الوطني، والتي يريد المتشددون في النظام إلغاءها من جدول الأعمال، ويتطلع كثيرون أن يعيد الملك التأكيد عليها في خطابه اليوم، وكذا التأكيد على انتخاب مؤسسة تشريعية تحتكر الصلاحيات التشريعية. وإذ تمثل قضية المساواة بين المواطنين مسألة مفصلية، يُأمل أن يلجم الخطاب الملكي، اليوم، النهج الإقصائي الذي بدى وكأنه مصاب بالهستيريا، وهو ينقض على كل خصومه الجرحى. ويذهب البعض إلى أكثر من ذلك بتوجيه اللوم إلى الديوان الملكي مباشرة، كمسئول أول عن وضع غطاءات للاستحواذات الممنهجة على المواقع العامة من أعلاها إلى أدناها.

لكني أشكك في ذلك، وأنتظر من الملك، اليوم، إدانة صريحة للاندفاعات الهيسترية نحو إلغاء كل لون آخر من موقعه، صغيرا كان أم كبيرا، في مؤسسة عامة كان أو شبه عامة، أو حتى خاصة. وسيكون الإعلان من قبل الملك البحرين دائرة انتخابية واحدة، البعد الأكثر تأكيدا على نظرته لمواطنيه على أنهم مواطنون متساوون في الحق التمثيلي. كما ينتظر الناس، اليوم، من ملك البلاد أن يعيد لهم الأمل، في حياة مستقرة، تسودها روح الشراكة، ويرقبون في ذلك أفعالا لا أقوال، بعد تجربة مريرة تعاكس فيها الأفعال الأقوال. وسيكون أولى خطوات ذلك الإعلان عن تحقيقات جدية، شفافة، نزيهة، ومستقلة، للوقوف على الانتهاكات الصريحة لحقوق الإنسان، التي أدانها العالم كله.

تحقيقات تتجاوز الادعاء بالتحقيق الذي أعلن عنه في 15 فبراير الماضي، وكلف به شخصية غير مستقلة، عقلها أصبح "حكوميا" حتى التخاع، كما باقي "ديناصورات" الوزارة العتيدة. لن يكفي إعلانكم ـ جلالة الملك ـ بالإفراج عن جميع المعتقلين، كي تطيب الخواطر، هؤلاء ليسوا خرافا كي يتم احتجازهم وتعذيبهم، والإفراج عنهم، وكأن شيئا لم يكن. مسئوليتكم تقتضي إحالة المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان إلى القضاء، على مشاكله، حتى لا يقال أن الدولة تتواطأ،  تقف وراء خطط القمع والتعذيب الممنهج. طبعا، سيكون إيجابيا الإطاحة بالقائد العام للقوات المسلحة، المتهم جيشه الذي يقوده بسفك الدم المحرم، وسيكون إيجابيا الإطاحة بوزير الداخلية، وفي سجونه استشهد أربعة من أبناء البحرين، وسيكون أكثر إيجابية وضع الخطط كي يكون الجيش وطنيا، والداخلية في خدمة الشعب، حقيقة. وأعرف أن المفصولين سيعوون إلى أعمالهم وإن بعد حين، لكن عودتهم بأمر من جلالتكم غدا، يعطي خطابكم لمسة أبوية، ويعيد الاعتبار لأناس ما قالوا إلا صدقا وحقا أثناء اعتصاماتهم العظيمة في دوار اللؤلؤة.

ينتظر الناس حكمة وبعد من نظر من رأس الدولة، وهو يتحدث اليوم، ولهم الحق في ذلك، وهم يرون "قطاع الطرق" يستحوذون على الدولة، غير عابئين بعلامات انهيارها. مسئوليتكم ـ يا جلالة الملك ـ حفظ البلد، وصون سمعته، التي تضررت بفعل إجراءات غير مسئولة قامت بها حكومة جلالتكم. ومسئوليتكم الأكبر وقف مسار الصدام الذي بدا حتميا بين أطياف المجتمع، وأخذ البلد لمسار الوحدة الوطنية والأسرة الواحدة الذي تنادون به.

كلمتكم اليوم محل أنظار العالم، الذي يرقب الربيع العربي الدامي، من ليبيا مرورا بسوريا واليمن، وصولا إلى البحرين، الذي يستحق أبناءها تقبيل جباههم، على تضحياتهم من أجلها. كلمتكم حاسمة، اليوم، لبدء حوار، مازال مشكوك في نجاعته، واقتراحي لجلالتكم الإعلان عن لجنة عليا للحوار الوطني برئاسة ولي العهد، تضم ممثلين للمولاة والمعارضة، تتفق على آليات لكتابة دستور عقدي عصري، يحيل الشعب فعلا مصدرا للسيادة. إن شعبكم عظيم حقا، وسيزداد عظمة، وهو يرى وطنه يحلق مجددا بجناحية، وستفخرون وسيسجل لكم التاريخ أنك وضعتم وطنكم في سكة الصحيحة للملكيات العريقة. 

*صحافي وكاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus