كريستوفر ديفيدسون: آخر المشايخ؟

2013-11-15 - 10:58 ص

كريستوفر ديفيدسون، نيويورك تايمز
ترجمة:مرآة البحرين

دورهام، انكلترا - هذا الصيف، نقل عدد كبير من السعوديين الساخطين عبر الإنترنت شكاواهم من الظلم المتزايد، وارتفاع الفقر والفساد والبطالة. وقد أصبحت حملة تويتر التي أطلقوها واحدة من أكثر المواضيع مناقشةً حول العالم. فقد أثارت الذعر في أوساط النخبة في المملكة العربية السعودية وانتشرت أصداؤها في جميع أنحاء العالم. وساعدت صيحة الاستنفار التي تقول بأن "الرواتب التي لا تكفي" على التأكيد بأن عقد النظام الملكي مع شعبه أصبح اليوم فاشلاً علنًا، وعلى نطاق واسع.

ويعتقد كثير من الخبراء أن دول الخليج قد نجت من الربيع العربي لأنها مختلفة. على كل حال، لقد صمدت أمام العديد من العواصف الماضية- من الثورات القومية العربية في الخمسينات والستينات مروراً بغزو صدام حسين للكويت عام 1990 وصولاً إلى الحملة الإرهابية لتنظيم القاعدة في عام 2003.

ولكن هذه البلاد ليست مختلفة بأي شكل جوهري. لقد اشتروا ببساطة الوقت بأموال النفط (البترودولار). والوقت آخذ في النفاد.

قد لا يواجه مشايخ الخليج العربي مصير العقيد معمر القذافي في ليبيا أو حسني مبارك في مصر، ولكن يتعذر الدفاع عن النظام الذي أوجدوه على المدى الطويل ويمكن أن يتفكك حتى في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون.
والمملكة العربية السعودية هي المسمار الرئيسي في دول الخليج الست، لذلك فإن استقرارها الداخلي ضروري بالنسبة للمنطقة، خاصة الآن بعد أن تحول الاهتمام بشكل كبير إلى هذه النظم السياسية البالية في أعقاب انتفاضات عام 2011.

وعلى الرغم من أنه ليس صحيحًا التعامل أي دولة باعتبارها استثنائية، إلا أن المملكة العربية السعودية هي في الواقع مختلفة قليلاً عن جاراتها. وعلى عكس السيد مبارك أو العقيد القذافي، فإن ملك المملكة العربية السعودية الثمانيني، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، كان لديه وسائل مُمَوّلة نفطيًا لشراء المحتجين. وقد تمكن من تهدئة الغضب الذي احتدم على مرمى حجر منه من خلال زيادة الإعانات، وزيادة فرص العمل في القطاع العام بشكل كبير وإعلان برامج الإنفاق الحكومي الضخم وغير المسبوق. وحتى الآن، هذه كانت وسيلة سريعة وفعّالة لإبعاد الجماهير من الشوارع.

ولكن هذا ليس دليلاً على مرونة الملكية، كما قال بعض السياسيين والأكاديميين الغربيين. بل على العكس من ذلك، فإن استراتيجية الاعتماد على مصادر النفط التي تنتهجها المملكة العربية السعودية هي ردٌ على السخط المتزايد في أرجاء المنطقة، وهي مدفوعة بالخوف المستحكم من أن انتفاضة الشعوب في العالم العربي سوف تتسبب بخلق فوضى قريبة إلى منطقتها.

بالإضافة إلى ذلك، لن يدوم الإنفاق من أجل الإستقرار، في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، بالضرورة طويلاً. تعهدت المملكة برقم قياسي بلغ 500 مليار دولار من أجل "الرفاه" هذا العام - وجُل الإنفاق سيكون على إعانات الضمان الاجتماعي وفرص عمل جديدة في القطاع العام.

لا يمكن أن تبقى هذه الثروة الهائلة لفترة أطول من ذلك بكثير. فهذا المستوى من الإنفاق العام ليس مستدامًا وهو يعارض عقوداً من الجهود الرامية إلى تعزيز مساءلة مالية أفضل في المملكة ومنع السكان عن الصدقات وعن اللجوء إلى القطاع العام.

وبالتالي، بالإضافة الى تراجع احتياطيات النفط والارتفاع السريع في استهلاك الطاقة المحلية وزيادة تنويع الإمدادات بالطاقة بين حلفائها، فإن الإنفاق المتزايد في المملكة يزيد أيضاً بسرعة من سعر التعادل في نفط المملكة العربية السعودية وكل دول الخليج الخمسة الأخرى، وبعبارات أخرى، يصبح سعر برميل النفط، الذي تحتاجه هذه الدول من أجل تحقيق التوازن في احتياطيها، أعلى فأعلى. هو الآن في البحرين أكثر من 115 دولارًا ( أعلى بكثير من سعر البارحة الذي كان حوالي 102 دولارًا) بينما في سلطنة عمان يصل إلى 104 دولار.

في البحرين وسلطنة عمان، أصبح الاعتماد على ارتفاع أسعار النفط محفوفًا بالمخاطر، بينما في المَلَكيات الصغيرة الغنية بالنفط، بدأ الوزراء يتحدثون صراحةً عن سعر التعادل. ولم يكن يمكن تصور هذا قبل سنوات قليلة. في أوائل تشرين الأول/أكتوبر. حتى الكويت تلقت تحذيرًا من صندوق النقد الدولي حيث أخبروها بضرورة كبح جماح الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ووظائف القطاع العام وزيادة الدخل غير النفطي في أقرب وقت ممكن.
بالنسبة للأسر الحاكمة في الخليج، الأسوأ من الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق هو حقيقة رد فعلها القمعي على الاحتجاجات التي أصبح لها تأثير واضح الآن على شرعيتها باعتبار أن العقود الاجتماعية الضعيفة بدأت تتفسخ.

وتضاءلت الأعداد الكبيرة من الاعتقالات الأولية والعدد القليل من الوفيات في النصف الأول من عام 2011 أمام الحملات القمعية الضخمة. وكانت البحرين والمملكة العربية السعودية الأكثر وحشية، مع عشرات القتلى في البحرين وحوالي 18 قتيلًا في المملكة العربية السعودية. وقد لجأت جميع الدول المجاورة إلى السجن السياسي. ففي العام الماضي، حكمت قطر على شاعر انتقد الأنظمة الاستبدادية بالسجن المؤبد، وخُفف الحكم لاحقًا إلى 15 عاماً.

وقد فاجأت هذه التحركات المجتمع الدولي على حين غرة - وخاصة تلك المؤسسات والحكومات التي كان لها حصة في أسطورة الأيادي البيضاء لملكيات الخليج. ولكن الأهم من ذلك بكثير، هو أنّ التسلط الشديد للحكام لن يمر مرور الكرام عند السكان المحليين.

في الدول التي تتمتع بأوسع نطاق لانتشار الإنترنت والهواتف الذكية في العالم، هناك إمكانية للوصول إلى المعلومات أكثر من أي وقت مضى. ويتساءل الناس الآن علنًا عن الأعداد الكبيرة للسجناء السياسيين واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير الاعتقالات الجماعية والاعتداءات العلنية التي تستخدم ضد ما تبقى من المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام.

البحرين هي جزيرة صغيرة تبعد بضعة أميال عن المملكة العربية السعودية وترتبط بها بجسر والآن هي شيء ما تابع للرياض. وقد تحمل الناشطون المؤيدون للديمقراطية في هذا البلد العبء الأكبر من وطأة القمع الذي تمارسه الدولة. احتجاجاتهم، التي كانت على أعتاب ثورة شاملة في منتصف عام 2011، هُوجمت مرارًا وتكرارًا من قبل المرتزقة - وفي كثير من الأحيان مرتزقة باكستان والأردن - وفي حين دعت الحكومة للتدخل العسكري المباشر للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.ومن غير المُرجّح أن يقبل الجزء الأكبر من سكان البلاد - وهم شيعة - مرة أخرى بالعيش في ظل نظام ملكي سني متوارث وتقليدي.

جُرف دوار اللؤلؤة الأيقوني الشهير، الذي كان بمثابة نقطة تجمع في المنامة، في عام 2011، ودُمرت العشرات من المساجد الشيعية. والأخطر، أن الشيعة في البحرين وشرق المملكة العربية السعودية كانوا ضحايا استراتيجية طائفية بغيضة، حيث سعت الحكومة السعودية الى إقناع المواطنين السنة والحلفاء الغربيين بأنهم يقاتلون ضد وكلاء دولة إيرانية خطيرة وتوسعية، بدلاً من طليعة ديمقراطية لثورة شعبية.

حتى الإماراتي لعب بطاقة "الفزاعة" الغريبة. فالسلطات الإماراتية التي تحتوي على نسبة ضئيلة من الشيعة هاجمت ما تزعم أنه "الإخوان المسلمون في الإمارات" باعتقال المئات من المواطنين، بما في ذلك العشرات من أعضاء منظمة إسلامية محلية سلمية. والآن، لدى دولة الامارات العربية المتحدة أعلى معدل سجناء سياسيين في العالم، فهنالك محامون لحقوق الإنسان وأكاديميين وطلاب وراء القضبان. حتى أن أحد القضاة السابقين و عضو في الأسرة الحاكمة اتُّهِما بـ "التآمر لقلب نظام الدولة ".

ومثل استراتيجية الإنفاق، فإن حملات القمع هذه وفّرت بعض الوقت، ولكن بتكلفة كبيرة على حساب شرعية الحكام. ويمكن لسياسة "فرِّق تَسُد" عبر إذكاء التوترات الطائفية وإلقاء اللوم على التدخل الخارجي إبعاد النظر عن النظم السياسية الاستبدادية لفترة طويلة فقط.

عندما تستنفد استثنائية الممالك الخليجية قوتها، وسوف تفعل، فإن شعوبها سوف تتولى المشاركة في التحول الأكبر للمنطقة بأسرها في النظام السياسي الذي يحدث على حساب النُّخب القمعية غير الخاضعة للمساءلة ولصالح الشباب الصريح والواعي سياسيًا والمقترن بالأحداث على النحو الأفضل.

*كريستوفر ديفيدسون هو مؤلف كتاب "بعد الشيوخ: الانهيار القادم لممالك الخليج"، وهو يُدرس سياسة الشرق الأوسط في جامعة دورهام.

18 تشرين الأول/أكتوبر 2013
النص الاصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus