البحرين: مكان آمن للقاعدة

عادل مرزوق - 2011-06-26 - 9:53 ص



عادل مرزوق*
 

لم أحمل على محمل الجد ذلك التحذير الذي نقله لي مصدر إخباري قريب من كفيلنا الأمريكي قبل خمسة أعوام حول خطورة عمليات التجنيس لبعض الجنسيات في البحرين خلاف القانون. أشار المصدر إلى انزعاج أمريكي وخليجي – الكويت وعمان تحديداً – من عمليات التجنيس في البحرين والتي شملت جنسيات دول تعتبر مفارخ تاريخية للإرهاب. وحده كيليب علم القاعدة** الذي رفعه بلطجية قوات الأمن في وزارة الداخلية البحرينية في مدينة حمد وهم يستهدفون أبناء الطائفة الشيعية في الشوارع، من أعاد ذاكرتي لذلك اللقاء لأتذكر هذه الجملة تحديداً: "أخشى ان تكون البحرين ذات يوم مكانا آمنا للقاعدة".

تشير أكثر المصادر المعلوماتية اتزاناً ومهنية، وبالاعتماد على تحليل طفرة البيانات الرقمية التي وصلت بعدد السكان في البحرين لأكثر من مليون نسمة، الى أن عمليات التجنيس خلال السنوات العشر الماضية قد شملت ما بين خمسة وستين وثمانين ألفاً. وتركزت غالبية عمليات التجنيس على الجنسيتين الأردنية والسورية والسعودية والباكستانية، خصوصاً مناطق البادية التي تتركز فيها الأصولية الإسلامية السنية والمستويات المتدنية من التعليم.

كأن للجهل والتخلف ميزة لدى مخططي سياسة التجنيس في البحرين، فالمهام المطلوبة والوظائف المتاحة لهم وطبيعة التموضع الاجتماعي المطلوب للمجنسين، تقتضي أن يكونوا على أقل مستوى من التعليم، بالإضافة لضرورة أن يكونوا منخرطين في الأصولية الإسلامية في نسختها السنية لمواجهة المكون الشيعي في البحرين. وهكذا، أصبحت البحرين  - بعد عشر سنوات عملت الدولة فيها بكل طاقاتها إمكانياتها لاستكمال برامج تمكين المجنسين اقتصادياً واجتماعياً – مكاناً آمناً للقاعدة والجماعات الإسلامية المتطرفة. ولم يكن وجدي غنيم – الداعية المصري المتطرف الذي تم إخراجه من البحرين بطلب كويتي -  إلا عرّاباً ضمن جوقة العرابين لهذا المكون الاجتماعي الجديد في هذه الجزيرة الصغيرة.

الأكثر من ذلك، هو أن الكثير من أبناء الطائفة السنية من السكان الأصليين قد تأثروا واستجابوا لمكونات هذا المكون الجديد. ورغم المقاومة الاجتماعية من جانب أبناء الطائفة السنية لتمكين المجنسين في مفاصل الدولة ومؤسساتها الحيوية، ولذلك أكثر من علامة – أقلها المواجهات الأمنية في منطقة الرفاعين - إلا أن الخطاب الطائفي والتحريضي الذي اعتمدته الدولة في خطابها الإعلامي قد استطاع تطويع هذا الرفض وتطويقه مؤقتاً في سبيل مواجهة المكون الشيعي والإجهاز عليه.

هذا التكتيك ساهم فيه علماء دين ونواب وأعضاء شورى ووزراء ومسؤولون، وكان الغطاء السياسي والمالي متوفراً وبغزاره من جانب القوى المتطرفة في الحكم.  لكن الذي لم تتنبه له القوى المتطرفة في مؤسسة الحكم في هذا السياق تحديداً، هو أن يتحول هذا المكون الاجتماعي الجديد (المجنسون) إلى عامل ضغط على السلطة نفسها عبر مطالباتها وسعيها إقرار المزيد من سياسات التطرف والاستهداف للمكون الشيعي وباقي المكونات العلمانية والوطنية، بل أن تتجاوز عمليات الضغط هذه حدود هذا المكون لتشمل الكتلة السنية من السكان الأصليين بتاريخها الموالي أيضاً. علامة ذلك، هو التهديد المبطن للملك وولي عهده من جانب العديد من القيادات السياسية في الموالاة والتي ذهبت الى التلويح والتهديد بعزل الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وتنصيب عمه الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ملكاً على البلاد.  أقول لكل من يريد تفحص الحالة البحرينية وسبر إسرارها، إنْ في حرب صور رموز الحكم الثلاثة الأخيرة في الوزارات والمؤسسات والتركيز على صور رئيس الوزراء تحديداً، وإنْ في إلغاء المسيرة الشعبية للشارع السني التي كان من المفترض أن تسير من الأستاد الوطني إلى منزل رئيس الوزراء.

إنّ في ذلك كله دلالات واضحة على أن ثمة ضغطاً جاداً وتهديداً وتلويحاً لإعادة ترتيب بيت الحكم. في حال تم الدخول في حوار جدي ومسؤول، يقتضي الإفراج عن جميع القيادات السياسية للمعارضة وإيقاف مسلسل الاستهداف اليومي لجميع مكونات المعارضة. 

وأحيل القارئ في هذا السياق للبحث عن هذه الجملة (إعادة ترتيب مؤسسة وبيت الحكم) في أرشيف صحيفة الوطن تحديداً، وسيجد أنها وردت في أحد الأعمدة الصحافية قبل بدء الحركة المطلبية في الرابع عشر من فبراير، وتحديداً بعد اعتقال بعض رموز المعارضة وتوارد أنباء أن عفواً ملكياً قد يصدر لإطلاق سراحهم. كما له أن يتفحص بدقة كلمات الشيخ عبداللطيف المحمود والقيادات الأخرى في تجمع الوحدة الوطنية والتي تؤكد كلها أن التموضع الذي اتخذه المجنسون في البحرين وأن الدور السياسي الذي يلعبونه اليوم، لم يأت كما كانت الدولة تريد وتشتهي وفي الحدود التي كانت رسمتها لهم، تماماً كما كان تلويح قوات الأمن البحرينية بعلم القاعدة حدثاً استثنائياً خارج إطار العمل والتكتيك، وهو حدث لا يستحق الاهتمام به على الصعيد المحلي وحسب، بل وبما يشمل الصعيدين الإقليمي والدولي. 

* كاتب بحريني 

**    مقطع يوتيوب يوضح مسير تجمع موال في مدينة حمد يحمل علم تنظيم القاعدة         

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus