» رأي
الحوار المغلول
إيمان شمس الدين - 2011-06-24 - 7:19 ص
إيمان شمس الدين*
الحوار دعوة تتطلب عادة تهيأة الأجواء من قبل الأطراف المحاورة بعدة اتجاهات تثبت حسن نوايا جميع الأطراف في تحقيق الهدف من الدعوة للحوار، خاصة إذا كان حوارا يتعلق بمستقبل وطن بحجم البحرين.
وتكمن خصوصية البحرين كونها عرفت بالتعايش والتعدد الذي عكسته حضارتها وثقافتها على المحيط والبيئة التي ترعرع فيها البحرينيون، ضمن منظومة خليجية تتحكم في مكوناتها وبناءاتها السياسية والاجتماعية القبائلية والمذهبية وتقوم على هذه الولاءات.
وعلى الدعوة إلى الحوار التي أطلقها الملك البحريني بعد انتهاء حالة "السلامة الوطنية" من أجل إعادة الأوضاع في الداخل البحريني إلى ما قبل ثورة 14 فبراير، يتلبسها الكثير من علامات الاستفهام المشروعة خاصة حول جدية الحوار ومدى استيعابه لكل مكونات المعارضة.
والمشككون في جدية الحوار وصدق الدعوة للاصلاح كثر اليوم، ويملكون من الدلائل الكثير ما يمكنه فعليا أن يشكل عائقا نحو الذهاب للحوار الذي رسمت معالمه وفق ما تريد أقطاب في بيت الحكم لتكريس سلطتها وهيمنتها أكثر، لا كما يريده الشعب الذي يعتبر وفق الديموقراطية الحديثة مصدر السلطات كلها.
ووفق تصريح لوزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة أمام مجموعة من الصحفيين الأجانب أن الحكومة البحرينية تعرضت لهكذا أزمة في التسعينيات من القرن الماضي ومن ثم ذهبت للحوار واليوم أيضا تتكرر الأزمة ودعونا للحوار ونحن أيضا ذاهبون له، أي أنه يشبه ما حدث اليوم بما حدث في تسعينيات القرن الماضي وكيف أنه رغم التعديات التي ارتكبتها الحكومة البحرينية بحق المعارضين إلا أن الدعوة للحوار لقيت قبولا، وهو ما أفضى إلى المصالحة التي انبثق عنها الميثاق الوطني البحريني بين المعارضة والحكومة.
ولكن ما غفل عنه وزير الخارجية، هو استقراؤه للظروف المرافقة لكل حدث، وهي ظروف مغايرة تماما مما يستدعي نتائج وحيثيات مغايرة أيضا، فآدم حينما أقسم الشيطان له بالله أنه لو أكل من الشجرة سيكون له فيها فائدة كبرى فأكل من الشجرة لأنه لم يسبق له في تجربته الانسانية أن يقسم أحدا بالله كذبا، لكنه بعد هذه التجربة لم يعد لمثلها أبدا. والمعارضة البحرينية حينما ذهبت في تسعينيات القرن الماضي للحوار والمصالحة، كانت بالنسبة لها التجربة الأولى في خوض مثلها بيد وقلب مفتوح من أجل العبور نحو وطن تحكمه دولة مدنية حديثة تكون فيه الحكومة أو السلطة أحد مكوناتها وليس المتحكم بها.
ولكن لو استقرأنا التجربة السابقة بعد الحوار لوجدنا وخاصة في الآونة الأخيرة تراجعا ملحوظا في الاصلاحات والوعود التي التزمت بها الحكومة البحرينية حيال محاوريها من المعارضين، وما عملية التجنيس لتغيير الديموغرافية البحرينية وتحويل الأكثرية وفق الحسابات المذهبية وليست الوطنية إلى أقلية، وكل ما تم التراجع عنه خاصة في أقصاء هذه الشريحة عن مواقع مهمة في الدولة يستحقها كثر منهم وعدم وفائها بالكثير من العهود والوعود التي قدمتها في الميثاق لمعارضيها والتي على أساسها انطلقت العملية السياسية في البلاد وفق ديموقراطية مجذوذة ومنقوصة على أمل أن تستكمل نواقصها تدريجيا، حتى الوصول إلى ملكية دستورية إلا دليل واضح على أن المسألة كانت مجرد كسب وقت وتخدير، يراد من ورائه انهاك المعارضين في فرعيات بعيدة عن الاصول التي منها يبنى وطن.
وما يجب أن تعرفه الحكومة البحرينية أن اليوم مغاير بظروفه وحيثياته عن الأمس، فاليوم تأتي المطالبات بعد تجربة مريرة في نقض العهود ومخالفة الوعود وفي سياق رياح تغيير في المنطقة تهاوت على أنغامها أنظمة كانت مدعومة من الغرب حتى النخاع، ولكن جاءت إرادة الشعوب لتقلعها من جذورها ورضخ الغرب لإرادة الشعوب حتى لا يحرج نفسه وإن عمد بعد ذلك إلى الالتفاف على الثورات بطرق ملتوية ما زال بعضها يفشل وبعضها يحاول.
إضافة لنجاح المعارضة في الخارج على مستوى المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني في رسم معالم حقيقة ما تقوم به الحكومة البحرينية حيال المعارضين بالصور والوثائق التي لا يمكن أن تصمد أمامها الحكومة البحرينية.
فالدعوة للحوار اليوم دعوة مغلولة، لأنها تأتي في أجواء يستمر فيها القمع والتعذيب والفصل التعسفي واصدار الاحكام المجحفة من محاكم عسكرية غير مدنية بحق معارضين مدنيين، وغيرها من الظروف المصاحبة لدعوة الحوار، إضافة إلى فرض الحكومة البحرينية لسمات الشخصيات المحاورة والتي يجب ان تمثل المعارضة، وإقصائها لأطياف أخرى، وما تقوم به الحكومة عبر تلفزيونها الرسمي من نسف أسس التعايش والتعدد التي قامت عليها الحضارة البحرينية وتميزت بها في المنطقة، وتحويل المسألة إلى سنية شيعية .
فأي حوار يمكن أن يجري في أجواء تعسفية تقتل إنسانية الانسان وتلغي الآخر وترسم له معالم شخصيته وفق ما تريد السلطة لا وفق ما يريد هو؟
إن الدعوة إلى الحوار من قبل الحكومة البحرينية هي كمن يذهب وراء السراب في قارعة النهار ظنا منه أنه ماء وما هو بماء وإنما شبه لهم.
وعلى المعارضة اليوم أن تستفيد من تجربتها الماضية ومهما أقسمت الحكومة البحرينية مجددا ليأكلوا من الشجرة فعليهم ان لا يفعلوا، وإن يستمروا في تحقيق شروط الحوار الجدي الذي يحقيق المطالبات التي على رأسها قيام دولة مدنية حديثة، تحكمها أسس الديموقراطية التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات.
Chamseddin72@gmail.com
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق