فينيان كانينغهام: صمت الغرب الملعون تجاه البحرين

2013-10-05 - 12:16 م

فينيان كانينغهام، FC/PR

ترجمة: مرآة البحرين 

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أشار أوباما بشكل مبهم إلى الطائفية في سوريا والبحرين في الجملة ذاتها.

والأمر الطريف في الموضوع هو أن الديكتاتورية البحرينية هي كذلك بطريقة ما، ولكن لكل الأسباب الخاطئة. فالبحرين ليست أبداً مثل سوريا. 

ذلك لأن البحرين تبرز مثلاً حقيقياً عن حركة سلمية ديمقراطية تم سحقها على يد طاغية حقير. هذه هي الرواية التي تعتمدها الحكومات الغربية وإعلامها الرئيسي بشكل خاطئ في ما يخص سوريا، لكن حين يتعلق الأمر بالبحرين، حيث تنطبق الرواية حقاً، يغض الغرب طرفه ويقدم خطاباً غريباً.

ربما شعر أوباما أنه مجبر على ذكر البحرين في خطابه في الأمم المتحدة، فقط لأن وضع حقوق الإنسان هناك حرج جداً، بالنسبة له، عدم قول بضع كلمات رمزية تبرز قلقه سيتركه عرضة للازدراء، خاصة أن مقر الأسطول البحري الأمريكي الخامس في البحرين، وأن الولايات المتحدة تزود النظام لبحريني بما تبلغ قيمته ملايين الدولارات من الأسلحة والمواد التجارية.

ومع ذلك، فإن كلمات الرئيس الأمريكي القليلة غير القابلة للإحترام حول البحرين تنم عن تواطؤ بغيض بالصمت، من قبل واشنطن خصوصاً والغرب عموماً حول جرائم آل خليفة ضد الشعب البحريني الذي طالت معاناته. 

حتى الآن، ذهبت الغطرسة الغبية بأولئك المستبدين البحرينيين إلى حد الغضب من انتقادات أوباما القليلة المثيرة للشفقة.

هذا الأسبوع، حاول وزير الخارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الهجوم، حين قال في الجمعية العمومية للأمم المتحدة إن ما يسمى بالمملكة هي مجتمع "قائم على التعاون لا على المواجهات". واستحق الشيخ خالد احتفاء حماسياً لوقاحته.

وكما يشير اسمه، فإن الديبلوماسي البحريني هو عضو من عائلة آل خليفة الملكية. وقد حكمت هذه العائلة البحرين منذ أن حصلت الجزيرة على استقلالها الإسمي من بريطانيا في العام 1971. عينت عائلة آل خليفة نفسها كنظام ملكي ومنحت لأفرادها ألقاباً فخمة، ك"ملك" و"ولي العهد"، و"رئيس الوزراء" و" وزير الخارجية".

وتمسك آل خليفة بهذه اللعبة عبر نظام محسوبيات وراثي، وأصبحوا أثرياء جداً في هذه العملية، من دون أي شكل من أشكال المساءلة القانونية.

والبحرين هي مصدر صغير للبترول مقارنة مع الثروات الطبيعية في المملكة العربية السعودية والعراق وإيران. لكن كمية البترول والغاز المتواضعة في البحرين كانت كافية لجعل آل خليفة وحاشيتها أثرياء. على سبيل المثال، رئيس الوزراء غير المنتخب منذ عام 1971، الشيخ خليفة بن سلمان، المعروف أيضاً ب"سيد سياسة ال 50% (الفيفتي)" بسبب ميله الشهير للرشاوى، مشهور بكونه واحداً من أغنى الأفراد في العالم.

هذا واحد من إنجازات عشيرة من الدجالين التي رفضها الشعب البحريني الأصيل مراراً وتكراراً. في الأصل، غزا آل خليفة البحرين منذ 230 عاماً حين كانوا قبيلة من قراصنة البحر، قائمة على السلب. وأخضعوا الشعب البحريني وثقافته الفارسية الأبيّة لسلطة السيف، بمساعدة غاشمة من الأمبراطورية البريطانية.

تمكن حكام آل خليفة المستبدين، مع ألقابهم البرّاقة، من الحفاظ على امتيازاتهم غير الطبيعية من خلال ممارسة الاضطهاد والملاحقة وإرهاب الدولة ضد غالبية البحرينيين. وكانت دولة آل خليفة المتسلطة والتي عينت نفسها، قدرة على فعل ذلك عبر تأجيج الصراع الطائفي بين البحرينيين الشيعة والسنة الأصليين. وكان الحكام السنة أقرب إلى زعيمهم المناطقي، عائلة آل سعود الوهابية، في مهنة التطرف بينما كان أغلب سكان البحرين من الشيعة. 

وخلافاً لما صوره وزير الخارجية البحريني في الأمم المتحدة هذا الأسبوع، فإن حال البحرين معاكسة تماماً لوصف المملكة الخيالية التي صوّرها. والنظام فيها قائم على مواجهات بربرية جشعة، لا على التعاون. مما يسمح للعشيرة غير المنتخبة بفرض الإمتيازات والاستغلال والفساد وبلادة النخب على الأغلبية الفقيرة. البحرين هي نقيض الديمقراطية.

ولكن، على عكس طغيان المملكة العربية السعودية، أفادت البحرين من خيبة الأمل البريطانية، وبعد عدة سنوات، من خيبة أمل واشنطن أيضاً. هكذا، نصبت البحرين ظاهرياً أفخاخ الحكومة الدستورية وحكم القانون. في الواقع، تشكل الحكومة والمحاكم الأسلحة الموجهة لعشيرة آل خليفة. وعند حكها، سيظهر استبداد مماثل لذلك السائد في المملكة العربية السعودية. 

كان هذا الاستبداد سائداً هذا الأسبوع في غضون ساعات من كذب وزير الخارجية البحريني على رؤوس الأشهاد على المنصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول "التعاون المجتمعي"في بلاده.

فقد حكمت محكمة بحرينية، برئاسة ثلاثة قضاة من آل خليفة على 50 رجل وامرأة وطفل شيعي بما يصل مجموعه إلى 430 عاماً. وحُكِمَ على بعض المتهمين بالسجن ل15 عاماً، بينهم رجال دين ومدافعون عن حقوق الإنسان ومحتجون ومواطنون عاديون تم اعتقالهم من قبل شرطة النظام العسكرية، واحتُجِزوا في زنزانات من دون حكم قانوني. كما حرموا من حقهم في المثول أمام قاض وخضعوا للتعذيب المنهجي وفي النهاية تم إجبارهم على الإعتراف بارتكاب جرائم إرهابية. 

وتم اتهام جميع المعتقلين بالانتماء إلى تحالف 14 شباط/ فبراير ووصفهم بأنهم متآمرون للإطاحة بالنظام. وفي الواقع هنالك مثل هذا التحالف بين الناشطين المؤيدين للديمقراطية في البحرين الذين ظهروا منذ تصاعد الإحتجاجات السلمية ضد النظام في 14 شباط/فبراير 2011. لكن ما قام به النظام عبر شذوذه وحبه للاضطهاد يترجم حركة الاحتجاج السياسية الشرعية هذه على أنها مؤامرة إرهابية.

ناجي فتيل، المعروف بكونه مدافعاً عن حقوق الإنسان، واحد من المحكومين في هذه المهزلة الإقطاعية. حُكِمَ عليه ب15 عاماً. وكان "جرمه" الحقيقي أنه قام بتجميع سلسلة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام ضد المتظاهرين المسالمين. معتقلة أخرى، هي ريحانة الموسوي، وهي أم لثلاثة أولاد. تم توقيفها فقط لأنها تظاهرت ضد السجن غير القانوني لمدافعين آخرين عن حقوق الإنسان ولصحافيين، بينهم نبيل رجب، زينب الخواجة وأحمد حميدان. 

عندما تم إحضار المتهمين أمام القضاة خلال جلسات الاستماع السابقة، كان من الواضح أنهم تعرضوا لصدمات جسدية وعقلية خلال الاستجواب. مع ذلك، رفض القضاة الاستماع لأي شكاوى وأبعد رجال الشرطة المتهمين الذين كانوا يصرخون بصوت عال ليخبروا عن تعذيبهم.

والحكم الحقيقي من محكمة هذا الأسبوع الصورية هو أن النظام يدير جزيرة من الاضطهاد والطائفية في محاولة غير رحيمة للقضاء على الديمقراطية.

وفي الوقت ذاته، سُمِحَ لوزير خارجية النظام بقول الأكاذيب في الأمم المتحدة وتطهير الصورة البغيضة للبحرين. وسُمِحَ للنظام البحريني بالإفلات بجرائمه بسبب الصمت الساخر وسياسة غض الطرف التي يطبقها زعماؤه في واشنطن ولندن.

وتستطيع كل من واشنطن ولندن إجبار النظام البحريني على تغيير سياسته مباشرة بإلغاء العلاقات الديبلوماسية والعقود التجارية. يمكن لأمريكا وبريطانيا فرض عقوبات كما فعلتا بكل سرور وبشكل صارخ ضد سوريا وإيران لأسباب زائفة تماماً. 

ويمكن تحرير المئات من السجناء السياسيين في البحرين، بمن فيهم الخمسين الذين تم الحكم عليهم هذا الأسبوع، من عالم الكوابيس الذي يعيشون فيه. لكن نظامي واشنطن ولندن لن يفعلا ذلك من دون احتجاج غربي شعبي ضخم، لأن الحكام المستبدين في العواصم الغربية يهتمون بالديمقراطية أو بحقوق الإنسان. تستعمل الولايات المتحدة وبريطانيا هذه المصطلحات لأهداف دعائية في محاولة لتقويض الحكومات التي يعارضونها لأسباب استراتيجية، كسوريا أو إيران، حيث أنهم يريدون تغيير النظام لتثبيت أنظمة طيّعة بين أيديهم. 

هذه اللامبالاة الدنيئة تجاه محنة شعب البحرين تدل على أن الحكومات الغربية لا تملك أدنى مقومات الأخلاق. هي لا تعرف إلا الانتقاد، والاهتمام بمصالحها الخاصة والخداع لحساب نخب رأسمالية معينة. 

 

1 تشرين الأول/ اكتوبر 2013 

النص الأصلي

 

الكاتب: وُلِدَ فينيان كانينغهام في عام 1963، أصله من بلفاست، إيرلندا.. وهو خبير بارز في الشؤون الدولية.  تمّ طرد هذا المؤلف والإعلامي من البحرين في شهر حزيران/ يونيو 2011 بسب نقده الصحافي والذي سلّط الضوء فيه على انتهاكات النظام المدعوم من قبل الغرب لحقوق الإنسان. كان يعمل كمحرر وكاتب في وسائل الإعلام السائدة، بما في ذلك ذا ميرور، التايمز الايرلندية والاندبندنت. هو الآن في شرق أفريقيا حيث انه يؤلف كتابا عن البحرين والربيع العربي. 



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus