» رأي
مسودة بيان الحوار "الوطني"
عباس بوصفوان - 2011-06-19 - 7:44 ص
عباس بوصفوان*
واضح الآن أن السلطة ستذهب إلى ما تسميه "حوار التوافق الوطني" مطلع يوليو المقبل دون عناية كافية بتمثيل حقيقي للمعارضة، بل وربما يكون الأولى عندها أن لا يحضر أحد من الجماعات المعارضة، والتي "لسانها طويل"، خصوصا الوفاق، إلا إذا كفت عن كونها "الوفاق" التي يعرفها الناس.
وهذا ما يبرر، ربما، استمرار كل الإجراءات القمعية ضد جماهير 14 فبراير، متواكبا مع نهج إعلامي مسيء للبلد وأهله، فيما كان مفترضا أن تسعى الحكومة للتهدئة على الأقل، إن لم يكن في عزمها تهيئة أرضية كاملة.
الحوار الحالي هو عمليا خطوة "أمنية". إنه إجراء من جملة الإجراءت الحكومية التي تتبناها خطة "الأمن أولا"، التي بدأ بتطبيقها في 14 فبراير، لحظة إنطلاقة الثورة، وازدادت رسوخا مع الوجود السعودي الذي بات صاحب الأمر أمنيا وعلى مستوى السياسة الخارجية، على الأقل.
والمسعى الحكومي الراهن، هدفه انجاز حوار شكلي، وعلاقات عامة، ينتهي بفرض تسوية سياسية معدة سلفا.
وعلى الأرجح فإن البيان الختامي للحوار تم إعداده فعلا، على غرار بيانات جامعة الدول العربية، وعلى الحاضرين إمضاءه، أو إجراء تغييرات شكلية فيه. (ويمكن لكل منا كتابته بالمناسبة، وسأشير إلى إبرز خلاصاته أدناه).
من أجل ذلك، فإن "المتحاورين" سيجتمعون وقوى الأمن في الشوارع، وفوهات البنادق مشروعة، كي يبصم القابعون في القاعة دون مشاغبات، لكن سيحتفظ بحقهم في التأفف خارج القاعة!.
تعتقد السلطات أنه لم يحن الوقت بعد لتهدئة وتوافق حقيقي، مادامت المعارضة متمسكة بمطالبها الرئيسية، ولا تريد البصم على رؤى النظام. ومعلوم أن الحكم يفسر التوافق على أنه قول "نعم" للسياسة الحكومية، وغير ذلك شق للصف، وخيانة.
في الواقع، فإن البعد الأكثر تأثيرا في النهج الحكومي الأعوج يعود إلى السعودية التي تمول النظام، وحملاته السياسية والأمنية ضد الشعب والجهات الحقوقية والإعلامية التي أدانت ومازالت الثورة المضادة في البحرين. (يقصد بالثورة المضادة الجهود التي تبذل لخنق الثورة الشعبية المطالبة بالإصلاح).
وإذ يبدو الخلاف الظاهري بين الوفاق والحكم على من يقود الحوار، هل ولي العهد أو رئيس مجلس النواب، فإن ذلك لا يعكس الحقيقة.
إذ حتى عودة ولي العهد إلى المشهد لن تحل القضايا الأخرى بالضرورة، خصوصا تلك المتعلقة بجدول أعمال الحوار، والذي تطالب المعارضة بأن ينطلق من النقاط السبع التي عرضها ولي العهد، (مجلس نواب كامل الصلاحيات، وحكومة تمثل إرادة الشعب، ودوائر انتخابية عادلة، والتجنيس، ومحاربة الفساد المالي والإداري، وأملاك الدولة، ومعالجة الاحتقان الطائفي)، وهذه النقاط بالمناسبة، هي ذاتها تقريبا التي عرضها ناشطوا 14 فبراير في بيانهم مع انطلاقة الثورة.
كما تريد الوفاق أن تعرف من سيحضر إلى الحوار، وكيف سيتم اتخاذ القرارات أو التوصيات فيه، في ظل الخشية من أن تكون الغالبية حكومية بالضرورة، ما يعني أن حضور المعارضة من عدمه لن يغير من نتائج الحوار. وكان الشيخ فواز أعلن حضور 60 جهة في الحوار، فيما أعلن رئيس الحوار خليفة الظهراني دعوة 250 شخصية، ما يعزز من مخاوف المعارضة من عدم وضوح آليات اختيار المشاركين في الحوار، وآليات اتخاذه للقرار.
الدعوة الرسمية للحوار، تعلن أن الهدف منه الخروج بقرارات تؤدي إلى "تشكيل حكومة أكثر كفاءة، وتمثيل شعبي أكثر فاعلية"، كما جاء في تصريحات الملك، وكذا في الرسالة التي وجهها الظهراني المكلف بإدارة الحوار. فيما تأمل المعارضة تشكيل حكومة منتخبة، وبرلمان يحتكر الصلاحيات التشريعية.
إذا، سقف الحوار واضح، النظام يعتبر الحكومة الحالية كفوءة، وسيتم تطوير كفاءتها، والبرلمان الحالي (مجلسا الشورى والنواب) فاعلا، وسيتم العمل على زيادة فاعليته.
وتقول الدعوة للحوار أن تحقيق تلك الأهداف يعود إلى "الإرادة الملكية في المضي بالمسيرة الوطنية المباركة والدفع بها إلى الأمام"، وليس إلى رغبة الشعب أو تطلعاته، ونضالاته ودمائه.
على أن الكل يعرف بأن كل الغنائم السياسية والاقتصادية التي ستنتج عن الحوار الشكلي المرتقب في أول يوليو، على محدوديتها، فإنها ستتم بفضل دماء وتضحيات أهل الدوار، والنضالات المتراكمة منذ عشرينات القرن الماضي.
وفي الحقيقة، فإن واحدة من النقاط المثيرة للقلق في الدعوة التي وجهها الظهراني، هي تلك الهادفة إلى "جمعيات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني تعمل في إطار الوحدة الوطنية والتزام حكم القانون".
ولمن يعرف المفهوم الحكومي المنحط للوحدة الوطنية، ومفهومها الأعوج لحكم القانون، يجب أن يضع يده على قلبه لجهة الخلاصات التي سيخرج بها المؤتمر في هذه البنود.ذلك أن الوحدة الوطنية يراق دمها بشكل يومي من قبل النظام، إعلاما ومؤسسات، فيما يعد قتل الناس وانتهاك الحرمات تطبيقا لحكم القانون!
ولنا أن نتوقع جملة من الخطوات العقابية من طرف اجتماعات الحوار، ضد القوى السياسية المعارضة المرخصة وغير المرخصة، والتي توصف في الخطاب الرسمي الحكومي وأغلب المدعوين للحوار بأنهم خونة وقتلة وإرهابيون وخارجون على القانون ويجب تنفيذ القصاص بهم.
ولذا ستلقى رؤية "الأمن أولا" وجميع الإجراءات الحكومية القمعية ضد المتظاهرين العزل ومناصريهم كل الدعم والإشادة والتأييد، وسيتم المناداة بإنزال أقصى العقوبة بالمتهمين من المتظاهرين الذي كانوا معتصمين سلميا في دوار اللؤلؤة.
ولن ينسى المؤتمر الدعوة للتعجيل بإعلان نتائج لجنة التحقيق التي شكلها الملك منتصف فبراير عن مسببات الأحداث، والذي تم تأخير إعلان نتائجها إلى ما بعد انتهاء الحوار.
وسيرحب الحوار بحرارة بالوجود السعودي (الذي سماه روبرت فيسك احتلالا)، وسيدعو للكونفدرالية الخليجية وصولا للوحدة، مع أن البحرين نموذج لا يحتذى في الشراكة الخليجية، كما يتضح من تجربتي جامعة الخليج العربي، وطيران الخليج، وأمثلة أخرى فاقعة على الأنانية والفساد وسوء الإدارة.
كما سيدين الحوار ما تسميه السلطات التدخل الخارجي (الإيراني)، وستدعو المنظمات الدولية والحقوقية بالحياد، وطبعا لن تنسى الإشادة بالتزام البحرين بحقوق الإنسان، وسيرحب بإعلان البحرين الأولى في الشرق الأوسط في حقوق الإنسان! (هل توجد مثل هذه المعلومة!).
وسيؤكد الحوار على المكاسب الوطنية العظيمة التي تحققت في السنوات العشر الأخيرة، مع كل ما جرته على البلاد من خراب، أفرز ثورة 14 فبراير. وسيدعو للوحدة الوطنية!!! وحل مشكلة الإسكان، وتطوير التعليم، والحكومة الالكترونية، والإعلام الرسمي، وزيادة الرواتب، وحل المشكلات المعيشية، وتحقيق العدالة ودعم الطفولة المرأة والشباب.
سيكون بيانا جامعا، سيطال كل ما يخطر على البال، في السياسة الداخلية، والعلاقات الخارجية، ولن ينسى دعم الاقتصاد واستقطاب الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص، وتطوير القضاء، وقبل كل ذلك سيشيد بالإدارة الحكيمة للمك ورئيس الوزراء وولي العهد، لكنه سيبدأ بالتشديد على ما سيعتبره ثوابت: عروبة البحرين وحكم عائلة آل حليفة.
وأظن أن الحوار قد يخرج بنتائج سياسية معنية، قد يتم اقتراح تقليل عدد الشورى، وزيادة عدد النواب، وربما يتم طرح أفكار لتشكيلة حكومية تقوم على الكفاءة "والولاء" في اختيار الوزراء. وسيتم التشديد على محاربة الفساد والتمييز!
لا أعرف إلى اي مدى يمكن عد ذلك "مكاسب"، لكنها قد تكون أمرا طيبا لو تمت في أجواء إيجابية. لكنها بالتأكيد ستكون أقل من طموح الشعب، الذي سيظل يناضل من أجل أن يحكم نفسه بنفسه. لكن ما أخشاه هو أن يلي الحوار إجراءات أمنية تطال أهل الدوار وزعماءهم وجميعاتهم وكوادرهم، على اعتبار أنها الخطوة الأمنية اللاحقة لما بعد الحوار. إحدى سيناريوهات الخطة الأمنية تقضي أصلا: أولا، ضربة أمنية تخفض سقف المطالب وتشق صف المعارضة، ثانيا، حوار تحت الحراب، ثالثا، ضربة أمنية تفرض أطر الحوار.
وفي الأصل، لا تحتاج البلد ضربة أمنية كي يتأكد الناس أنهم مازالوا في المربع الأول، الذي بات واضحا الآن أن مغادرته لن تكون قريبة، لكنها مدركة ايضا أن العض على الجرح أولى من هدر التضحيات في حوار واضح أنه ليس حوارا.
*كاتب بحريني