علي صنقور: صاحب أشهر صورة في ثورة 14 فبراير
2013-09-27 - 9:38 م
مرآة البحرين (خاص): في ثورة 14 فبراير، ثمة صور لا يمكن تجاوزها، فهي بمثابة المعجم الناطق عن ثورة مضطهدة، يُعمل على اغتيالها وتشويهها بكل الطرق، وهي أيقونة راكزة في ذاكرة كل جيل الثورة وضميره ووجدانه، بعضها تصدرت صفحات الإعلام الغربي وأغلفة الصحف العالمية، واستقطبت انتباه العالم لحقيقة ما يجري في البحرين منذ 2011، وبعضها لا تزال تفعل.
ليس هناك من شهد ثورة 14 فبراير، أو تابعها من بعيد أو قريب، إلا وتوقف مليًّا عند صورة الشاب (علي صنقور) وهو يواجه بصدره العاري وذراعه المفتوحة دبابات الجيش، في 18 فبراير 2011. وليس من أحد من جيل الثورة؛ شبابها ونسائها، كهولها، وحتى أطفالها، لا يعرف هذه الصورة، حتى لو لم يكن يعرف اسم بطلها. الكثير من الشباب تمنّوا حينها، أن يكونوا محل بطل هذه الصورة التي تصدّرت وسائل الإعلام العالمية، وأظهرت سلمية هذه الثورة مقابل عنجهية هذا النظام.
كان حينها في الـ 31 من عمره، قادمًا مع آلاف المحتجين الغاضبين ضد الإرهاب الذي مارسه جيش النظام البحريني في فضّ اعتصام دوار اللؤلؤة للمرة الأولى فجر الخميس17 فبراير، وسقوط 4 شهداء و250 جريحًا.
أيضًا، لم يكن دم أول شهيد في الثورة (علي مشيمع) قد برد بعد، سقط في 14 فبراير على يد قوات الأمن، إثر طلق مباشر من مسافة قريبة. المحتجون جاؤوا يعلنون غضبهم من بطش النظام وإصرارهم على العودة إلى الدوار وممارسة حقهم في الاعتصام السلمي. جاء المحتجون يقدمون سلميتهم على غضبهم، يرفعون أيديهم ويقدمون صدورهم العزلاء أمام قوات الجيش التي نزلت إلى شوارع البحرين في مشهد رعب غير مسبوق.
وابل من الرصاص قابل الأيدي العزلاء المرفوعة بهتاف: "سلمية سلمية"، ومن فورها، اقتحمت إحدى الرصاصات الرعناء رأس الشهيد رضا بوحميد، وسقط غارقًا في بركة دم. على الشارع تناثرت أجساد عشرات الجرحى. حالة هستيرية عمّت المحتجين العزل السلميين، الذين راحوا يلمّون الأجساد المتساقطة من الأرض، ويركضون بها نحو مستشفى السلمانية، وهم لا يكادون يصدقون ما يحدث.
هنا يتقدم (علي صنقور) نحو بركة دم رضا، يمرّغ يده في حرارتها، يلطّخ بها صدره العاري، ثم يتجه ناحية آليات الجيش ودباباتهم مادًا يده العزلاء، يريد أن يريهم كم هو مدجّج بحب الوطن فقط، وكم هم عزّل عن حب الوطن. يصرخ في وجه القناصين المتأهبين للقتل: "أنا أمي سنية وأبي شيعي فإن كنت بحريني تعال وكلمني".
التقطت عدسات وكالات الأنباء العالمية الصورة من جميع الجهات، وتصدّرت صحفًا عالمية في الأيام التالية، وصارت هي، وفيديو سقوط الشهيد رضا بوحميد، رصاصة في قلب النظام الإرهابي الكاذب، الذي يحاول أن يوهم العالم بأنه ديمقراطي، ويـؤمن بالتعددية وحرية التعبير. الصحافي البريطاني الأشهر (روبرت فيسك)، المراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة الإندبندنت، كان موجودًا في البحرين حينها، نشر في اليوم التالي مقالاً تصدرته صورة (صنقور) عنوانه: "إنهم لا يهربون، إنهم يواجهون الرصاص وجهًا لوجه" ظل صاحب هذه الصورة مجهولاً، ومطلوبًا في نفس الوقت.
كان في السابعة عشر من عمره عندما تم اعتقاله للمرة الأولى في تسعينات القرن الماضي، إثر الانتفاضة الشعبية آنذاك. حكم عليه بالسجن لأربع سنوات، بعد أن فُبركت له قضية تفجير. خسر دراسته، وتعرّض لصنوف من التعذيب البشع، مما أدى لفقده السمع في إحدى أُذنيه.
منذ الأيام الأولى لثورة 14 فبراير، وبعد انتشار صورته عالميًا، علم (صنقور) أنه صار مستهدفًا وأن البحث جارٍ عنه للانتقام منه، لذلك عاش حياة المطاردين منذ الأيام الأولى للثورة. لكنه لم يتوقف عن المشاركة في المسيرات السلمية. يوم هجوم قوّات الأمن على المرفأ المالي، في 13 مارس 2011، وقف (صنقور) على الجسر المقابل لدوار اللؤلؤة، أمام قوات الأمن مباشرة أيضًا، لابسًا كفنه هذه المرة، ورافعًا القرآن في إحدى يديه، وفي اليد الأخرى رفع وردة. فكان جوابهم له طلقتين مطاطيتين، إحداهما أصابت القرآن، والأخرى أصابت بطنه، فكان جوابه على الطلقات: "أنا ابن هذه النخلة شامخ كشموخها في السماء".
تعرّض للاعتقال إحدى المرات في نقطة تفتيش، لأنه لم يكن يحمل هويته، لم يكن قد تم التعرّف عليه حينها أنه صاحب الصورة، فدُفعت له كفالة مادية وخرج. اعتقل مرةً أخرى عندما كان ينقذ مصابًا في منطقة البلاد القديم، بقي قرابة شهر ونصف في السجن، أيضًا لم يكن قد عرف حينها أنه بطل الصورة، أفرج عنه.
الاعتقال الثالث والأخير، كان فجر21 يناير 2013 بعد مداهمة منزله، كانوا قد أتوا إليه شخصيًا، بوصفه صاحب الصورة. في التحقيق تعرض (صنقور) لتعذيب شديد أثّر على أذنه الأخرى، تم إجباره على الوقوف مصمد العينين ومقيد اليدين، وحرم من النوم طوال فترة التحقيق. كان مثل فريسة طال انتظارها، لذلك بقوا يتوعدونه بوقفته التي لن تغتفر أمام الدبابات ومشاركته في الاحتجاجات، وصرّحوا له أنهم لو اعتقلوه أيام السلامة الوطنية، لكان ميتًا الآن.
وهكذا أصبح (صنقور)، منذ ذلك الحين، في مرمى التهم الكبيرة، الواحدة وراء الأخرى. فلا يلبث الانتهاء من التحقيق في قضية حتى يفاجأ بأخرى، انتهت بالقضية المزعومة باسم خلية (جيش الإمام)، ثم إتلاف عنبر 10، والتعدي على الضباط، تهم من شأن كل واحدة منها أن تجعل مصيره مقلقًا، فكيف بها جميعها.
منذ صار (صنقور) في قبضة العسكر، أصبحت الفرصة مواتية للتشفي والانتقام، لم يكتفوا بوابل التهم التي أسقطوها عليه، بل تعمّدوا إذلاله واستدعاءه للتحقيق أكثر من مرة. وعندما حدثت المناوشات في عنبر 10، اختطف من العنبر وانقطعت أخباره عن عائلته ورفقائه في المعتقل لمدة ثلاثة أيام، كما تمت مصادرة جميع ممتلكاته وملابسه. وكان مما زاد قلق عائلته، أنه بات المعتقل الوحيد الممنوع من استلام ملابسه، بعدما أرجعوا لبقية المعتقلين حاجياتهم، حينها قرر الإضراب عن الزيارة منذ 7 يوليو ولا يزال مستمرًا في إضرابه حتى تحقيق مطالبه بإرجاع ملابسه.
منذ ما يقارب الأشهر الثلاثة و(صنقور) لا يملك غير الملابس التى يرتديها، وكان ذلك أحد الأسباب الذي جعله يقاطع جلسة المحكمة الأخيرة في 23 سبتمبر 2013.
لا يزال (صنقور) يدفع غاليًا ثمن الصورة، ثمن الوقفة العارية، ثمن دم رضا الذي لطّخ صدره، ثمن المطالبة بالحرية والديمقراطية، ثمن أن يكون بحرينيًا (لا طائفيًا) من أم سنية وأب شيعي، لا يزال لا يعلم مصيره الذي يرسمونه له، لكنه يعلم مصيره الذي أراده لنفسه، يكتب لعائلته رسالة يقول فيها: "الحمد لله الذي ساواني مع الناس، كنت معهم في الساحات، وأصبحت معهم في السجون".