بروفايل المشير: هارب غرفة العمليات

2011-06-18 - 10:02 ص



مرآة البحرين (خاص):
قبل أيام من موعد رفع قانون السلامة الوطنيّة، أراد المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة تقديم رسالة واضحة للمحتجين، ولكلّ منْ يعنيهم الأمر. القواتُ العسكرية المشتركة (السعودية البحرينية) لن تخرج من البلاد، ومن الممكن أن تستقر دائما. انتهاءُ أحكام الطوارئ وتبادُل الهدايا التذكارية بين القيادات العسكرية، لا يعني أنّ العسكر سيغادرون الحُكم ويُعاد تسليمه إلى الملك وولي عهده. كلّ ما هنالك، هو أن الآليات العسكرية ستعود إلى الثكنات، لا أكثر، كما أنها ستكون متحفّزةً للقيام بمهامها "القتالية" مجددا، وعلى قاعدة: "وإنْ عادوا عدنا".     

عندما وضعت "الحرب" أوزارها، وتمّ "تنظيف" البحرين و"إعادة الأمن إليها"؛ وضعَ المشيرُ القاموسَ السياسي الذي سيلتزم به الجميعُ، تأكيدا منه بأنّه لازال، وبأمر الشّقيقة الكبرى، يُدير البلاد. قال، بحرفٍ واضح، بأنّ المعتصمين في دوار اللؤلؤة ليسوا "معارضة"، بل "خونة". كانوا يريدون "إقامة جمهوريّة إسلاميّة تابعة لإيران". وأبدى شدّةً لا حدود لها، ودعاهم - باستخفافٍ مشوبٍ بحزْم - للذّهاب إلى طهران، لأنه لا مجال "للتعايش معهم"، وعدا ذلك، ليس أمامهم إلا "الحساب العسير". واستطرد المشير في كشف خيوط المخطّط الانقلابي المدعوم من إيران وحزب الله، والذي باشرت السفارة الإيرانية في البحرين تنفيذه.      تلك هي "الورقة" التي سيتمّ تعميمها على الموالين، وسيُجبرهم المشيرُ على حفظها حرفا حرفا. بدورهم، لن يتردّد أولئك في ترديد محتوياتها، وفي كلّ مكان. لن يُمنحوا شيئاً من ملفات الأدّلة، فهم ليسوا بحاجة إليها. إنهم قابلون لتصديق أيّ شيء يُدين المعارضين، ويمنحهم دورا جديدا. والمشيرُ، بهندامه الصّاعق، لن يجد صعوبة في تدريب الموالين وتحفيظهم. لا شكّ أنّه سيتفاجئ من إبداع الكثير منهم، فقد تُرك لهم مساحة واسعة للتحرّك الحُر، ولكن في إطار "الفرمان" العسكري.         

وجدَ القائد العام لقوة الدفاع فرصته التي طال انتظارها. ولكنه وقعَ كالعادة في وهم المعارك الأخيرة.      

يحلمُ العسكري بتحقيق نصْرٍ ما. يتحفّز للشعور بالرّفعة "الفعلية" وهو يلبسُ بدلته العسكرية كلّ صباح، مزيّنا إياها بالنياشين والأوسمة وهالات الرّتب العسكرية الجديدة. لا يجد العسكري نفسه إلا في ميادين القتال، وفي مواجهة أعداء خارجيين. يدخل معهم في حربٍ "شريفة"، ينتصرُ أو ينال الشهادة. هذه هي الصّورة المثالية لأيّ عسكري تدرّج في القوات المسلحة، وانتظر اللحظة التاريخيّة المشرّفة.      

لكن الصّورة هنا مختلفة. لا يكفي المرور على كلية "ساند هيرست" ليصبح الرّجل عسكريا نبيلا. لا يكفي ذلك بالطبع لأن يكون بطلا ومحرِّرا. في التاسع من فبراير الماضي، وضع الملكُ على كتفه رتبة "المشير". لم تكن البلاد قد خرجت للتّو من التحام حدودي مع العدو. فالمشير، الذي يتباهى بالمشي الميداني بين كتائب المشاة؛ كان جالسا في مكتبه الهادئ، يقرأ المطبوعات الرديئة لوزارة الدّفاع، وفي تنسيق مفتعل تلقى اتصالا يُؤكدُ موعد الحفل البهيج الذي سيعلن فيه الملك الخبر السّعيد.      

وجد المشير بعضا من فحولته العسكرية عندما تمّ الكشف عن شبكة 73، أوائل الثمانينات. قيل له "إنّ تصدير الثورة الإيرانية هو (الملف) الذي سيحقق مُراده في الزّهو العسكري". حفرَ في أجساد المقبوض عليهم ونكّل بهم على أمل إشباع "فضول طارئ" في الذّبح والتعذيب. ثم انقطعَ ظهوره "الشجاع" لأكثر من عقدين. حتّى جاءته الفرصة على طبق سعودي.      

العسكريّ الطارئ لا يكتفي بنصرٍ واحد. عندما يحلّ بقوّته في بقعةٍ ما، فإنّه يتطاير بنياشينه إلى بقع أخرى. حينها، يصعب عليه المغادرة. عندما انتهى الأول من يونيو، بقيَ المشير حاكماً عسكريا بأمر قوات درع الجزيرة. يمرّ على الصحف، ويعقد اجتماعات مع القوى الموالية، ويشرف على مشاريع "دفاعية" أهلية، ويودّع السفراء حال انتهاء خدماتهم الدبلوماسية.      

لازال المشير هنا. المهمة لم تنته بعد. معركة "الفاروق" بدأت مع تطهير دوار اللؤلؤة ومستشفى السلمانية وتوزيع القتل بين المناطق، وهي لن تقف عند هذا الحدّ. يُشرف المشير على انتظام الموالين سياسيا ووتوزيع الأدوار عليهم. تجمع الوحدة الوطنية مثلا، يستشيره في وضعَ اللمسات السّحرية على خطابه السياسي ورتم تحالفاته على الأرض. الجماعات السلفية تسترشد (تأتمر) برجاله البواسل ومدرّعاته، وتُبدي له الاستعداد لمعارك التخوين والتكفير وكسْر التوازنات.      

عندما ارتفعت صوره في المقار الحكومية، سارعَ الموالون جميعا لرفعها فوق البيوت والمحلات، وسجّلت الجمعياتُ الدينية الموالية مبادرة سبّاقة برفع إعلانات عملاقة في الشوارع، تهديه أبهى التبريكات بمناسبة النصر العظيم في معركة الفاروق المظفّرة. كان المشير، ولازال، مقياسا لتحديد الولاءات القادمة، والتي يُناط بها رسْم مستقبل البحرين. والمستقبل عند الموالين يتخلص في تعميق الولاء المخلوط. وهذه المرة، بمزيد من الولاء للحكّام بأمر السّعوديين.     

من الآن فصاعدا، يمكن للبحرين أن تجد في تاريخها العسكري معارك حقيقية، وجنرالات يملكون سجلا حافلا في الميدان. سيعوّض المشير عقدة نقص قديمة، عندما سخر منه زائر عسكري أمريكي وهو يتفاخر بوسام تحرير الكويت، حينها قال له الأمريكي:"عذرا، لم أرك في غرفة العمليات". المؤسف فقط، أنّ المعركة التي يعتزّ بها المشير لم تتم على الحدود. وليس في مواجهة أجنبي غاز. ولا بين قوتين متكافئتين من الناحية التسليحية.      

في طرف: جيش جرّار، وقوات متنوّعة الجنسيات ومتعدّدة الآليات، وفي طرف آخر: شعب أعزل، مسالم وبسيط، لا يرفع غير جسده وبقايا راية الوطن المحروقة في دوّار اللؤلؤة.  

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus