مصورو البحرين: "قناصو الصورة".. يروون تجاربهم الأصعب والأكثر خطورة
2013-09-24 - 7:42 م
مرآة البحرين (خاص): بينهم وبين الخطر مسافة صورة، ولحظة قمع طائشة، أو طلقة متعمدة. يحملون مُعِدّاتهم على أكتافهم ويلاحقون اللحظات الصعبة برشاقة الريح، إنهم قنّاصو اللحظة التي لا تتكرر، والتعابير التي تختزن الحكاية الأصعب والأكثر إيلاماً. يغامرون بحياتهم ليخبروا العالم أن في البحرين حكاية ما زال لديها ما تقوله، وما زالت تنبض بالجديد، طالما أن هناك صورة تُظهر هذا النبض بقوة.
لهذا كان الاستبداد حريصاً على قمع الصورة، لأنها تثبت ما يريد أن يُمحيه: النبض. ولهذا كان المصور هدفاً؛ فهو الشاهد على حيوية هذ النبض.
كان القنّاص أحمد إسماعيل (22 سنة) أول شهداء الصورة. استهدف بطلقة نارية مباشرة أودت بحياته عندما كان يصور إحدى الاحتجاجات في منطقته سلماباد بكاميرا الفيديو الخاصة به. فيما اعتقل وعذب عدد من قناصي الصورة منذ قمع الانتفاضة في مارس 2011، بينهم مصورو وكالات أنباء عالمية وحائزون على جوائز دولية في مسابقات تصوير عالمية، ما زال استهدافهم مستمراً حتى الآن. اطلق سراح بعضهم، فيما حوكم البعض الآخر ولا يزال يقضي في السجن عقوبة حمل الكاميرا.
جدول باستهداف المصورين
الرقم | اسم المصوّر/ الجهة | تاريخ الاستهداف | تفاصيل الاستهداف |
1 | أحمد اسماعيل/ مستقل | 31 مارس 2012 | استهدف بطلقة نارية مباشرة أودت بحياته عندما كان يصور إحدى الاحتجاجات في منطقته سلماباد بكاميرا فيديو. |
2 | محمد المخرق/ صحيفة الوسط | 13 مارس 2011 | الاعتداء عليه بواسطة قوات الأمن وتمّ ضربه. |
3 | حسن معتوق/مستقل | 23 مارس 2011 | معتقل ومحكوم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات |
4 | محمود عبد الصاحب/ مستقل | 15 مارس 2011 | معتقل ومحكوم عليه بالسجن 5 سنوات |
5 | جميل الشويخ/ جمعية الوفاق | 1 مايو 2011 |
تم اعتقاله من منزله بطريقة وحشية، أفرج عنه بعد شهرين |
6 | محمد الشيخ/ وكالة الأنباء الفرنسية | 11 مايو 2011 | اعتقل لمدة 3 أشهر. تمت مصادرة جميع كاميراته وأجهزته. ذاق صنوفاً من التعذيب. عرض على محاكمة عسكرية. حفظت قضيته فيما بعد. |
7 | عبدالله حسن/ جريدة الوطن سابقاً | 11 مايو 2011 | تمّ استدعاؤه والتحقيق معه وضربه وتهديده وفصله من عمله |
8 | علي عبد الكريم الكوفي/ مستقل | 15 مايو 2011 | اعتقل لفترة قصيرة وتم الإفراج عنه |
9 | حسين النشيط/ مستقل | 15 مايو 2011 | اعتقل لفترة قصيرة وتم الإفراج عنه |
10 | سعيد عبدالله ضاحي/ مستقل | 15 مايو 2011 | تمّ توقيفه ومصادرة جميع معداته المهنية وإخلاء سبيله في اليوم التالي. |
11 | مازن مهدي/ وكالة الأنباء الألمانية | 23 مايو 2011 | تم استدعاؤه والتحقيق معه وتعذيبه قبل إخلاء سبيله في اليوم نفسه. |
12 | صادق مرزوق/ مستقل | 24 مايو 2011 | اعتقل لفترة وتمت محاكمته قبل أن تسحب قضيته لعدم كفاية الأدلة. |
13 | محمد غلوم درويش/ مستقل | مايو 2011 | اعتقل وتم الإفراج عنه بعد شهرين. |
14 | أحمد رضا حميدان/ مستقل | 29 ديسمبر 2012 | اختطف من قبل مدنيين أثناء تسوقه برفقة مجموعة من أصدقائه بأحد المجمعات التجارية بالعاصمة المنامة، ولا يزال معتقلاً حتى الآن. |
15 | حسن جمالي/ وكالة الاسوشيتد برس | فبراير 2013 | اعتقاله لساعات مع مصوري وكالات آخرين قبل الإفراج عنهم |
16 | حسين حبيل/مستقل | 1 أغسطس 2013 | ما يزال معتقلاً. |
17 | قاسم زين الدين/مستقل | 2 أغسطس 2013 | ما يزال معتقلاً. |
18 |
أحمد الفردان/ يعمل مع Nur Photo / Demotix / Zuma press |
8أغسطس2013 | اختطف من أحد المقاهي وتم ضربه وتهديده قبل إطلاق سراحه |
19 | عبد الله الجردابي/مستقل | 13 سبتمبر 2013 | ما يزال معتقلاً. |
ورغم ذلك، ما يزال عدد المصورين في تزايد، بعضهم خرج من رحم الميادين، وبعضهم دخل إليها. فتية وفتيات وشباب يغامرون من أجل إظهار قضية يؤمنون بها.
كيف يعيش المصورون لحظات قنصهم؟ ما المخاطر التي تعرضوا لها؟ وما أصعب التجارب التي مرت عليهم؟ يحاول هذا التقرير تقديم الإجابات على هذه الأسئلة، من خلال 11 مصوراً التقتهم (مرآة البحرين).
جميع الأسماء المستخدمة هنا غير حقيقية، استخدمناها من أجل تمييز التجارب فقط.
ألقيت نفسي من ارتفاع 3 طوابق..
المصور حسن (23 سنة) مستقل ولا يتبع جهة بعينها، يقوم بنشر الصور التي يلتقطها في وسائل التواصل الاجتماعي، بعض هذه الوسائل خاصة به شخصياً، وبعضها شبكات رسمية للمناطق المختلفة.
يحرص حسن على التواجد في مواكب تشييع الشهداء، والمسيرات المركزية في المناطق التي تشهد احتجاجات يومية. تنجذب عدسته لمشاعر الوجوه المكتظة بالألم والصمود، وتنكسر عند أجساد الشهداء وهي تقول كلمتها الأخيرة فوق المغتسل، وتتوهج عند لقطات المقاومة والصمود التي يبديها البحرينيون ببسالة عالية، أمام هذه اللقطات تقف عدسته بخشوع.
يغطي (حسن) منطقة واحدة باستمرار، لذلك هو معروف بين أهلها ولا يحتاج لتغطية وجهه أثناء التصوير. يعبر عن خطورة التواجد في أماكن الاحتجاجات وقريباً من المواجهات "هناك خطورة كبيرة جداً، استهدافي المباشر والمتواصل عندما أقوم بالتصوير، جعلني أوقن أن هناك استهدافا متعمدا ومباشرا لكل من يحمل الكاميرا". يردف " لقد أصبت 5 مرات برصاصات الشوزن، وفي إحدى المرات تم استهدافي بطلقة مباشرة ومتعمدة بمسيل الدموع، انكسرت على إثرها قدمي، كما تعرضت لملاحقات عديدة في كثير من المناطق".
كانت التجربة الأكثر خطورة التي تعرّض لها (حسن) هي اضطراره في إحدى المرات لإلقاء نفسه من ارتفاع 3 طوابق لينجو من ملاحقة قوات المرتزقة له عندما كان يغطي إحدى الاحتجاجات في إحدى المناطق عصراً، "ما تزال آلام الظهر لا تفارقني منذ ذلك اليوم، لكن أحمد الله أنني استطعت النجاة منهم".
ليس هذا كل شيء، فقد كاد (حسن) أن يقع في يد قوات الشغب ذات مرة، "في إحدى المسيرات عصراً، باغتتنا قوات الشغب بشكل مفاجئ ولم نتمكن من الفرار قبل أن يصلوا إلينا. لقد تم الإمساك بي، لكني بفضل الله استطعت الإفلات، كما تمت ملاحقتي بمركبات الشغب في مرة أخرى، واستطعت الهرب أيضاً، لكن انكسرت عدسة كاميرتي".
القفز من سور إلى سور..
المصور المستقل علي (37 سنة)، ينشر صوره في مواقع التواصل الاجتماعي التي تكون غالبا باسمه الحقيقي، ويرسل بعض صوره إلى الجهات الحقوقية وإلى موقع "مرآة البحرين"، ولا يحب التعامل مع الشبكات المجهولة بالنسبة له. يحرص (علي) على التواجد في تشييع الشهداء ومسيرات الجمعيات وفعاليات الائتلاف الكبرى المعلن عنها، بالإضافة إلى بعض المسيرات والفعاليات في القرى الذي تحمل حدثاً معيناً غير معتاد.
يميل علي إلى اقتناص اللقطات الي تنقل المشاعر عند تشييع الشهداء: الحزن الممزوج بالغضب على وجوه الأهالي والمشيعين، القبضات التي ترتفع بالهتافات المحروقة، اللافتات والصور التي يحملها الناس وتقول مطالبهم، كما يركز على توثيق الانتهاكات الذي ترافق عمليات القمع. تستهوي (علي) الصور الذي تجمع بين العلم البحريني والزي المنسجم مع ألوانه، ويرى أن "للمرأة فنّها الخاص وإبداعها في إبراز هذا الانسجام اللوني والوطني".
يعتقد بأنه لا بد من تأمين ما لا تقل نسبته عن 40٪ من الأمان للتصوير. وفي حال عدم القدرة على توفير هذه النسبة فالأفضل هو التقاط مجموعة من الصور والانصراف سريعاً أو الاختباء عن الأنظار، فـ"اللقطة لا تتجاوز ثانية، وبعض اللقطات لن تتكرر مرة ثانية".
لا يحبذ (علي) إخفاء وجهه، لكنه قد لا يُعطي فرصة لتصوير وجهه، ومع ذلك فهو مستعد لتحمل الكلفة "في كل الأحوال أنا أقوم بالتصوير ولا أمارس عملاً محظوراً، من حقي كمصور التقاط الصور ونشرها حتى لو تم اعتقالي فأنا أتحمل كلفة هذا الشيء".
وكغيره من المصورين تم استهداف (علي) يقول "تم استهدافي أكثر من مرة بعبوات (سي فور)، ومرتين بطلق شوزن في 14 فبراير، وفي تشييع الشهيد حسين الجزيري كان استهدافاً قريباً جداً، كما تمت ملاحقتي في إحدي الفعليات في منطقة (مقابة)، وقاموا باقتحام البيت، لكن لمعرفتنا بأهل البيت تسلقنا سورهم وقفزنا إلى البيت الملاصق، ومنه للثالث، وهكذا حتى تمكنا من الهروب، ولحسن الحظ لم يكن قد تم تطويق المنطقة بالكامل حينها، لكن اتلفت عدستي". يكمل (علي) "يومها تعرضت أيضاً لمحاولة دهس في السنابس، وفي الحقيقة تفاجأات بمركبة الأمن لكوني هارب من فرقة أخرى في شارع محاذٍ، لكني تمكنت من الوصول إلى منزل آمن، وتخلصت من ملاحقتهم بدخولي في زقاق فرعي لايمكن لمركبتهم أن تدخل فيه".
من أصعب المواقف التي مرّت ب(علي) هو عندما قامت قوات المرتزقة بمحاصرة المنزل الذي اختبأ فيه مع محتجين، وكان منزلاً خالياً من أي منفذ للهرب، فيما بقيت قوات المرتزقة مرابضة في الخارج، المنزل مكتظ بعدد كبير من المحتجين، يقول (علي) "بقينا ما يقارب ساعتين كاملتين ونحن في حال ترقب، لا نعرف ما إذا كانت القوات ستداهم المنزل أم لا، كان وقتاً عصيباً وطويلاً، انصرفت القوات عند أذان المغرب، وعندها فقط تمكنا من الخروج".
دُهست، واعتُقلت والنساء فككنني..
محمد (24 سنة) مصور مستقل يقوم بنشر صوره بشكل شخصي في مواقع التواصل الاجتماعي ويرسلها أيضا إلى جمعية الوفاق. يحرص (محمد) على التواجد في الفعاليات الشبابية التي تقام في المناطق الاحتجاجية، يرى أن "هذه الفعاليات عادة لا يتم تغطيتها إعلامياً بشكل جيد، فيما الفعاليات المرخصة يتم تغطيتها بشكل واسع". تندهش عدسة (محمد) أمام تنوع المشاركين في المسيرات الاحتجاجية اليومية التي تخرج في المناطق المختلفة، "يدهشني أن أرى في المسيرة الواحدة الأطفال والفتية والكبار في السن دون استثناء". يركز على التصوير في قريته، لكنه يذهب إلى مناطق أخرى أيضاً. لا يواجه (محمد) مشكلة مع أهالي المناطق الأخرى حين يذهب لتصويرهم، "لكنهم ينبهون أن يتم التصوير من الخلف لا الأمام، كي لا يتم استخدام الوجوه في استهداف المشاركين واعتقالهم والتنكيل بهم من قبل النظام القمعي" وفق قوله.
تعرض محمد لمواقف خطرة أثناء تغطياته لعدد من المواجهات، استهدف في إحدى المرات بشكل مباشر بقنبلة صوتية أصابت زجاج سيارته، وقام بنشر الفيديو.
وفي مرة أخرى تعرض للملاحقة ومحاولة الدهس وفق قوله "تم دهس قدمي بطرف عجلات مركبة المرتزقة، لكني تمكنت من الفرار". وفي مرة ثالثة أوقفته سيارة مدنية بينما كان يقوم بتصوير إحدى الفعاليات في سيارته، وكان بداخلها مجموعة من المرتزقة المدنيين، قاموا بسرقة هاتفي وطلبوا مني أن ألحق بهم إذا أردت استرجاع هاتفي". وفي المرة الأخيرة "تم اعتقالي من أحد المنازل بعد ملاحقة مع المحتجين، وتم الاعتداء علي بالضرب المبرح، ولولا تدخل مجموعة من النساء اللاتي قمن بفكي من بين أيديهم، لكنت الآن مسجوناً ولا أعرف أي نوع من التهم كانت ستواجهني".
100 رصاصة شوزن..
كانت أول الإصابات التي تعرض لها المصور الشاب (أحمد) (26 سنة) في يوم 17 فبراير، عندما فضت السلطة اعتصام دوار اللؤلؤة بالقوة للمرة الأولى. يقول: " أكثر من 100 شظية من شظايا الرصاص الانشطاري (الشوزن) اخترقت جسدي وتناثرت فيه. بعدها اعتدت الإصابات عندما أقوم بالتصوير". يغطي أحمد وجهه عندما يقوم بالتصوير ليحمي نفسه من الاستهداف شخصياً والاعتقال، لكنه لم ينجُ منها، يقول: " تم اعتقالي أثناء تغطيتي لمراسيم دفن الشاب (محمد خميس الخنيزي) في جدحفص 21يناير2012، تم ضربي والتنكيل بي فقط لأني أحمل كاميرا التصوير، تدهورت حالتي الصحية بسبب الضرب وبقيت في مستشفى القلعة لمدة 9 أيام، أفاد تقرير طبيب القلعة بتعرضي لكسر في عظمة الركبة اليسرى ورضوض في الجمجمة وباقي أنحاء جسمي". يكمل (أحمد) " أما كاميرتي فقد تم تكسيرها وإتلافها، وهي الكاميرا الثالثة التي أفقدها". وفي 4 أكتوبر 2012 استدعي أحمد في مبنى التحقيقات وتعرض للتهديد هناك.
يتواجد أحمد في جميع أنواع الاحتجاج من مسيرات مرخصة وغير مرخصة، ويغطي لمناطق مختلفة. يشده تصوير المقاومة المدنية بين المحتجين وقوات الأمن. لكنه يرى أن هناك توجسا عند المحتجين من المصور غير المعروف بالنسبة لهم، خاصة من يغطون وجوههم دون أن يعرفوهم. يقول أحمد " سأكتفي بذكر حادثة تعرضت لها في إحدى قرى شارع البديع ،عندما تجمع حولي أكثر من 3 محتجين، طلبوا مني بطريقة مؤدبة أن أكشف عن وجهي ليطمئنوا لوجودي، ففعلت. تفاجأ أحدهم لأنه كان يعرفني".
كسروا باب المنزل واقتحموه بحثاً عني..
عبدالله (19 سنة) مصور مستقل، يقوم بنشر صوره في مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاون مع جهات مختلفة. يحضر مسيرات الجمعيات السياسية وتشييع الشهداء والمسيرات الحاشدة. تشدّه اللقطات الفردية التي لا يمكن أن تتكرر وفق قوله. ويؤكد أن "المصوّر يتعرض أثناء المواجهات لخطورة شديدة، بين استهداف مباشر من قبل قوات المرتزقة، والملاحقة من قبل المندسين الذين يتواجدون في أماكن المواجهات كمتظاهرين، والذين يقومون بالأخبار عن البيوت التي يفر إليها المحتجون لمباغتتهم واعتقالهم".
يغطي (عبدالله) وجهه في الفعاليات غير المرخصة فقط. ويرى أن هناك تحسساً لدى المحتجين من تصوير الوجوه، "خوفا وحذرا من ما حدث في 2011 من اعتقال بسبب الصور". يخبرنا عبدالله عن المواقف الخطرة التي تعرض لها " استعداداً لفعالية 14 أغسطس 2013، كان بعض الشباب يقومون بغلق الشارع عند أحد الدوارات المرورية، وكنت أقوم بالتصوير، قبل أن ينتهي الشباب من غلق الشارع كانت قوات المرتزقة قد وصلت وبدأت بمداهمة المحتجين، حاولت الهرب، وكنت أحمل معي الكاميرا الاحترافية، لكنهم كانوا قريبين مني واستطاعوا رؤية المنزل الذي حاولت الاختباء فيه، وقاموا بمهاجمة المنزل واقتحامه بعد كسر الباب والدخول اليه، من حسن حظي أني تمكنت من الاختباء حينها والفرار، لكنهم قاموا بضرب الشباب الذين كانوا خارج المنزل".
ضربوني وهدّدوني وتركوني..
عباس (23 سنة) مصور تابع لوكالة أنباء بدون تصريح من هيئة شؤون الإعلام. يتواجد في مراسم تشييع الشهداء والمسيرات المرخصة والمواجهات الليلية في منطقته. قليلاً ما يذهب (عباس) لتغطية المواجهات خارج منطقته، "في المواجهات والفعاليات غير المرخصة لا أذهب خارج منطقتي إلا نادراً، وذلك لكوني لا أمتلك تصريحاً للتصوير من هيئة شؤون الإعلام، فعندما يتم الإمساك بي من قبل رجال الأمن سيتم اعتقالي باعتباري مخالفاً للقانون، وربما تُلفّق لي تهمة التجمهر وتتم مصادرة أدوات التصوير الخاصة بي".
يركز (عباس) على الصور التي تكشف الانتهاكات التي يتعرض لها المتظاهرون. في المواجهات يرتدي (عباس) قناعاً واقياً عن الغازات المسيلة للدموع. يرى أن المحتجين يهتمون بوجود إعلاميين ومصورين عندما تكون هناك فعالية أو مسيرة احتجاجية "البحرينيون يشعرون أن هناك تعتيما إعلاميا قويا على الحراك الذي يدور في البحرين، لهذا يسعدهم وجود الإعلاميين والمصورين لكسر هذا التعتيم، وإذا تواجد مصور أجنبي يستقبلونه بحفاوة وترحيب كبير، لكنهم يحذرون من المصوّر المجهول، خصوصاً إذا كان يركز على تصوير الوجوه، فهذا يكون محل شك". لهذا عندما يذهب عباس لمنطقة أخرى غير منطقته يحرص على الذهاب مع شخص معروف وثقة بينهم كي يشعر الناس بالأمان".
تم استهداف عباس عدة مرات بالطلقات، أصيب مرتين بطلقات الشوزن، وتعرض للهجوم من قبل المرتزقة الذين قاموا بالاعتداء عليه وضربه ضرباً مبرحاً ثم هدّدوه قبل أن يتركوه.
حبيب (21 سنة) مصور مستقل، يتواجد في الفعاليات غير المرخصة والجمعيات. يرى حبيب أن "التواجد في المسيرات غير المرخصة يعرضك إلى الاستهداف والطلق المباشر والملاحقه من قبل النظام"، يغطي حبيب وجهه عندما يقوم بالتصوير في الفعاليات غير المرخصة التي تحدث في المناطق التي تشهد احتجاجات يومية. تعرض حبيب إلى ملاحقات عديدة أثناء تغطيته للفعاليات، ودائماً عليه أن يترك رجله تسابق الريح لينجو. كما تعرض إلى الاستهداف بطلق مباشر بالغاز المسيل للدموع، وكانت أصعب المواقف التي تعرض لها هي مباغتتهم بفرقة من المرتزقة خرجت من أحد الأزقة بشكل مفاجئ، وقامت بملاحقة المحتجين بسرعة كبيرة، لكنه استطاع الافلات منها بعد جهد كبير.
طلقات (سي فور) وملاحقات ومحاولات دهس..
آدم (21 سنة) مصور مستقل، يغطي الفعاليات ويرسل صوره إلى الشبكات الإعلامية عبر الفيس بوك، كذلك ينشرها "على موقع ديموتكس العالمي، وأرسل بعضها لجمعية الوفاق، وأخيرا لمرآة البحرين". يحرص على التواجد في اللحظات التي يحدث فيها اشتباكات، تنجذب عدسته سريعاً إلى "المشاهد التي فيها اشتباكات بين المحتجين وقوات النظام، واللقطات التي يقف فيها المحتجون بصمود أمام الغازات السامة، وصور النساء والأطفال الذين يفيضون بالمشاعر".
تواجه (آدم) أسئلة من قبل المتظاهرين في بعض المناطق، لأنه يقوم بالتصوير ملثماً، يريدون التأكد من الجهة التي يمثلها (معنا أم علينا)، يروي لنا أنه اضطر في إحدى المرات، ولكي يبدد أي شكوك حوله، أن يكشف عن وجهه لشخص معروف وموثوق بين المحتجين، وكان يعرفه شخصياً، ليطمئن المحتجين: إنه معنا لا تقلقوا.
يقول آدم "لأكثر من مرة كدت أصاب بطلقات مباشرة من سلاح (سي فور) في الرأس والقدم"، ويضيف "ومثل باقي المصورين تعرضت لعدة إصابات بطلقات الشوزن، كما تعرضت للاختناق بمسيلات الدموع والملاحقات ومحاولات الدهس أكثر من مرة، إلى درجة أني أضطر أن أقفز من فوق أسوار المنازل بمعية كاميرتي التي تعرضت لكثير من التلف بسبب ذلك".
لم أسلم من الاعتقال والتوقيف والإصابة بالشوزن..
حسين (38 سنة) مصور تابع لإحدى وكالات الأنباء. بطبيعة عمله، يحرص على تغطية جميع الأحداث المتعلقة بالوضع السياسي وتشمل الإحتجاجات والمظاهرات والمصادمات والمؤتمرات الصحفية. تشدّه اللقطات التي تعكس بشكل مباشر وواضح الوضع الحقوقي والسياسي وتأثيره على الناس أو ردود أفعالهم وحياتهم اليومية كما يقول. يهتم حسين بتصوير (حال المرأة) في الحراك اليومي بشكل خاص، وريما سبب له ذلك بعض التحسسات من قبل بعض الأهالي. إذ حاول البعض منعه من تصوير عزاء النساء من أقارب الضحايا أثناء التشييع، لكن "معظم هؤلاء الأشخاص الذين حاولوا منعي ليسوا من أقارب الضحية".
بالنسبة له، يرى أن نسبة الخطورة التي يتعرض لها متوسطة، وذلك لأنه يمتلك تصريحاً رسمياً كمصور صحفي لجميع الفعاليات بما فيها المواجهات، لكنه يقول "تزداد نسبة الخطورة عند تواجدي في وسط المواجهات وأثناء التعامل العشوائي". يغطي حسين الفعاليات باختلاف أنواعها وأماكنها، ويتعامل معه المحتجون بترحيب واحترام كبيرين أينما تواجد.
رغم امتلاك حسين لتصريح رسمي كمصور صحفي، إلا أنه لم ينج من الاعتقال والتوقيف عدة مرات من قبل الشرطة أثناء تغطيته لبعض الفعاليات أو المواجهات، كما لم ينج من إصابته بطلقات الشوزن أكثر من مرة.
ضربوها بأعقاب البنادق وسرقوا كاميرتها..
تعرضت إحدى الفتيات المصوِّرات، إلى الضرب بأعقاب البنادق من قبل المرتزقة، أثناء تغطيتها لإحدى المسيرات غير المرخّصة. قام المرتزقة بمحاصرتها وسرقة كاميرتها قبل أن يتدخل الناشط (محمد التل) وعدد من آباء الشهداء لتخليصها منهم، لكن لم تُرجع لها كاميرتها وتعذر الضابط أنه لا يعرف من أخذها.
هذا الموقف لم يسبب للفتاة أذى تهتم به، وإن كان قد تسبب لها بإيذاء جسدي ومادي، لكن موقفاً آخر تعرضت له، تسبب لها بإيذاء نفسي، وذلك عندما تعرضت للتشكيك من قبل ناشطين في مسيرة مرخّصة، وذلك عندما قامت بمحاولة تصوير أحد النشطاء في إحدى مسيرات الجمعيات السياسية المرخّصة، وتفاجأت به يدير وجهه عنها. ثم التقطت صورة لإحدى الناشطات دون أن تبدي الأخيرة أية ممانعة، لكنها تفاجأت بها بعد قليل تقترب منها وتطلب منها مسح الصورة كي لا يتأذى أحد ممن كان معها في الصورة. ووجهت لها سؤالاً مقتضباً: أنت معنا أم ضدنا؟ كان لذلك أثر سيء على نفسية (المصوِّرة) التي توقفت عن المضي في التصوير رغم أن المسيرة كانت مرخصة. عرفت فيما بعد أنه تم الاشتباه بها لأنها كانت ترتدي برقعاً يخفي وجهها، وحسبها البعض فتاة أخرى.
الشهيد محمود العرادي خاطر بحياته لينقذني..
أما (أمل) مصورة مستقلة (39 سنة)، فقد تعرضت لإصابة بطلق مطاط في الرجل بسبب منعها من التصوير في إحدى فعاليات الجمعيات. كما أصيبت بطلقة شوزن في ظهرها أثناء الهجوم على مسيرة سلمية لائتلاف 14 فبراير. تحرص على التواجد في جميع أنواع الفعاليات المرخصة وغير المرخصة. تجذبها اللقطات التي تظهر سلمية الشعب البحريني المظلوم.
كان أصعب المواقف التي تعرضت لها (أمل) هي أثناء تشييع شهيد العيد علي الشيخ في 2012، "أصيب شخص أمامي وكنت أحاول مساعدته على النهوض، لكني اختنقت بمسيلات الدموع مما اضطر بعض الشباب الفارين من القمع والطلق المباشر إلى الرجوع لمساعدتي، كنت خائفة جداً على الشباب أن يعتقلوا بسببي، الأصعب والأكثر إيلاماً عندما اكتشفت فيما بعد، أن الشاب الذي خاطر بحياته وساعدني هو الشهيد محمود العرادي الذي استهدف بحادث غامض أودى بحياته في أغسطس الماضي"
هكذا يقضي قناصو الصورة في ميادين الخطر، بين تهديد الاعتقال أو الطلق المباشر أو الدهس أو الاختناق أو القفز من البيوت والأسوار، لكنهم لا ينثنون. يحاولون أن يكملوا الصورة، وأحياناً كثيرة تكتمل الصورة بهم، وقد تكون حياتهم ثمنها.
هوامش ذات صلة:
- رسالة من بريطانية إلى "الغارديان": ليس "ميراندا" فقط، صحافيو البحرين يعتقلون أيضا
- الشهيد الإعلامي أحمد إسماعيل على جدارية متحف «نيوزيوم» الإخباري بواشنطن للصحفيين الذين قتلوا في 2012
- «مركز البحرين لحقوق الإنسان»: المصور المعتقل أحمد حميدان تعرض للتعذيب النفسي ومنع من الإتصال بمحاميه
- سعيد سيف المصور الذي عشق جزيرة الثورة: لقد غيرتني (سترة) للأبد
- كاميرا صادق المرزوق ..أكثر الأشياء صلابة في الاحتجاجات
- محنة المصورين في البحرين... يوم لا ظل إلا ظل الصورة
- مراسلون بلا حدود تندد باعتقال المصورين في البحرين
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة