العودة إلى الجذور لئلا نستمر في طبخ الفأس

2013-09-23 - 4:13 م

محمد نجم*

منذ البداية لم تخطىء الجمعيات السياسة المعارضة في البحرين في دخول حوار التوافق الوطني بجولتيه الأولى في مركز الفاتح والثانية في منتجع العرين بل قدمت مثالا على إيمانها كقوى سياسية إصلاحية بالحوار ووضعت النظام في مأزق كشف عورته أمام العالم كنظام تسلطي قائم على الاستفراد بالسلطة غير راغب في حوار جدي وحقيقي يخرج بالبلاد من أزمتها.

لكن الجمعيات أخطأت خطأ كبيرا جدا في هاتين الجولتين من وجهة نظرنا، فما هو هذا الخطأ يا ترى وكيف تتم معالجته؟

في اعتقادنا أن الجمعيات أخطأت في وضع أهداف أكبر بكثير جدا من حجم هذا الحوار تدل على قصر نفس وغياب للمناورة واتكاء كامل على نظرية قوة المنطق لا منطق القوة وهي نظرية ثبت فشلها ففي السياسة أنت محق بقدر ما تكون قويا لا قويا بقدر ما تكون محقا. وحتى لو أن المعارضة لم تقل أنها تتوقع الكثير من هذا الحوار بل ربما قالت العكس إلا أن بنية المشاركة وبنية مشروعاتها التي تقدمها تكشف عن تعويل كبير على ما لا يعول عليه.

وبما أن الجمعيات السياسية ليست في وارد استخدام العنف بل هي نقيضة العنف، وهي بشهادة المجتمع الدولي حتى من حلفاء النظام ليست قوى عنيفة، بل من الملاحظ أن النظام حتى الآن برغم كل البروباغندا الموجهة ضد المعارضة واتهامها بدعم وتوجيه العنف عجز حتى الآن عن تقديم أي رابط حقيقي وملموس بين قيادات المعارضة والعنف وكل ما يقوله النظام يدخل في باب تأويل شوارد الكلام وتفسير المشاعر ومحاكمة النوايا واختلاق المرسلات من الأدلة أكثر مما يستند لوقائع ملموسة وحقيقية وهو ما يحرج النظام فعلا أمام المجتمع الدولي وما جعل من توصيات المجلس الوطني القراقوشية مثار تندر العالم وسخريته، خاصة وأنه للمرة الأولى في العالم فإن من أوكلت له مهمة الدفاع عن قرارات السلطة التشريعية هو السلطة التنفيذية!!! وهي ظاهرة غريبة أن يقوم وزير حقوق الإنسان بالدفاع عن قرارات سلطة منتخبة مشرعة حيث الطبيعي أن من يدافع عن قرارات السلطة التشريعية هو السلطة التشريعية نفسها فلا يحق في نظام ديمقراطي حقيقي للسلطة التنفيذية أن تمتدح أو تشيد أو تبارك أو تدافع عن قرارات للسلطة التشريعية خاصة بالشكل الكاريكاتوري الفج الذي بدا عليه وزير حقوق الإنسان صلاح علي بطريقة كشفت للعالم أن هذه التوصيات موجهة سلفا وفق أهداف محددة من قبل السلطة التنفيذية.

وإذن فعودا على بدء نقول إنه بما أن الجمعيات السياسية ليست طبعا في عقيدتها السياسية ولا في ممارستها العملية في وارد استخدام العنف فإذن علينا أن نشرح مفهوم القوة الذي نزعم أن على الجمعيات أن تتحصل عليها لتسند قوة المنطق بمنطق القوة، فهي إذن ليست قوة عنفية بالسلاح أو بالرجال لكنها قوة التضامن حول الحد الأدنى وقوة الدعم الدولي لهذا الحد الأدنى والذي وإن بدا لأول وهلة كحد أدنى إلا أن مآلات الربيع العربي اليوم تجعله في واقع الأمر هو الحد الأقصى فيا ترى ما هو هذا الحد؟

لقد اكتشفنا عبر حوار التوافق الوطني بجولتيه أن التعويل على الخروج بمشروع حكومة منتخبة وملكية دستورية أو حكومة وحدة وطنية قائمة على المحاصصة أو حتى أقل من ذلك حكومة تكنوقراط شرفاء ومستقلين كخطوة انتقالية هي كلها أماني بعيدة المنال ليس فقط من هذا الحوار بل بعيدة حتى عن مقترحات المجتمع الدولي.

ومن المفروغ منه أنها حلول مرفوضة من النظام ومن الموالاة ومن يسمون بالمستقلين وهي من جهة أخرى وهذا مهم أيضا لا تلبي الحدود الدنيا لمطالب القوى الراديكالية في الوفاء وحق و أمل وغيرها.

وإذن فكيف يمكن والحال هذه أن نخرج بما يحقق تضامن جميع القوى المعارضة وأيضا إعطاء المجتمع الدولي مساحة مشتركة أكبر يمكنه أن يتوافق معنا عليها ومن جهة أخرى يجنبنا الحلول المغلقة التي تصل بنا إلى طريق قد لا يكون قابلا للرجعة. 

الحقيقة أن المفارقة الغريبة هنا هو أن النزول بمستوى مطالبنا من هذا الحوار هو الذي قد يوحد المعارضة بصفوفها الراديكالية والمعتدلة وهي مفارقة سنبين الآن سببها البسيط وهو أن هذا الحد الأدنى الذي نقترحه هنا هو أمر جذري حيث هو الانتقال من المطالبة بنتائج الانتفاضة إلى مطلب الحق في الانتفاضة.

نعني لا دوائر عادلة ولا حكومة محاصصة بل إن ما تريده الجمعيات السياسية ليكن بسيطا ومحددا وهو إطلاق الحريات والسماح بالتظاهر وإطلاق سراح السجناء والسماح بعودة المهجرين طوعا وقسرا وتحرير المجتمع المدني وتحرير الإعلام وحرية تشكيل الجمعيات السياسية لكل التيارات بما فيها التيارات الموالية المطالبة بالوحدة مع السعودية أو المعارضة المطالبة بالجمهورية ونقطة على السطر.

ثم ليترك التدافع بين التيارات في الأجواء الحرة لتقرر أغلبية الناس ما تريد ولو كان ذلك بعد قرن أم خلال أسابيع لكن أن يكون ذلك في ظل قانون جديد للأحزاب السياسية يعطي حق تشكيل الأحزاب لكل القوى ويسمح لها أن تخوض بنفسها ميدان العمل السياسي وتقدم أطروحاتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

إن مطلبا كهذا حتى ولو بدا أنه مكرر وأن الجمعيات طرحته فعلا من خلال ما تسميه المعارضة بتهيئة أجواء الحوار بالإفراج عن المساجين وغير ذلك إلا أن ما نطرحه هنا لا نعني به ما تقصده المعارضة فنحن لا نتحدث عن مقدمة ولا عن تهيئة لكن نتحدث عن أن هذا هو فقط وفقط في الوضع الحالي ما يسع الجمعيات أن تقدمه من مطالب وهي مطالب في جوهرها حقوقية وليست سياسية ولذلك فإن دعم العالم لها سيكون مضمونا بشكل أكبر فنحن لا نتكلم عن إسقاط النظام بل ولا عن إصلاحه بل عن حقنا في أن نعارض بما في ذلك حقنا في المطالبة بتغيير النظام لا أكثر ولا أقل.

ليست لدينا أوهام أن هذه المطالب ستتحقق بكبسة زر لكنها نعتقد أنها متوافق عليها من تيارات الممانعة والمسايرة والملكيين الدستوريين والجمهوريين وغيرهم وهي مطالب ليس للمجتمع الدولي سبيل لمعارضتها.

قد تكون هذه فكرة جنينية وقابلة للمراجعة والتجذير لكننا نستذكر هنا المثل المحرقي الأصيل "مسكين يا طابخ الفاس، تبي مرق من حديدة" وندعو المعارضة ألا تستمر في طبخ الفاس.   

 

*كاتب بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus