» رأي
حفلة الحوار: حفلة الشواء
عادل مرزوق - 2011-06-15 - 7:18 ص
فليسمح لي كبير المحققين في جهاز الأمن الوطني أن أقدم له هذا الاعتراف: "ليس دور البطولة لعيسى قاسم ليحاول النظام إسقاط مرجعيته ووجاهته عند الطائفة الشيعية، وليس دور البطولة لإبراهيم شريف أو حسن مشيمع أو عبدالوهاب حسين أو عبدالهادي الخواجة ليعتقلوا ويعذبوا، وليس دور البطولة لمجيد العلوي أو منصور الجمري لتحاصروهم وتقصوهم، ولم يكن دور البطولة للأطباء والممرضين والمدرسين والإعلاميين والرياضيين والمثقفين والعمال ليعتقلوا وليُقالوا من أعمالهم. ولست البطل بالطبع فأنا أقل شأناً من أن أكون بطلاً. ستجد البطل وتتعرف عليه حين تمعن النظر في أعين من ودعناهم بدموعنا وقلوبنا المفجوعة ليتوسدوا تربتنا الحمراء برصاصاتكم، هل أمعنت النظر في أعينهم؟ هل عرفته؟، إنه (الأمل)، إنه أمل الإنسان – أي إنسان - في الحرية والكرامة والعدل، فلتمسك به، إن استطعت".
عادل مرزوق*
فيما يستمر أكثر من أربعة الآف بحريني – ومعهم آلاف الأسر - معتقلين ومحرومين من أبسط حقوقهم الدستورية والقانونية. وفيما تستمر المحاكمات الصورية والأحكام القضائية المسيسة في الصدور تباعاً لتنشر في الصحافة بإذن النائب العام العسكري – كما ينص القانون -، مودعة أبناء الشعب غياهب السجون، في أكبر مهرجان للإعدامات والأحكام المخالفة للقانون في حضرة محكمة السلامة الوطنية. وفيما تستمر مظاهر الاستهداف (الاعتقالات والإقالات) بالهوية الطائفية والإنتماء السياسي. يُعلن عن الحوار!، وتظهر رسالة تكليف لرئيس مجلس النواب خليفة الظهراني لرئاسة الحوار الوطني!، ونقرأ قرار لمجلس الوزراء يأمر بإلغاء عُطل الوزراء وكبار المسئولين خلال فترة الحوار!
ويبدو حسبما تعودنا من السلطة، أننا مقبلون على حفلة حوار مفتوحة للجميع، فلتحرص إذن سكرتارية مكتب رئيس مجلس النواب على حصر جميع مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وأندية وهيئات ونقابات لترقيم دعواتها الخاصة للمشاركة في الحوار بدقة، دعوة للجميع مروراً بالمجالس والهيئات الحكومية ونادي الفروسية وجمعية الشعر الشعبي، ووصولاً للصناديق الخيرية والاجتماعية ولجان الصداقة والهيئات الدائمة والموقتة أياً كان اختصاصها وجمعيات (الجونجو)، وليتدبر المعنيون بعد ذلك، أكبر طاولة حوار في العالم – ندخل بها الحوار البحريني لموسوعة جينيس - لتجمع هؤلاء كافة في احتفال وطني بهيج تحضره وسائل الإعلام العربية والأجنبية وينقله تلفزيون البحرين على الهواء مباشرة. وليتم الإعلان رسمياً عن افتتاح صفحة جديدة من صفحات التنمية الوطنية والمشروع الإصلاحي. ويستطيع المستشارون منذ الآن البدء في صياغة الكلمات الافتتاحية ورسائل التهنئة المتبادلة التي تبارك بدأ الحوار الوطني في الأول من يوليو المقبل!. وحبذا أن لا يفوت القائمين على الحوار الاستعانة بالوكالات العالمية المتخصصة لتصميم ديكورات مقر الحوار، ولعلنا نساهم ببعض الأفكار الإبداعية في هذا السياق عن طيب خاطر.
وللحقيقة والتاريخ أقول، أثمة من يعتقد أن بإمكان هذه الإجراءات الفارغة المضمون أن تتجاوز فصلاً مريراً ومتشعباً ومعقداً من المخالفات والانتهاكات والتجاوزات لكل ما أقرته الشرعية الدولية للإنسان من حقوق؟!، أثمة من يعتقد أن مثل هذه القرارات تستطيع أن تُنسي البحرينيين أكثر من ثلاثين قتيلا والآلاف ممن تم التنكيل بهم أمام بوابات المستشفيات والمراكز الصحية ونقاط الفرز والاستهداف الطائفي أمام كل مدينة وقرية. أثمة من يؤمن بأن أحداً سيدخل حفلة الشواء/ الحوار ليوقع صك التنازل عن أكثر من ألف سجين ومعتقل بتهمة "الذهاب للدوار" و"التجمهر خلاف القانون".
حسناً، إن كان إعلان الحوار لا يجب ما قبله، وإن كان الوجود في دوار اللؤلؤة جريمة خارج موضوع الحوار، وإن كان من اعتقلوا وأقيلوا من أعمالهم وانتهكت كراماتهم خارج إطار التسوية لأنهم خالفوا القانون، فلتدخل الجمعيات السياسية الحوار بشرط واحد فقط، وهو أن تحرك قوة دفاع البحرين ووزارة الداخلية أرتالها ومدرعاتها وقواتها لاعتقال كل من شارك في مسيرة الفاتح التي انطلقت من ساحة جامع الفاتح - وهو دار عبادة - في مخالفة صريحة للدستور والقانون، وكذلك بالنسبة لكل من شارك في لقاءات تجمع الوحدة الوطنية في مساجد مدينة حمد والرفاعيين والمحرق. ولا أستثني قادة التجمع كافة من مخالفة القانون ووجوب تحويلهم لأجهزة أمن الدولة والتحقيق معهم وتقديمهم للقضاء جنباً إلى جنب مع من خالف القانون بالتجمهر في دوار اللؤلؤة والمرفأ المالي.
ليست هذه مقدمات حوار وطني ولا حتى رسائل ايجابية لتدشين مصالحة وطنية. وليست هذه دلائل مقنعة على أن النظام في طريقه ليصنع تغييراً ينقل البحرين من هذه العبثية والفوضى نحو الأفضل. إن المقدمات الصحيحة لحوار حقيقي ومثمر ومبني على ثقة قارة، وإن المقدمات الصحيحة لحوار يمهد لمصالحة وطنية تكتب أسماء صانعيها في التاريخ، هي في الإفراج عن جميع المعتقلين بما يشمل جميع النخبة السياسية والطواقم الطبية والإعلاميين والمدرسين والعمال والنشطاء الحقوقيين. وهي أيضاً في تشكيل لجنة قضائية مستعجلة بمشاركة ثنائية بين الحكومة والمعارضة وبرئاسة هيئة قضائية دولية محايدة للتحقيق في قضايا القتل التي لحقت بأكثر من ثلاثين متظاهراً سلمياً وبما يشمل رجال الأمن منذ بدء الأحداث حتى اليوم، وتحويل نتائج التحقيقات لمحاكم بنفس التنظيم وبرقابة دولية.
المقدمات الصحيحة هي إعادة جميع المفصولين من أعمالهم وتعويضهم عن جميع الأضرار المالية التي لحقت بهم. المقدمات التي ينتظرها الشعب هي اعادة جميع البعثات الداخلية والخارجية للطلبة واعادة قيد الطلبة المفصولين من الجامعات والمعاهد الداخلية في البحرين. وهي إقالة الوزراء والمسؤولين الذين تدخلوا بصفة مباشرة وساهموا في تأجيج الوضع الطائفي في البلاد والتحريض على العنف.
وخلاف ذلك كله، ينتظر الشعب قبل ذلك اعتذاراً من نوع خاص، اعتذاراً يوازي حجم الفضاعات والجرائم والانتهاكات التي ارتكبت.
*كاتب بحريني