» رأي
الدماء والأعراض والمقدسات تنادي جماعة المدني والعصفور
عباس بوصفوان - 2011-06-15 - 7:00 ص
من زيارة لملك البلاد لمجلس الشيخ أحمد بن خلف العصفور في قرية بوري (أرسيف)
عباس بوصفوان*
صعدت الحكومة من ردها ضد تيار سماحة الشيخ سليمان المدني (رحمه الله)، وتيار سماحة الشيخ أحمد العصفور (أطال الله عمره) وكذا الجماعات الشيعية "المستقلة"، بأن أزاحتهم كليا من مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية.
وللوهلة الأولى، ربما يفسر الموقف الحكومي على أنه رد على احتجاج مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية على التعديات الحكومية السافرة على المساجد والحسينيات.
بيد أنه في الجوهر استمرار لعقابات قاسية، قررت الحكومة اتخاذها ضد كل الجهات التي ناصرت المطالب التي رفعها المعتصمون في دوار اللؤلؤة، والتي لن ينجو منها أحد، كون "البحرين جزيرة لن يتمكن واحد من الفرار منها".
والحق، فإن مختلف الأطراف الشيعية عبرت عن استيائها من جملة الإجراءات التعسفية التي اتخذتها السلطات ضد المعتصمين السلميين في دوار اللؤلؤة، والتي طالت العمال والأطباء والمعلمين والحقوقيين، ولم تستثن النساء والأماكن المقدسة.
ويصعب القول بأن الجماعات الشيعية المختلفة مرتاحة من هذا الوضع المأساوي.ينطبق ذلك خصوصا على جماعة الشيخ المدني وجماعة الشيخ العصفور وكذا الجماعات والعوائل الشيعية "المستقلة"، ومختلف هذه الجهات تحسب تقليديا على أنها قريبة من النظام.
لقد ناصرت كل هذه المجموعات ـ عموما ـ الاحتجاجات السلمية والمطالبات المعتدلة التي رفعها المتظاهرون، وكانوا ميالين ـ بشكل أو آخر ـ إلى موقف جمعية الوفاق، لكنهم دون شك كانوا مستائين ورافضين طرح التحالف من أجل الجمهورية، وكذا مظاهر العصيان المدني المتمثلة في قطع الشوارع، وفي ذلك فإنهم يلتقون مع الوفاق أيضا.
لقد كان ملفتا إبان فترة التجمع في دوار اللؤلؤة أن الجماعات الشيعية المختلفة تكاد تكون موحدة في مطالبتها بالإصلاح، ويجدر بالسلطات البحث في الأسباب التي تجعل حتى الجماعات القريبة منها، والمتحالفة معها، وحتى تلك التي تعتاش على موائدها تشتكي من سوء الإدارة والتهميش.
وسيكون تهربا واضحا القول بأنه لا يمكن الثقة بالشيعة، وأن تعبيرهم عن الولاء للحكم ـ في حالة الجماعات الموالية كلاسيكيا ـ كان "تقية".
في الواقع، فإن النظام الذي تشكل في السنوات العشر الأخيرة تمكن بصورة غير مسبوقة في تشكيل رأي عام شعبي يرفض السياسة الإقصائية القائمة، وحين هبت جماهير 14 فبراير متسقة مع هبيتي تونس ومصر، وجدت مختلف الجماعات المتضررة من الوضع القائم فرصتها للتعبيرعن هذا الاستياء.
لم تكن ثورة 14 فبراير ثورة خبز حتى نفاجأ بوجود سيارات فارهة وخيم خمس نجوم، بل ثورة كرامة ومساواة ومطالبة راسخة وعنيدة للشراكة في الحكم، انخرط فيها جل ـ بل كل ـ الأطياف الشيعية وكثير من القوى الليبرالية والشخصيات السنية.
وأمدها بالعقل الشراكة الكاسحة للنخبة والتكنوقراط، واكتسبت معناها السياسي الجامع بانخراط مختلف القوى السياسية، خصوصا القيادة الدينية الشيعية المتمثلة في سماحة الشيخ عيسى قاسم، وجمعية الوفاق، التي يصعب وصفها بالمتشددة أو غير الإصلاحية.
لقد قدمت جماعة الشيخ المدني وجماعة الشيخ أحمد العصفور وشخصيات شيعية "مستقلة" استقالات جماعية بعيد الهجوم الأول الدامي على دوار اللؤلؤة في 17 فبراير/ شباط الماضي، فيما بعث الشيخ العصفور رسالة احتجاج شديدة اللهجة إلى الملك، ضمنها إدانة جلية لاستخدام العنف ضد الناس.
واكتفى الدكتور مجيد العلوي بتعليق عضويته في مجلس الوزراء، وردت الحكومة بإقالته، لتأكيد وضع الشيعة في سلة واحدة، وموت تفاهمات 2001.
وعلى الأرجح، ينتظر مستشار الملك الدكتور محمد علي الستري دوره في مزيد من العقاب، وإن كانت البداية تمت بإزاحة جماعته من السيطرة على إدارة الأوقاف الجعفرية.
ومع ذلك، فقد كانت العودة السريعة عن استقالات مجلس الشورى والقضاء، بعيد سقوط الدوار في يد قوات الجيش والأمن المدعومين سعوديا، مؤشرا على النفس القصير لهذه الجماعات المحسوبة تقليديا على الحكم، مع استثناءات واضحة لكبير النقابيين عبدالغفار عبدالحسين ومستشار وزير الداخلية المستقيل أحمد بن سلوم، وآخرين.
ويرجح أن تشارك جماعة الشيخ المدني وجماعة الشيخ العصفور والجماعات الشيعية الكلاسيكية في الحوار المرتقب، الذي دعا له الملك، ويترأسه خليفة الظهراني.. رغم معرفتهم مسبقا بأنه حوار غير منتج، وفق الصيغة الراهنة.
كما يرجح أن تشارك هذه القوى في الانتخابات التكميلية المقبلة، وربما يجد بعضها في غياب الوفاق فرصة لتكرار سيناريو 2002، متناسين أن الموقف هذه المرة مختلف تماما، بعد اتضاح رؤية السلطة السلبي بل والمنحط للعلاقة بالشيعة وعموم الناس، ومدى الدور الذي سوف ترسمه المشاركة في الحوار المجهض والبرلمان في تشكيلته التكميلية في تجميل صورة اتضح قبحها ومأساويتها في العشر السنوات الأخيرة، وكشرت على حقيقتها في الشهور الثلاثة الأخيرة.
صحيح أن الوفاق لم تتمكن من تشكيل ائتلاف شيعي صلب إبان فترة الثورة، وركزت جهودها على الجمعيات السبع، بيد أن الصحيح أيضا أن اللهاث الذي تبديه جماعات المدني والعصفور والجماعات القريبة منهما يحتاج إلى أكثر من مراجعة لفهم علاقتها السلطة.
لا تريد السلطة علاقة ندية. تريد اتباعا، يخرسون حتى إذا انتهكت حرمة الدم والأعراض والأماكن المقدسة، والتي لا شك أنها انتهكت، وربما على نحو لم يحصل منذ نحو 100 سنة. وهو تحد سيظل ماثلا أمام ممثلي إدارة الأوقاف الجديد، وسيظل يقض مضاجعهم، ويسائلهم عن حرمة القرآن والمساجد والحسينيات والعزاء.
إن الدم والأعراض والمقدسات تنادي سماحة الشيخ أحمد العصفور وسماحة الشيخ محمد طاهر المدني والدكتور محمد علي التسري والسيد علي الصالح وبيوتات الشيعة جميعهم للكف عن تشكيل غطاء لمواصلة استهداف الناس على الهوية في أنفسهم وبيوتهم وأعراضهم وأرزاقهم وتجارهم وتعليمهم، فهل من مستمع؟
*كاتب بحريني