» رأي
من أقصى ولي العهد خارج الحوار الوطني؟
عباس بوصفوان - 2011-06-13 - 8:52 ص
عباس بوصفوان*
"في مملكة البحرين دوري أنا كولى للعهد إسناد جلالة الملك الوالد وأنا اتشرف بهذا الدور، وكلفني جلالة الملك حفظه الله ورعاه برئاسة مجلس التنمية الاقتصادية، وأن أكون نائبا لجلالته للقوات المسلحة، فهذه أهم واجباتي". ولي العهد في لقاء مع قناة العربية، 10 ابريل 2010 |
بيد أن الأساس التي ينظم موضوع ولاية العهد يأتي في البند "ب" من المادة "1" والتي تنص على أن الحكم ينتقل من "الشيخ حـمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد (...) إلى أكبر أبنائه، (..) إلا إذا عين الملك قيد حياته خلفاً له ابناً آخر من أبنائه غير الابن الأكبر".
عدا عن النيابة عن الملك في حال غيابه أو افتتاح المجلسين، لا يتضمن الدستور منح ولي العهد صلاحيات، إلا تلك التي يكلفه بها الملك. تاريخيا، لا يمارس ولي العهد في البحرين تسيير الشئون العامة، ولا يعتبر العضد الايمن لرأس الدولة.ينطبق ذلك على الملك حمد حين كان وليا للعهد، كما ينطبق على نحو واضح على ولي العهد الحالي الشيخ سلمان.
حين كان الشيخ حمد وليا للعهد تم تكليفه مسئولية وزارة الدفاع، التي ظل يحتكر قرارها. بناها "نظيفة" من الشيعة والمناوئين المحتملين، ورسخ فيها عقيدة الدفاع عن العائلة الملكية، من تحدي الخارج، لكن من تحدي الداخل أساسا، في ظل ما نعرف الآن من أن الملك كان ومازال يعتقد أن "الشيعة هم الخطر الاستراتيجي على النظام"، ويرى أن ثورة 14 فبراير تصدق نظريته.
مع أن هذه الثورة تدل أساسا على فشل ذريع لهذه النظرية التي اتبعت طوال عشر سنوات، واتخذت مبدأ إقصاء الشيعة من النظام فكرة مركزية لها، فإنها أفرزت بالمقابل رغبة شعبية عارمة لإقصاء العائلة من القرار السياسي.
الملك إبان توليه منصب ولي للعهد، كان يرغب وبشدة في ممارسة بعض المهام الأخرى، بيد أن المرحوم والده كان يردد على مسامعه دائما "إذا ياك (جاءك) الدور سو الي تبيه".
حينها كان الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الرجل القوي في البلد. ولعل ذلك ما جعل الملك يقلص صلاحيات عمه، حين استلم الحكم، رغبة في الاستحواذ على القرار دون الشك، وانتقاما أيضا على إقصائه عن الفعل السياسي إبان أكثر من ثلاثة عقود حكمها فعليا الشيخ خليفة.
بيد أن الملك التزم بتثبيت عمه في منصبه رئيسا للوزراء، وإن شكليا، بل وعرض عليه نيابة الملك، بيد أن الشيخ خليفة رفض ذلك، ملتفتا إلى أن منصب رئاسة الوزراء يظل محوريا في معادلة الحكم والدستور، ويصعب رغم كل شيء تجاهله. (انظر مقالتي بعنوان: ماذا وراء التشدد في رفض إقالة رئيس الوزراء، 8 مارس 2011).
ورغم محاولات الملك أن لا يكون ولي عهده خارج معادلة الحكم، كما كان جلالته إبان ولايته للعهد، إلا أن هذه المحاولات لم توفق في جعل الشيخ سلمان في موقع أفضل حالا مما كان عليه والده.
وفي والواقع فإن الشيخ سلمان لا يمارس أي دور يذكر في وزارة الدفاع، وإلى حد كبير يمكن االقول أن منصبه كنائب للقائد الأعلى للقوات المسلحة لا يخوله البتة اتخاذ قرار عسكري أو إداري في هذا القطاع، إلا بتكليف واضح من القائد الأعلى لهذه القوات (الملك).
وظل القائد العام لقوة الدفاع المشير الشيخ خليفة بن أحمد الرجل القوي في القطاع العسكري، وهو الذي لازم الملك مراحل تأسيس الجيش بعقيدته المؤمنة بحكم آل خليفة، ووجوب الدفاع عنها، حتى إن لزم ذلك استخدام القوة ضد الشعب، كما بدا ذلك واضحا في الشهور الثلاثة الأخيرة، في ظل ما نعرف من أن العائلة الحاكمة تعتقد أنها دخلت البحرين بالقوة (الفتح)، ولم تستقبل بالورود، ومن يرد الحكم أو الشراكة فيه، فدونه حد السيف.
وإذ تم إحالة الملف السياسي والدستوري إلى القصر بعيد تقلد الشيخ حمد حكم الإمارة، فقد زج بولي العهد في صراع عنيف مع الشيخ خليفة، الذي وإن قال صراحة إنه ملتزم بتعليمات الملك باعتباره رئيسا لحكومة جلالته، لكنه ظل يقاوم، ما اضطر الملك أن يعلن صراحة ميله لولي عهده في 2008.وتلقى الشيخ خليفة توبيخا واضحا، وعلى صفحات الجرايد، لإعاقته برنامج عمل الشيخ سلمان.
قبل ذلك (2005)، تم الاستعانة بشركة ماكنزي لتقدم دراسات تؤكد أن البلد تعيش أو يرتقب أن تعيش شبه كارثة في مجال البطالة وإعاقة نمو الأعمال بسبب سياسة الشيخ خليفة. وتأسس على إثر ذلك هيئة تنظيم سوق العمل، وصندوق العمل (تمكين)، وأتبعها توسيع صلاحيات مجلس التنمية، وتشكل شركة ممتلكات، من أجل تمكين الشيخ سلمان من تنفيذ برنامجه الاقتصادي.
لم يكن الشيخ خليفة صاحب قرار يذكر في السنوات العشر الأخيرة، على عكس ما يتصور، وعودته إلى الواجهة أخيرا لا تغير كثيرا من موازين القوى الفعلية، والتي يحتكرها المتنفذون في الديوان الملكي.هؤلاء، لا يثقون بالشيخ سلمان يرونه "غربي الهوى، يحب يتكلم إنجليزي، ولا يكتب الشعر، ويحب سباق السيارات، لا الخيول"، وقد تم محاصرة عدد من المؤسسات التي يديرها بموظفين قريبين من المتنفذين في القصر.
ورغم عدم إظهار الشيخ سلمان معارضة واضحة على إقصائه من القرار السياسي، والتزامه بتعليمات والده في التركيز على الملف الاقتصادي (ضمن تعليمات القصر طبعا)، مع أنه يستحيل فصل الملفين، فإن كبار موظفي الصافرية مازالوا يرون فيه المنافس المحتمل لهم، وكان خيارهم دائما إبعاده عن الملف السياسي، والزج به في حرب طاحنة مع الشيخ خليفة، الخبير في إدارة المعارك.
لقد استنزفت هذه المعركة الشيخ سلمان. لم يربح القطاعات التجارية التي تجامله في رؤيته، ولم يكسب المعارضة التي تتمسك به كأفضل السيئين، وفيما تمكن والده من تأسيس نواة مهمة له عبر الجيش الذي بناه، لم تتوسع علاقات الشيخ سلمان إلى أبعد من النخبة التجارية الجديدة والمعزولة هي أيضا.
ولا يجد الشيخ سلمان أي مناصرة من الجماعات الموالية، التي عادة ما تنتقد أجنداته الاقتصادية والسياسية، وهي لا تخفي ذلك، وقالتها علنا وفي مجالسها الخاصة (وكنت شاهد عيان) إبان تولي سموه ملف إدارة الحوار بين منتصف فبراير ومنتصف مارس الماضيين.
ويسجل للشيخ سلمان إخفاقه في تكوين شبكة علاقات تقليدية من العوائل النافذة، من الشيعة أو السنة، كما كان أخفق والده بالمناسبة، وهي الصيغ التي تمكن من خلالها الشيخ خليفة من إدارة البلاد بصيغة ما حتى إزاحته من القرار مطلع الألفية الجديدة.
إذا، لم يكن غريبا أن لا يكلف ولي العهد برئاسة الحوار الوطني (كلف الملك رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني بقيادة ملف الحوار). وفي الواقع فإن تكليفه (ولي العهد) بهذه المهمة في فبراير/ شباط الماضي كان هدفها إعداد العدة للهجوم على الدوار بالتعاون مع السعودية، بيد أن هدفها الآخر كان تعميق الإساءة للشيخ سلمان وإظهاره بالعاجز وقليل الحيلة وربما الفاشل، تماما كما أظهروه وهو يدير ملفات سوق العمل وممتلكات وطيران الخليج.
مؤسف القول، بأنه يصعب تصور ولي العهد في موقع أفضل حاليا. وسيكون مؤسفا أكثر أن يقال له "انتظر دورك"، هذا يعني ربما أن تعيش البلد الأزمة أطول مما يعتقد.
*كاتب بحريني