في مهرجان (وطن الجميع) ما زالوا (مثخنون بالجراح لكن لا ينحنون)

2011-06-13 - 5:43 م




المكان: سار، القرية الأثرية، شاهدة الحضارات والتاريخ.

الزمان: 12 يوماً بعد انتهاء السلامة الوطنية (قانون الطوارئ)

الحدث: مهرجان "وطن الجميع"

مرآة البحرين (خاص): الساحة كل ما في سيماها يذكر بمسرح الدوار، الحضور من كل الألوان السياسية، شباب وعد، شباب 14 فبراير المستقلين، سياسيين من جمعيات أخرى، حقوقيين، صحافيين، ونشطاء آخرين. النخيل التي أحاطت بالساحة، نفسها نخيل الدوار، إنها نخيل هذا الوطن الذي يحملونه لؤلؤة بين قلوبهم.

توافدت الجماهير مبكرا من ساعات الظهيرة الحارة، ملأوا الساحة المجاورة لمأتم سار، وتدفقوا في كل الشوارع المحيطة بها، وقوفاً وجلوساً، لم يفتح المأتم  أبوابه رغم حرارة الجو، ابتعاداً عن كل ما يوحي بالشكل الطائفي، وحفاظاً على المؤسسة الدينية من قمع قوات الأمن التي لا يؤمن شرها رغم الإخطار المقدم.

غابت قوات الأمن، ودارت الهيلكوبتر بعيداً، ثم نزلت على علو منخفض بعد تفرق الناس. انتهى الحدث باختناقات وازدحامات مرورية في الشوارع العامة، علقت فيها السيارات طويلا، وجعلت رجال المرور يعملون إلى التاسعة من الليل.

لم يغب صوت النساء "عودونا على تقديم التضحيات، مثلهم مثل الرجال" هكذا حياهم الشيخ علي سلمان بصوت لا يخلو من الألم. لم يكن صعباً أن تلاحظ ملامح الدهشة والذهول تملأ وجوه الحاضرين: نحن نجتمع مجدداً! في ابتساماتهم وأناتهم وتعليقاتهم، مشاعر مختلطة، شيء من الابتهاج، وشيء من العذاب، وكثير من الإصرار.

شاركهم أمين عام الوفاق، محاولاتهم المؤثرة، لبعث كل ما يتصل  بالدوار، ففي حين تمايلت أعلام البحرين على وقع أنغام الأناشيد الوطنية التي حملت عبق احتجاجات الدوار، وقف سلمان مرفرفاً بعلمه للحشود، وهم يهتفون بالشعارات نفسها: بالروح بالدم نفديك يا بحرين، بالروح بالدم نفديك يا شهيد.

بشعارات الدوار، استقبل الجمهور الحقوقي نبيل رجب، تاج الثورة، كما أحبوا أن يسموه، إنه الشخص الذي لم يسكت، ففي حين تسابق كثيرون لمصافحته واحتضانه والاحتفاء به، كانت الصرخات تتعالى من كل أنحاء الساحة "هلا بيك هلا، وبجيتك هلا".

أعاد سلمان لذكريات الحضور مشاهد الدوار، حيث استحضر شخوصه وكل جماعاته، ليبدو المشهد كأنهم معه، على ذات المنصة. كان لا يريد أن يبدو المتحدث الوحيد، جعلته تجربة الدوار يعيش معنى التوافق والتعدد، الائتلاف والاختلاف، فكم هو حيوي وجميل أيها الرفاق أن تجمعنا قضية الوطن بكل هذه الحماسة. إبراهيم شريف، عبد الوهاب حسين، وحسن مشيمع، تحية لكم من وراء القضبان.

الذين تميز بحضورهم الدوار، ومن ثم السجن، كثيرون. عدّدهم سلمان جماعة جماعة، حيا الأطباء مذكراً بعلي العكري وباسم ضيف شخصياً. وحيا المعلمين، وحيا الرياضيين، وحيا تحية ملؤها قطرات العرق، أصحاب المهن والمتخصصين الذين بنوا الوطن بسواعدهم، ثم ضحوا بأعمالهم وأرزاقهم لأجل قضيته.

لم يخجل شيخ المعارضة من دموعه، حين حيا كل أم عاشت قلق الهجوم على بيتها، وخوف اعتقال أبنائها وبناتها، و مشاعر كل أم تودع أبناءها من أجل أن يشاركوا في مسيرة سلمية، دون أن تعلم هل يعودون أم لا، وكل أب دفع بأبنائه من أجل المشاركة في مسيرة الكرامة والحرية. مع ذلك، بدا سلمان وجمهوره تماماً كما قالت منظمة العفو الدولية: مثخنون بالجراح، ولكن لا ينحنون.

لم ينسَ النساء المعتقلات، وخص بالذكر آيات القرمزي وندى الشيراوي، تحية أخرى قدمها لعبد الهادي الخواجة، ولكل الشرفاء خلف السجون. "لن يعرف هذا البلد الاستقرار والطمأنينة، إلا وأنتم بين أهاليكم، وإن غدا لناظره لقريب" يصر سلمان متوعداً.

لا يوجد بين الحضور من تنكّر لدوار اللؤلؤة، رغم كل ما عاد عليهم به من مآس وظلامات، وكذلك هو علي سلمان، حين قدم شكره الخاص لكل شباب 14 فبراير"تحية معطرة بالحب والاحترام والتقدير لكل شابة وشابة شارك بالحضور إلى دوار اللؤلؤة يحمل في قلبه أمل البلد المتقدم، الديمقراطية المتحضرة، الملكية الدستورية الحقيقية، والكرامة للجميع، إلى كل من شارك في هذه المسيرة ألف ألف تحية". ينتهي كل ثناء وتحية يقدمها بشعار آخر من الجماهير، هو كذلك من شعارات اللؤلؤة "شكرا لكم، شكرا لكم، شكرا لكم"

ذكر سلمان الحضور، بالأيقونة التي صدرها شباب 14 فبراير إلى ساحات صنعاء، وليبيا، وغيرها من العالم العربي، حين عبروا عن مطالبهم المشروعة بطريقة سلمية متحضرة أبهروا العالم بها "فكانت الحركة المطلبية البحرينية أكثر التحركات في الربيع العربي سلمية بحسب رأي الكثير من المراقبين" وهكذا تجدد الشعار بلحن بحريني خالص "سلمية... سلمية"

شعارات وئدت، كان كثيرون بينهم المقداد ومشيمع قد وجهوا إلى وقفها منذ أيام الدوار، مثل شعارات الموت. ولكن سلمان كان ذكياً جداً، حين لم يوجه قهراً لإلغاء شعار إسقاط النظام، رغم أنه غاب طواعية، غاب فقط ولم يستبدل.

هذا الشعار المختلف عليه، ذو التأويلات المتعددة، والأصيل في ربيع الثورات العربية، متكون بشكل تاريخي في وعي الجماهير، واندفاعهم، وهو يتقاطع تماماً مع توجه الإصلاح، ولن يتقبل أحد تحويره أو اشتقاق شعار آخر منه، لأن ذلك قد يكون انقلاباً على أصالته، تأويلاته، وإلهاماته، ما قد يضعف من الحركة الاحتجاجية. وبأسلوبه المؤثر في صناعة الرأي، سيجعل سلمان الشعار يغيب في وعي الجماهير بشكل غير مباشر ولو مؤقتاً.

"تحية تُؤدى والهامات منحنية إلى الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم في سبيل رفعة وطنهم وفي سبيل كرامة أبناء شعبهم من السنة والشيعة وفي سبيل مستقبل آمن لأطفال البحرين جميعا" الكثيرون طأطؤوا برؤوسهم، لكن سلمان في نهاية حديثه، وبعد كل هذه التحيّات، ذكّر الجميع أن الطريق طويلة، وقافلة الشهداء والمضحين قد تستمر "وقد قادنا اجتهادنا إلى أن المطالبة بالحقوق المشروعة هي قضية عادلة ومحقة وتستحق العناء والبذل، وقد أوكلنا أمورنا إلى الله، ونحتسب ما يلحق بنا عنده، ونعلق أملنا بنصرة الله للخير والعدل والحق "

بشعارات الدوار بدأوا وبشعاراته اختتموا مهرجانهم مرددين  "منصورين والناصر الله"



 

 

 

 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus