» رأي
جمرة التسوية
عادل مرزوق - 2011-06-12 - 7:47 ص
عادل مرزوق*
لمن يريد أن يفهم هذه الصورة من التخوف – المبّرر – للدخول في الحوار مع الدولة أو الثقة بما يخرج من قصر الصافرية من بيانات وقرارات ودعوات، أن يجمع ويدرس ويحلل ويفهم ما أقدمت عليه الدولة منذ الخامس عشر من مارس 2011 حتى اليوم. حمل هذا التوقيت ومع آخر كلمة في مرسوم إعلان حالة الطوارئ، رسالة النظام للشعب وبوضوح، ولعل من أهم خلاصات هذه الرسالة أن شيئاً من دولة المؤسسات والقانون التي دشنها ميثاق العمل الوطني العام 2001 لم يكن حقيقياً. كان المشروع الإصلاحي بدستوره ومؤسساته وانتخاباته وميزانياته وتعييناته وإعلامه مجرد غطاء لنظام حكم آخر، نظام لا يختلف – إن لم يكن أسوأ – عن النظام الذي اكتوى الشعب بأوجاعه في التسعينات من الألفية الآفلة.
أصبح الميثاق في صبيحة السادس عشر من مارس مع هجوم العسكر على دوار اللؤلؤةوثيقة بلا روح أو معنى، وثيقة غير معترف بها في جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية وكل مقار القتل والتعذيب والضرب بكرامة البحريني عرض الحائط. وثيقة أنهت شرعيتها رصاصات الجند التي استقرت في صدور الأبرياء. أما الدستور وقوانين البلاد ومؤسساتها فقد عُطلت وجُمدت أمام سُعار طائفية الدولة والاعتقالات والإقالات ونقاط التفتيش الطائفية والمحاكمات الجماعية المفبركة التي أعادت همجيتها للعالم – وليس للبحرينيين فقط – صورة حكم القرون الوسطى بكل تفاصيلها الدقيقة، وبربريتها.
لا يمكنك أن تحرم الإنسان من حقه في الحياة، وحقه في المواطنة، وحقه في العمل، وحقه في المرور، وحقه في الاحترام، وحقه في التعليم، وحقه في ممارسةشعائره الدينية، وحقه في الأمن والطمأنينة على نفسه وأهله وماله، وحقه في محاكمة عادلة إن كان قد أخطأ أصلاً، وحقه في التعبير عن آرائه بسلمية وتحضر، وحقه في الوجود، ثم تأتي بعد كل ذلك لتقول: تفضلوا لطاولة الحوار دون شروط، أو طلبات، أو حتى دون توفير أدنى متطلبات نجاح هذا الحوار وأولهاأن يكون طرفا الحوار متكافئين على الأرض.
لا يمكنك أن تقتل الناس في الشارع والمعتقلات ومراكز الأمن، وأن تنتهك حرمات البيوت وكرامة سكانها، وأن تعتدي على أعراض الناس، وأن تهدم المساجد ودور العبادة، وأن تقيل الناس ظلماً من أعمالهم وان تمنعهم من لقمة العيش، لا يمكنك أن توقفهم في النقاط الأمنية لترمي بكرامتهم عرض الحائط ولتنكل بهم أمام زوجاتهم وأطفالهم، وأن تعذبهم في السجون حتى القتل وأن تشتمهم وأنتنال من كراماتهم في أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. لا يمكنكأن تروع أطفالهم وتهددهم باغتصاب زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم إن لم يقروا بأشياء لم يفعلوها، لا يمكنك أن تفعل كل ذلك وتأتي بعدها لتقول بكل ثقة: أنالمشروع الإصلاحي لا يزال مستمراً، وأن عجلة التطور والتحديث مستمرة، وأن باب الحوار مفتوح منذ الأول من يوليو المقبل للجميع. هذا استهتار بكرامة الناس واستعلاء على أوجاعهم، بل هو تجاوز لم يقبل به العالم الذي اشترط الإفراج عن جميع المعتقلين واعادة المفصولين لأعمالهم، فضلاً عن أن يقبل بهأصحاب الجرح نفسه، ممن لا تزال الحرقة في قلوبهم كالجمر.
قبل الحوار ثمة اشتراطات ومقومات لا بد من الوفاء بها، وليس إسناد مهمة إدارة الحوار لرئيس مجلس النواب خليفة الظهراني إلا دلالة على أن هذه الاشتراطات والمقومات والاحتياجات لا زالت غير متوفرة. ليس للظهراني ان يكون شريك الحوار مع المعارضة، وليس للأصالة أو المنبر كذلك، هؤلاء شركاء في الحوار الذي من المفترض أن يدور بين الحكم والشعب. وبالنسبة لما تفرضه موازين الثقة القائمة، فليس لشخصية سوى ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة أن تقود هذا الحوار وأن تشرف عليه. بكل المقاييس، تعتبر رئاسة الظهراني للحوار انتكاسة للمصالحة الوطنية وللحوار قبل أن يبدأ، وهي أيضاً، إغلاق ابتدائي لملف إنجاز الملكية الدستورية الحقيقية في البحرين.
وحتى ينجح الحوار، وحتى تعود ثقة – نسبياً – الناس في النظام، لابد أن يكونقادة المعارضة وجميع الموقوفين في الأحداث الفائتة أحراراً فهم شركاء في الحوار. وإذا كانت واشنطن ولندن رأت في إطلاق سراح هؤلاء شرطاً لنجاح الحوار وفاعليته، فلابد أن تعي الدولة أن هذه الضمانة لا تنازل عنها من جانب الجمعيات السياسية البتة، سواء توفر الغطاء الدولي لذلك أم لم يتوفر. وخلاف ذلك، على النظام أن يعي أن التسوية التي يبحث البحرينيون عنها اليوم ليست تسوية مؤقتة يضمدون بها جراحهم التي تبقى مفتوحة لتعاود النزيف بعد عقد أخر.
يتطلع البحرينيون لتسوية تطوي عشرات السنين من تحمل العذابات والوجع والمواطنة المنقوصة والتوزيع المجحف لثروات البلاد والتلاعب بالمال العام ومدخرات الأجيال المقبلة، وهذه التسوية المأمولة هي الوصول لملكية دستورية حقيقية تضمن لجميع المكونات الإجتماعية حقوقها وكرامتها ومساهمتها في تنميةهذا البلد.
يمسك الناس بكلمة التسوية في أيديهم كالجمرة، فالجرح غائر والقلوب مسكونة بالخوف. لكنها ليست علامات الإنكسار، فكرامة هذا الشعب أقوى، عجنتهم الاختبارات والتحديات، وأثبتوا في كل مرة، أنهم أهل لاجتيازها، والمرور منها.
*كاتب بحرين