حول فلول النظام البحريني وكذبة الـ 80%

2013-08-10 - 11:08 م

يوسف مكي*

بعد سقوط نظام مبارك في مصر، من جراء ثورة 25 يناير 2011، ظهر إلى الوجود مصطلح (الفلول) ليعني بقايا ومخلفات ومواليّ النظام المنهار، وكان أحمد شفيق، الذي خاض الانتخابات الرئاسية قد مثل أحد أبرز رموز العهد المنهار، وعلى الرغم من هزيمته، وتدخل الأمريكان لصالح الإخوان في الانتخابات، فإن ظاهرة الفلول لم تنته، فهي تخرج من الباب لتدخل من الشباك، بألف حيلة وفتيلة،  لدرجة أن حركة تمرد المصرية تمكنت الفلول من امتطائها، هذا في مصر.

والحقيقة أن ظاهرة الفلول، كحالة اجتماعية وسياسية، ليست حالة مصرية فقط، بل هي حالة عامة عربية، وتمثل مظهرًا من مظاهر الأنظمة التسلطية الفاسدة. وهذا ما وجدناه في نظام بن علي في تونس، حيث له فلوله، والتي ما تزال تعمل، وفي نظام علي عبد الله صالح في اليمن وتخريبها للثورة، وفي نظام القدافي قبل سقوه وبعده، وفي النظام السوري، وفي النظام البحريني بطبيعة الحال.

وصحيح أن الفلول في مصر ظهرت بعد سقوط النظام، لكنها في حقيقة تكوينها أنها امتداد للنظام، بل يمكن القول إنها النظام نفسه محاولًا العودة من جديد، أو الثورة المضادة وفقًا للتوصيف السياسي. لذلك فإن بروز ظاهرة الفلول ليست مرتبطة بالضرورة بسقوط النظام، إنما هي مرتبطة بالنظام، وقد تمنع سقوطه، وهي من صنيعه، يستخدمها في كل الأوقات ضد مناوئيه، وتحت مسميات مختلفة حتى وهو في السلطة؛ في شكل مظاهرات وتحشيدات ومسيرات، واعتداءات وتفجيرات متنقلة هنا وهناك، وتحت مسميات وهمية. ولكن المحتوى والوظيفة في ظاهرة الفلول يبقى في كل الأنظمة الساقطة والتي لم تسقط بعدُ هو، هو، ممثلًا في الوقوف ضد التغيير الديمقراطي، والانتقال السلمي للسلطة، من أنظمة الاستبداد إلى أنظمة ديمقراطية. باختصار الوقوف  ضد قوى التغيير.

والنظام البحريني، كأحد الانظمة الاستبدادية، ليس استثناءً، فهو لا يختلف عن بقية الأنظمة المنهارة، فهو أيضًا له فلوله،  حتى في ظل عدم سقوطه، إلا أنه،  فيما يبدو، استطاع أن يستخدم ظاهرة الفلول قبل سقوطه، مستفيدًا من تجربة فلول النظام المصري، وبطريقة تؤجل سقوطه، وتقف سدًا منيعًا في قبالة القوى المطالبة بالتغيير، أو الاستحقات السياسية الكبرى للمرحلة، وليس بعد سقوطه كما فعلت الأنظمة المنهارة، وقد استطاع، في سبيل ذلك، التحشيد وتشطير المجتمع البحريني، ابتداءً من 22 فبراير 2011 حتى الآن. ومنذ ذلك التاريخ، كلما تطلبت المرحلة الثورية في البحرين إجراء استحقاقات سياسية تاريخية في بنية النظام، لجأ هذا النظام إلى الطائفية وتعبئة الطائفة السنية في قبالة الطائفة الشيعية، بحيث تبرز الطائفة السنية – للأسف الشديد – وكأنها شكل من أشكال الفلول، يستخدمها النظام كلما وجد نفسه محصورًا في الزاوية من جراء الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية وتداول السلطة، كما يستخدمها النظام لضرب المكون الآخر، وفقًا لاعتراف قيادات الفلول نفسها.

وفيما يتعلق بالفلول، فقد تتخذ الظاهرة أشكالًا مختلفة؛ سياسية، أو حزبية، أو دينية، أو عائلية، أو قبلية، أو طائفية، أو خليط من كل هذه الأشكال. كما يمكن أن تتخذ مسميات مختلفة؛ من قبيل فلول موقعة الجمل، أو الحزب الوطني في مصر، أو مسيرات شارع السبعين في اليمن، أو تجمع الفاتح ومشتقاته، أو الشارع السني في البحرين. ومع ذلك، فإن محتوى ومهمة هذه الفلول يظل واحدًا يتمثل في الوقوف في وجه الحراك الشعبي ضد الأنظمة، أي شكل من أشكال الثورة المضادة، أو الاحتياطي الاستراتيجي للنظام،  يستخدمه في وجه معارضيه.

أما بالنسبة لفلول النظام الخليفي في البحرين، ففي الوقت الذي يصر قيادات هذه الفلول أنهم يتفقون مع المعارضة في 80% من مطالب المعارضة وحركة 14 فبراير، فإنهم يقفون إلى جانب النظام عمليًا، بل يطالبون النظام بقمع الحراك بكل قوة، وما توصيات المجلس الوطني الأخيرة إلا خير دليل، كما يعارضون من الناحية الفعلية المعارضة، بحيث يصل المرء إلى قناعة، من خلال سلوكهم السياسي والأيديولوجي والتحشيدي، أن مزاعم اتفاقهم في 80% مع المعارضة مجرد كذبة فلولية كبرى، بينما الحقيقة الواضحة والوقائع الملموسة تؤكد أنهم يتفقون مع النظام  100%، وأنهم صنيعة النظام، والأصح أنهم النسخة البحرينية من الفلول، أسوة بالنسخة المصرية.

ولكي لا نتجنى على أحد بوصفه فلولًا، وللتأكيد أنهم فلول النظام في البحرين، يمكن التساؤل أنهم –تجمع فزعة الفاتح ومشتقاته ودكاكينه الحزبية وغير الحزبية- إذا كانوا فعلًا كما يدعون أنهم يتفقون مع المعارضة في 80% من المطالب، فمنطقيًا يكون موقعهم في تحالف مع المعارضة، لا في تحالف وتواطؤ مع النظام، ويكونوا أقرب إلى المعارضة لا إلى النظام، إلا أن العكس صحيح، حيث فصّلوا مواقفهم، رهبة أو رغبة، على مواقف النظام، والأصح أن النظام فصلهم على مقاسه، مما يؤكد كذبتهم الكبرى في اتفاقهم على 80% مع المعارضة، والنسب الصحيح هو أنهم فلول النظام بامتياز، وبغض النظر عن المسميات التي ينعتون بهم أنفسهم/ فلولهم.

ولتأكيد منطق فلول النظام المرتبطين به، يكفي المرء أن يتابع السلوك السياسي لممثليهم، في ما يسمى بحوار التوافق الوطني، عندما يظهرون ملكيين أكثر من الملك، وسلطويين أكثر من السلطة،  ويعارضون مطالب المعارضة، ويتحركون بالرموت كنترول كما قال أحدهم في عبارة ذات دلالة، أي أنهم إنما يمارسون سلوكًا سياسيًا معاديًا للحراك الشعبي ضد النظام، ويتصرفون وفق ما يمليه عليهم النظام الحاكم، ويحركهم متى شاء، كما يحدث هذه الأيام كلما اقترب استحقاق 14 أغسطس، حيث يدعوهم رئيس الوزراء/ خليفة بن سلمان إلى الفزعة ضد الإرهاب.

 يبقى القول إن النظام الخليفي في البحرين يعتبر من بين الأنظمة العربية الأكثر دهاءً في صناعة الفلول وتوجيهها في وجه الخصوم، وله طرقه المختلفة في ذلك. لذلك لا غرابة أن تستمر ظاهرة الفلول في البحرين باستمرار الحراك الشعبي، ويتم استداعؤها كلما تطلب الموقف ذلك.

طبعًا لم نقصد الإساءة لأحد مكونات هذا الشعب، بقدر ما أردنا توصيف للمشهد السياسي والاصطفافات المجتمعية في البحرين، مع النظام وضد النظام، على أمل أن يعيد من هم مع النظام في البحرين النظر في مواقفهم المعادية للديمقراطية، وينتقلوا من مواقع فلول النظام إلى مواقع المعارضة، تلك المعارضة التي يتفقون معها، حسب زعمهم، في 80% من المطالب السياسية، ودون ذلك، فإن ما يقومون به هو اصطاف سياسي إلى  جانب النظام وبالتالي هم فلول بهذا الشكل أو ذاك من حيث موقعهم الموضوعي، حتى أن النظام يقوم باستدعائهم هذه الأيام بأشكال عدة، للوقوف في وجه تمرد 14 أغسطس، تحت يافطة حماية البلد من الإرهاب.

 وفي مثل هذا الوضع  فإن كل ما يروجونه عن أنفسهم إنما هو  ضحك على الذقون من قبل الفلول أنفسهم، ولا غرابة أن يتم وصفهم بفلول النظام في البحرين، على غرار فلول النظام في مصر. فقط سؤال لفلول النظام في البحرين: أين الـ 80% التي تتفقون فيها مع الحراك الشعبي؟.

 

*باحث بحريني في علم الاجتماع.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus