معضد التسوية

عادل مرزوق - 2011-06-06 - 8:19 ص

 



عادل مرزوق*

 


 
يعتبر شارع الجفير – الشارع المحاذي للقاعدة الأمريكية - الشارع الأكثر أمناً في البحرين طوال الأشهر الثلاثة الماضية. فلا وجود للبلطجية (قوات الأمن بالزي المدني، ولا نقاط أمنية مشغولة بتتبع مذاهب العابرين والتنكيل بالشيعة منهم. وعليه، كان للعديد من البحرينيين إبان حالة الطوارئ أن يتخذوا من مقاهي هذا الشارع مكاناً آمناً لضمان حقهم في الحياة. وكانت النخبة السياسية والاجتماعية تتوزع على المقاهي والمطاعم على الجانبين، هرباً من الملاحقات الأمنية تارة، أو رغبة في ممارسة حقها في الكلام تارة أخرى.

في لقاء جمع بعضاً من الصحفيين، حمّل أحد الزملاء أقطاب "إعلان الجمهورية" مسؤولية ما حدث، مؤكداً: "أن خطاب الجمهورية بث الرعب في قلوب السنة، وأكد لهم أن ثورة اللؤلؤة ليست سوى مشروع لقلب نظام الحكم والسيطرة على البلاد". ولم تبتعد باقي حجج وبراهين الزميل عن ما خرجت به الصحافة المحلية الرسمية، وخطاب تجمع الفاتح، على وجه الخصوص.

ونسأل بوضوح، هل تتحمل أقطاب "إعلان الجمهورية" فعلاً مسؤولية ما حدث؟ وهل هي مسؤولة عن فشل مساعي الحوار بين ولي العهد والجمعيات السياسية؟ ولو
 معضد التسوية:  رد الاعتبار، ورد الاعتبار المطلوب هو إيقاف حمام الدم المفتوح لشباب البحرين،  واحترام إرادة الشعب واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية.
حاولنا تجاوز البدايات لنصل الى فرصة التسوية والحوار القائمة اليوم والانقسامات الداخلية الدائرة حولها، فهل سننتهي بتحميل الأطراف ذاتها مسؤولية فشل الحوار واستثمار فرصة التسوية؟

إذا سلمنا  - جدلاً - بكل ما حملته قراءة الدولة لأقطاب إعلان الجمهورية بأنهم حركة انقلابية على الحكم، وسأستثنى القبول بتهمة السعي لإقامة الدولة الشيعية الموالية لإيران لأن الدولة تلصق هذه التهمة بكل شيعي في شهادة ميلاده. ولأنها أيضاً، تهمة مجانية  - كانت ولا تزال وستبقى – تستثمرها الدولة كلما أحست بالضعف وتقوم بتوظيفها لتبرير أخطائها وانتهاكاتها من جهة، ولاستنهاض دول الخليج لتسديد فواتير الأخطاء المتوقعة من جهة أخرى.

وإذا سلمنا بكل هذا – جدلاً – فإن ذلك لا يعني البتة أن تتحمل هذه الأطراف مسؤولية ما حدث، فلم تكن حركة الوفاء أو حركة حق طرفاً في الحوار الذي دعا له ولي العهد لتتسبب في تعطيله أو تجميده، كان الخلاف يدور حول الضمانات التي طلبتها الجمعيات. كان فشل التسوية بسبب خلاف بين مؤسسة الحكم والجمعيات السياسية، ولم يكن لأي طرف من أطراف إعلان الجمهورية علاقة بذلك. طلبت الجمعيات السياسية ضمانات وطرحت قراءة واضحة للتسوية من خلال المجلس التأسيسي وأصر الحكم من جانبه على حوار الطاولة المفتوح الذي كان يمهد لدخول المعارضة في الحوار بوصفها أقلية لا أكثرية، وبالإضافة لذلك، حشدت الدولة قائمة عريضة من جمعيات ومؤسسات (الجونجو) – مؤسسات المجتمع المدني المصطنعة – لتفرض للدولة أغلبية عددية على طاولة الحوار. ولأن للمعارضة تجربتها المرة في التعامل مع هذا الوضع، أصرت على أن لا مجال لمثل هذه الألاعيب مجدداً.

اليوم أيضاً، نواجه الإشكالية ذاتها، يتم تحميل الأطراف نفسها مسؤولية الإخفاق في التسوية بدعوى أنها تقف ضد التسوية وضد الحوار، مع أنها أطراف مغيبة من وراء القضبان، لا تملك الحق في الحياة، أو الحصول على محاكمات عادلة، أو الحق في معاملة تحترم حقوقهم الإنسانية المنتهكة، فكيف يكون للبعض افتراض أن لهم حق المشاركة في الحوار فضلاً عن أن يرفضوه، أو أن يعطلوه، أو حتى أن يضعوا أمامه العراقيل!

كل ما في الأمر أن معضد التسوية الذي قدمته الدولة حتى الآن هو معضد ضيق على يد هذا الشعب المتورمة والمتضخمة والمشوهة من آثار القتل والتعذيب والانتهاكات والاستهدافات الطائفية التي تعرض لها. ليست الحكاية يا سادة حكاية (مع الحوار) أو (ضد الحوار)، ليست الحكاية حكاية (مع التسوية) أو (ضد التسوية)، بل هي حكاية رد الاعتبار ليد الشعب ومعالجة ما ألم بها من آلالام وأوجاع حتى تستطيع أن تلبس معضد التسوية برضا واقتناع.

مفتاح التسوية ومعضدها ورهان نجاحها هو رد الاعتبار، ورد الاعتبار المطلوب هو إيقاف حمام الدم المفتوح لشباب البحرين، رد الاعتبار هو احترام إرادة الشعب واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت حكومة البحرين عليها وتعهدت الالتزام بما تضمنته من مضامين وتعهدات، رد الاعتبار هو تنفيذ ما طالبت الأمم المتحدة والعواصم العالمية الكبرى به من تجميد لأحكام الإعدام في القضايا المفبركة، والافراج غير المشروط عن الآلاف من المعتقلين وإعادة المسرحين من أعمالهم ظلماً، والسماح بممارسة أبناء البحرين لكامل الحقوق التي ضمنها ميثاق العمل الوطني ودستور البحرين لهم.

مفتاح التسوية هو رد الاعتبار، وهو ما يتمثل أيضاً في إيقاف مكنة الإعلام الطائفي المجنونة ضد الناس والتحقيق في جميع الممارسات الطائفية وغير الأخلاقية من كافة

 معضد التسوية: إيقاف مكنة الإعلام الطائفي المجنونة ضد الناس والتحقيق في جميع الممارسات الطائفية وغير الأخلاقية من كافة أجهزة الدولة.

أجهزة الدولة التي تحولت خلال الأشهر الثلاث الماضية لمفارز ونقاط أمن ومحاكم طائفية لم تحترم إنسانية المواطنين أو أدنى حقوقهم التي كفلتها لهم الشرعية الدولية والكونية الجديدة وما ضمنته للإنسان – أي إنسان – من حقوق.

وخلاف ذلك، إذا كانت فزاعة "إعلان الجمهورية" هي سبب كل ما حدث وسيحدث، وهي سبب كل جرائم الدولة وانتهاكاتها وخروقاتها لحقوق أبناء البحرين، فلنا أن نسأل مؤسسة الحكم وبوضوح: ألم يكن في مقدوركم تحمل سقف أقلية المعارضة الذي كان يطالب بجمهورية تسع الجميع شيعة وسنة قبالة ما تحمله الشعب من أقليتكم المتشددة التي  كانت – ولا تزال – تطالب بتحويل البحرين لإمارة طالبانية وإقامة المشانق الطائفية للشيعة وقتلهم وتهجيرهم وانتهاك حرمات مساجدهم ونسائهم وأموالهم. ألم يكن بمقدور مؤسسة الحكم أن تتحمل خطابات حسن مشيمع وعبدالوهاب حسين في دوار اللؤلؤة قبالة ما تحمله أبناء الشعب من فتاوى جاسم السعيدي في الصحف المحلية ومحمد خالد في تجمع الفاتح أمام الملأ، تلك الفتاوى التي كانت – ولا تزال - تنادي بالتكفير والتحريض على القتل وهتك الحرمات لمكون رئيس من مكونات المجتمع.

لم تكن الحكاية يا سادة حكاية إعلان الجمهورية والقفز على سقف مطالب الجمعيات السياسية في الملكية الدستورية، لم تكن الحكاية خطاب حسن مشيمع أو المقداد أو عبدالوهاب حسين، فمؤسسة الحكم لم تكن مستعدة أصلاً لتتحمل أي خطاب يعارضها، وإلا فلماذا يجلس اليوم الأمين العام لجمعية (وعد) ابراهيم شريف وأطباء البحرين والمدرسون والإعلاميون والمهندسون ورجال الدين في قفص الاتهام جنباً الى جنب مع أقطاب إعلان الجمهورية؟!. ولماذا أحرقت مؤسسة الحكم مقر جمعية (وعد) واستهدفت جميع الجمعيات السياسية في المعارضة؟!. ولماذا اعتقلت وأقالت من العمل كل من وطأت قدماه دوار اللؤلؤة؟!.

منذ العام 2001 ومؤسسة الحكم تصر على ان تقرأ شارع المعارضة بوصفه شارعاً واحداً، فحركة أحرار البحرين والوفاء الإسلامي وحركة حق والجمعيات السياسية المعارضة وفي مقدمتها الوفاق ووعد كلها جسد واحد، وخطاب الدولة واضح في اعتبار الاختلافات بين هذه التيارات مجرد توزيع للأدوار. ورغم عديد التنازلات والتضحيات التي قدمتها الجمعيات السياسية ورسائل حسن النية التي قدمتها الجمعيات السياسية إلا ان الدولة لا تزال على قناعاتها. إذن، من واجب المعارضة اليوم أن تعيد تمركزها وفهمها للمسرح من جديد أيضاً، فكما أن الدولة لا تريد ان تقرأ المعارضة إلا باعتبارها جسداً واحداً، على المعارضة أيضاً أن تتعامل مع الدولة بوصفها جسداً واحداً. فالليبرالي والمعتدل في الدولة هو ذاته الذي رفع علم القاعدة في شوارع مدينة حمد ليطالب بالإمارة الإسلامية، والذي يدعو لمجتمع تعددي هو نفسه من يفتي بإراقة الدماء والتكفير وانتهاك الحرمات. وليس الأمر – كما تفكر الدولة أيضاً – أكثر من لعبة توزيع أدوار. وفي المحصلة، أمام خطاب الجمهورية الإسلامية في المعارضة ثمة خطاب الإمارة الإسلامية الذي تطرحه مؤسسة الحكم والتابعون لها.

بعد كل هذا أقول: ان تفاصيل الحكاية دقيقة ومتشعبة، لكن أصدق الحكايات، هي حكاية من توسدت خدودهم التراب وهم في عمر الزهور. حكاية من شربت الأرض من دمائهم التي أراقها رصاص الجيش دون رحمة بتهمة التجمع دون ترخيص أو سد شارع!. حكاية الأرامل والأيتام الجدد في خاصرة هذا الوطن الحزين الموجوع. حكاية أدمع النساء والأطفال الخائفين كل ليلة من مداهمة القوى الأمنية وانتهاكاتهم للكرامات والحرمات والأعراض. حكاية آلاف الملفات الأمنية التي تعج بها المراكز المؤسسات والمراكز الأمنية. حكاية القتل والتعذيب في السجن والتهجير والاعتداءات والاستهدافات الطائفية. إذن، فليكن معضد التسوية كبيراً، ليسع كل تفاصيل الحكاية.  
 
*كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus