جستين غينغلر: انتفاضة 14 فبراير قدمت للخوالد وأمثالهم في العائلة المالكة نفوذًا غير مسبوق 5 - 5

الخوالد
الخوالد

2013-08-07 - 3:04 م

جستين غينغلر،

نشرة الدراسات العربية: شبه الجزيرة والخليج والبحر الأحمر

Journal of Arabian Studies 3.1 (June 2013), pp. 53–79

ترجمة، مرآة البحرين.

 جستين غينغلر، باحث أول في هيئة المسح الاجتماعي والاقتصادي في معهد البحوث، بجامعة قطر، ومحاضر مساعد في جامعة نورث وسترن في قطر، يتتبع في هذه الدراسة المطولة بروز تكتل الخوالد في السلطة البحرينية، ويوضح كيف وضع هذا التكتل أزمة الشيعة في البحرين في إطار أمني لا سياسي وعليه عمد إلى اللجوء إلى حلول أمنية لنزاع سياسي. 

تنشر (مرآة البحرين) ترجمتها لهذه الدراسة على حلقات.

انتفاضة 14 فبراير: النبوءة المحققة لذاتها

ان مناسبة انتفاضة 14 فبراير قدمت للخوالد وأمثالهم في العائلة المالكة نفوذًا غير مسبوق وسلطات رسمية. إلّا  أنه من المؤكد أن الحشد العفوي من المعارضة التي يقودها الشيعة على وجه التحديد تم التحذير منه والتحضير لمواجهته منذ زمن طويل. بعد أيام من إعلان الملك حمد الأحكام العرفية يوم 15 آذار/مارس 2011، قام خليفة بن أحمد شخصيًا بتوجيه حملتين عسكريتين في الصباح الباكر [حملة عسكرية واحدة في الصباح الباكر بعد إعلان الأحكام السلامة الوطنية، ربما يقصد المؤلف غارة الفجر الأولى يوم الخميس الدامي أيضًا، إلا أنها حدثت في 17 شباط/فبراير كما هو معروف] لطرد المحتجين من مقارهم المؤقتة. هذا 'التطهير' المزعوم لدوار اللؤلؤة، الذي تم هدمه وتغيير مسماه بعد عملية عسكرية أدت إلى مقتل أربعة متظاهرين وإصابة المئات بجروح، بمن فيهم أربعون من أفراد الشرطة. 78 ثم حذر المشير النشطاء بعد العملية الثانية علناً أنهم إذا حاولوا العودة فإن الجيش سيواجههم بحملة تفوق الحملة الأصلية بنسبة "200٪ 79.

ثم أوكل لخليفة بن أحمد إدارة القوانين العرفية التي أدت إلى شبكة معقدة من نقاط التفتيش الأمنية، فضلا عن نظام المحاكم العسكرية الاستثنائية التي قام بتعيين قضاتها. مُنحت المحاكم ولاية قضائية على مجموعة واسعة من التهم وفقًا للقانون الغامض لمكافحة الإرهاب لعام 2006. أدانت محاكم السلامة الوطنية أكثر من 500 شخص مدعى عليهم في الفترة الواقعة بين نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر 2011 80 من بينهم كافة زعماء المعارضة البارزين من غير الوفاق.

بدأ وزير الدفاع بالدخول صراحة في عوالم السياسيين والسياسات، مرددًا ما سبق ذكره من قصة خيانة الشيعة، والتوسع الإيراني، والنفاق الأمريكي. فكشف في مقابلة في تموز/يوليو من العام 2011 مع الأهرام المصرية، أن انتفاضة 14 شباط/فبراير كانت "بكل المقاييس مؤامرة حاكتها إيران بدعم من الولايات المتحدة"، وأن الولايات المتحدة تهدف "لرسم خريطة جديدة" للمنطقة. وأصر على أن "الأهم من الحديث عن الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران"، هو الحديث عن "مصالحهما المشتركة في مختلف الأمور التي تصوب ضد المصالح العربية". 81 بعد سبعة أشهر من ذلك، وفي الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة، أسهب خليفة بن أحمد في الحديث عن تفاصيل هذا الزعم، قائلًا لصحيفة بحرينية بارزة إن "مؤامرة الانقلاب" كانت مدعومة من اثنتين وعشرين منظمة غير حكومية مختلفة "جميعها كانت تعمل وممولة ومدربة من الولايات المتحدة ودولة خليجية (لم يسمها)". وبالإضافة إلى ذلك، تابع "هناك دول أخرى حشدت وسائل إعلامها، وسفاراتها، ووكلاءها، وطوابيرها الخامسة في الخليج. لم يكن الأمر سهلًا وما زلنا في مرحلة التعافي". 82

إذا وضعنا التوجهات السياسية والأيديولوجية جانبًا، نجد أن تحويل السياسة البحرينية إلى عمل أمني بالنسبة للشيخ خليفة بن أحمد هو، بكل بساطة، لمصلحته: فمنذ تعيينه في العام 1999، استمتع المشير بمبالغ سخية متزايدة من الموارد في البحرين. وبالتالي فان مصلحته الشخصية في تبرير الاستثمار المستمر في المجال العسكري قد تساعد في شرح الهيستيريا التي يظهرها تجاه إيران، وعملائها الشيعة المفترضين في البحرين وجميع أنحاء الخليج، والحديث عن المناورات الجيوسياسية الواضحة للولايات المتحدة الأمريكية. 83 وكما قال الناشط البحريني المسجون نبيل رجب لصحيفة نيويورك تايمز خلال حملة للحكومة في آب/أغسطس 2010 والتي ادّعت فيها كشف مؤامرة من المعارضة لإسقاط الحكومة: " ينبغي أن تكون البحرين في كتاب غينيس للأرقام القياسية العالمية. هذا البلد الذي اكتشف عشرين محاولة انقلاب مزعومة في السنوات العشرين الماضية".84 تنطوي هذه الملاحظة على أهمية كبيرة أكثر من ظهورها كدعابة جاءت على لسان نبيل رجب.

أما من يساعد على ضمان ضرورة استمرارية الإنفاق على الدفاع والأمن فهو شقيق المشير، وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد الذي بالرغم من أن موقعه الرسمي في صنع القرار يبقى متخفيًا وراء قيامه بدور حاجب الملك حمد، يُعتقد أن الشيخ خالد يقدم المساعدة على تمويل الجماعات والحركات السنية التي تعمل منذ أمد طويل في البحرين، كي تكون معارضة في مواجهة المعارضة. وقد كررت البرقيات المسربة من وزارة الخارجية الأمريكية هذه الشكوك (إن لم تؤكدها) في حالة واحدة من اثنتين من الجمعيات السياسية الرئيسية الموالية للحكومة في البحرين: الجميعة التابعة للإخوان المسلمين ألا وهي جمعية المنبر الإسلامي. 85

يستغل الديوان الملكي في الوقت نفسه ويزرع مخاوف السنة العاديين عبر صحيفة "الوطن" المتشددة التي يعتقد على شكل واسع بأنه وراء تمويلها. فنشرت هذه الصحيفة الاستفزازية في صيف العام 2011، حلقات من المقالات بعنوان "آية الله أوباما والبحرين" تشير فيها إلى جمعية الوفاق بـ"حزب الله البحريني"، وتقصد ظاهريا كشف التعاطف الأيديولوجي للرئيس الأميركي مع المسلمين الشيعة. وعليه تمت ترقية مؤلف الحلقات، التي لم تنتهِ إلا بعد احتجاج رسمي من قبل السفارة الأميركية، إلى رئيس تحرير تلك الصحيفة بعد عام من انطلاقة تلك المقالات. 86 واستقبله وزير الدفاع خليفة بن أحمد عند ترقيته، مشيدًا "بعمله الرائع في خدمة الوطن والمصلحة العامة من خلال تسليط الضوء على مختلف القضايا بشفافية في عموده اليومي". 87

وكما يقترح تقرير البندر الذي تم طرحه حسب ما تقدم في البحث، فإن استراتيجية الديوان الملكي تكمن في تأجيج الصراع المجتمعي بغية عرقلة المعارضة التي يقودها الشيعة - وفي صرف أنظار المواطنين السنة الذين يشتركون مع الشيعة في المظالم ذاتها - ويعتقد أن تلك الاستراتيجة مممتدة على نطاق واسع. ويتجلى الدليل على ذلك في الصور المؤلمة للأيام الأولى من انتفاضة شباط/فبراير.

تم تخويل ولي العهد الأمير سلمان قبل ثلاثة أيام من الفرض الحاسم للأحكام العرفية بالتفاوض مع أعضاء من المعارضة للتوصل إلى تسوية سياسية محتملة للأزمة. 88 في هذه الاثناء، انتهج البعض الآخر في الحكومة استراتيجية مختلفة جدا لتهدئة المتظاهرين، لا تختلف عن تلك التي تم توظيفها مسبقا بغية تخويف الشيعة الداعمين للإصلاحات الإدارية البريطانية. حاول الآلاف من المتظاهرين الشيعة في 12 آذار/مارس [تم ذلك يوم الجمعة 11 آذار/مارس، المترجم] الوصول إلى الديوان الملكي الموجود في المعقل التاريخي لآل خليفة والمأهول بالسنة أي منطقة الرفاع، فقابلهم عدد مماثل من الناشطين المؤيدين للحكومة، بعضهم مسلح بالسيوف والأسلحة البدائية، وبمساندة أفراد من الشرطة يرتدون الزي الرسمي.89 فأصيب المئات من المواطنين أثناء الاشتباك بالأيدي. ثم اشتبك في اليوم التالي [تم بعد ذلك بيومين، المترجم] العشرات من المدنيين المسلحين مع المتظاهرين في جامعة البحرين. إنّ هذه المواجهات المشحونة بالمشاعر الدينية والتي تم التقاطها على مقاطع فيديو وانتشرت عبر الإنترنت، كادت تصل إلى ذروتها وتفتح الطريق أمام أعمال عنف طائفية مفتوحة. وقد انتشر خبر يشير إلى أن ولي العهد قد اصطدم مع الشيخ خالد مباشرة، متهما إياه باستخدام بلطجية الحكومة لتخريب جهوده في حشد الدعم الشعبي لمبادرته الحوارية، 90 التي تخلى الملك حمد عنها بعد يوم واحد فقط. 91

وفي الترويج لأجندة موجهة أمنيًا ومقاومة للقيود الدستورية على سلطة العائلة الحاكمة، وجد الخوالد حلفاء كبارًا من شخصيات آل خليفة، بمن في ذلك المناهض الأساسي لفضيحة البندر، أحمد بن عطية الله، الذي يوصف بأنه يتمتع " بسلطات واسعة النطاق ". ويعتقد أن خليفة بن عبد الله، الذي ترأس جهاز الأمن الوطني في البحرين لفترة طويلة ويعمل الآن كمستشار أمني للملك حمد برتبة وزير، على تحالف وثيق مع المجموعة. 92 وأخيرًا قيل في التنافس الذي لا مفر منه على منصب رئيس الوزراء المقبل في البحرين - خليفة بن سلمان الذي يبلغ سبعة وسبعين عامًا- بأنّ الخوالد يستعجلون في ترشيح أحدهم وهو: نائب رئيس الوزراء الحالي خالد بن عبدالله. 93

إلا أنّ المغزى الحقيقي وراء بروز الخوالد في 14 شباط/فبراير لا يكمن في الاستحواذ المادي على السلطة من الفرع الحاكم لآل خليفة. بل هو في طبيعة الأجندة السياسية والأيديولوجية التي يتبنونها. وعليه يكمن هذا المغزى في الاحتواء الوقائي من الشيعة البحرينيين واعتبارهم بمثابة تهديد أمني مفترض بالإضافة إلى تعبئة السنة العاديين للمساعدة في هذا الاحتواء، والذي أثبت استراتيجية الاستدامة الذاتية للأزمة. ولكن بعد أن شحنت السلطة المواطنين لغايات خاصة بها باستغلال وتشجيع وجهات النظرالمناهضة للشيعة والمناهضة لإيران والمعادية للغرب، تواجه الدولة الآن ضغوطًا شعبية لإنهاء ما بدأته: لتنفيذ حملة واسعة النطاق على نشطاء المعارضة والذين حتى الآن لم يتم المس بهم من الزعماء السياسيين والدينيين، واتخاذ موقف أقوى ضد التدخل المزعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، والاستمرار في التعاون السياسي والعسكري مع مزيد من الجيران الأقوياء لدول مجلس التعاون الخليجي مثل المملكة العربية السعودية حتى لو أصبح هذا التعاون -اتحادًا شاملًا 94 - وذلك بغية تقوية نهج البحرين القائم على الأمن ضد الانتهازية الإيرانية، والضغوط الدبلوماسية الغربية. وفي ذات الوقت، إن عدم الرغبة الحكومية في تسوية سياسية مع المعارضة واستمرار قمع النشاطات الاحتجاجية يدفع المعارضين نحو تكتيكات أكثر تطرفًا من أي وقت مضى في سبيل 'المقاومة' و 'الدفاع عن النفس'، مغذيًا ذلك دائرة التدمير. 95

إنّ سياسة الاستدامة الذاتية للأزمة أدت إلى نتيجة ثانية غير مقصودة وأكثر اندفاعًا وهي الصحوة السنية التي تدعمها الدولة في البحرين. وفي حين تم تنظيم العديد من الائتلافات لحث الدولة على الرد بقوة أكبر على الاحتجاجات، اغتنم البعض الآخر مناسبة الانتفاضة لإعادة التفاوض حول الدور السياسي للسنة في البحرين بشكل أعم. ونتيجة عدم اقتناعهم بالوظيفة التقليدية للمجتمع كونه 'قسم احتياط' سياسي، 96نهضت الحركات الشعبية مثل تجمع الوحدة الوطنية وصحوة الفاتح للتعبير عن أهداف سياسة حقيقية لم تقدمها الجمعيات السياسية الإسلامية السنية الموجودة في البحرين. وحتى الآن، أظهرت هذه الحركات الجديدة قابلية بسيطة للمواجهة المباشرة مع الدولة، لكنها مع ذلك تشترك مع المعارضة في العديد من المظالم. وعلى حد قول أحد مؤيدي تجمع الوحدة الوطنية: "نحن لسنا مع الحكومة، بل نتحالف معها بشكل مؤقت".97

بالتالي إن تحويل السياسة إلى مسألة أمنية في البحرين ليس مجرد نهج ذاتي تعزيزي بل هو أمر يمكن فرضه بشكل غير متناسب على الأعضاء المخالفين من الأسرة الحاكمة، من خلال منع الخيارات البديلة. وبغية عدم الاستجابة للمطالب السياسية لبعض المواطنين، استغل ذوو التوجهات الأمنية من آل خليفة بمهارة مخاوف الآخرين، سواءً بشكل غير مباشر عبر وسائل الإعلام أو مباشرة من خلال رعاية مجموعة مماثلة لهم في المجتمع. إلا أنهم باتباع سياسة محاربة النار بالنار، لم يحققوا سوى اشتعال أكثر عنفًا وأوسع نطاقًا. إذ إنّ المطالب المعتدلة نسبيًا التي تنادي بها المعارضة الرسمية - الإصلاح بدلًا من استبدال النظام الملكي - يتم رفضها مع مرور الوقت من قبل الشباب والمجتمع الشيعي الآخذ في التطرف، الذين تأثر معظمهم بعشر سنوات من المواجهة العنيفة مع الدولة. نشأت بالإضافة إلى ذلك، مجموعتان حديثتا البروز من السنة - الأولى تطالب بتدابير أمنية أكثر تشددًا، بينما تصر الأخرى على صوت سياسي أعلى، وكلتاهما تشكلان خطرًا معتبرًا. أمّا الدولة فشنت حملة جديدة ضد المعارضة السياسية لكي تحرج المجموعة الثانية من السنة إلّا أن هذه السياسة لا تؤدي إلّا إلى تفاقم الأزمة.

ختامًا، قد يكون الملك حمد منفتحًا على تسوية سياسية مع المعارضة الرسمية على غرار مبادرة ابنه في آذار/مارس 2011. إلا إنه إن لم يثق بقدرة جمعية الوفاق على إقناع القاعدة الشيعية التي تشعر بخيبة أمل [إقناعها] بجدوى المبادرة، ولا يثق بقدرته هو شخصيًا على الصمود في وجه عاصفة من احتاجاجات الأعضاء الأقوياء من العائلة الحاكمة وكذلك من قاعدة الدعم التقليدية للدولة - في ظل هذه الظروف- من المرجح أن يتخلى الملك حمد عن الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية خوفا من أن يكون العلاج أسوأ من المرض. على المرء ألا يكون ملكًا إذن، لفرض اتجاه سياسته.


 الخلاصة: تجربة البحرين غير المكتملة.

إنّ عملية التغيير في المعتقد السياسي التقليدي الذي تم الترويج لها، إن لم يكن تم اختراعها، من قبل خوالد آل خليفة تشكل بُعدًا خطيرًا للأزمة السياسية الحالية في البحرين إلّا أن هذا البعد مستخف به حتى اليوم. بل إنه سبب الجمود الذي امتد طوال عقد من الزمن الذي امتاز به عهد الملك حمد بن عيسى والذي أدى إلى أحداث شباط/فبراير 2011. إنّ التحرر السياسي والاقتصادي الذي اتبعه الملك حمد كان يهدف في حد كبير إلى إضعاف المنصب الراسخ لعمه رئيس الوزراء، وسمح لحلفائه المفوضين حديثًا بتنفيذ أجندة تتحرك أيديولوجيا وبالضبط ضد مبادرة حمد في الإصلاح.

عمل الخوالد وغيرهم من أفراد الأسرة الحاكمة ذوي العقليات الأمنية بقيادة الأخوين خليفة وخالد بن أحمد على تنفيذ تدابير وقائية تهدف إلى معالجة مشكلة "الأمن الوطني" المتمثلة في شيعة البحرين المدفوعين دينيًا برعاية إيرانية. فالساسيات الديمغرافية، وهندسة الانتخابات، بالإضافة إلى استبعاد الشيعة من القوات المسلحة والوزارات السيادية، وحشد المواطنين السنة العاديين ضدهم - كانت خطوات استباقية من شأنها أن تحمي الدولة في حال فشل المشروع الإصلاحي للملك حمد في تحقيق الاستقرار السياسي الذي وعد به.

أمّا الآن بعد أن اختبرت الجدوى التكتيكية لهذه الاستراتيجية، وعواقبها التدميرية غير المحسوبة التي أدت إلى انتفاضة 14 فبراير، تغرق العائلة الحاكمة في البحرين في صراع كي تعيد النظر في حساباتها السياسية، بل الأهم من ذلك كيف يمكن أن تخرج من الحلقة المفرغة التي أدخلت نفسها فيها.

النظرة الأحادية الحالية للحكومة تركز على الشرطة بدلًا من الإصلاح السياسي - أجندة تتضمن توظيف مستشاري شرطة غربيين رفيعي المستوى ووضع قانون شرطة جديد للسلوك، ومقاضاة بعض الضباط ذوي الرتب المنخفضة متهمين بارتكاب انتهاكات، بل وتتضمن أيضًا "مختبر طب شرعي من أحدث طراز" 98 - إنّ هذا التركيز يشير إلى أن تحويل "الأزمة الشيعية" إلى أزمة أمنية في البحرين سيطول. إنّ بقاء "الأزمة الشيعية" في الإطار الأمني قد يعني أن الملك حمد قد خسر معركة آل خليفة الداخلية حول التوجهات السياسية، أو أنه تحول إلى فكرة من ينادي بالحل الأمني99. بيد أنّ النتيجة هي ذاتها في كلتا الحالتين: ففي غياب التغيير الأساسي في الاستراتيجية أو علاقات القوة، سوف تسعى السلطة البحرينية لاحتواء حركة الإصلاح التي يقودها الشيعة في المقام الأول ضمن إطار أمني لا سياسي، معتبرةً أن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تلك الوسائل.

بطبيعة الحال، من الواضح أن هذه الخلاصة، بل الدرس الأكبر الذي من المفترض أن يكشفه أحدث تمرد يقوده الشيعة في البحرين هو هذا الانقسام الزائف. فخلافًا لما يعتقده ذوو العقليات الأمنية من آل خليفة، إن الانتفاضة لم تكن لتثبت عدم جدوى الإصلاح السياسي مقابل القمع السياسي، ذلك لأنّ الإصلاح السياسي الحقيقي - لم يتم اختباره فعليا على الإطلاق. ومنذ صدور دستور عام 2002، الذي لم يتراجع فقط عن التعهدات الديمقراطية السابقة للملك حمد بل أطلق سياسات إضافية تهدف إلى تهميش نفوذ الشيعة، بقي بلاط البحرين الملكي ساحة صراع لمن تدعو مصالحهم السياسية الخاصة إلى التغيير، وبين من تتجذر مصالحه المادية في الوضعين السياسي والاقتصادي الراهنين، وبين من توصي توجهاته الأيديولوجية برؤية مختلفة تمامًا. ومن المحتمل أنهم بسعيهم المتواصل للسلطة السياسية المطلقة لن يعدل الشيعة في البحرين عن نشاطهم مقابل وعد بفرص اقتصادية أو مقابل دور متساو وفعّال في المجتمع والسياسة. رغم ذلك، وحتى الآن لا سبيل للمرء لمعرفة ذلك.

 

هوامش:

(78) هيومن رايتس ووتش، "لا عدالة في البحرين"، هيومن رايتس ووتش، 28 شباط/فبراير 2012.

(79) مقتبس من غينلغر، "الجانب الآخر من التطرف في البحرين"، السياسة الخارجية، 15 تموز/يوليو 2011.

(80) تم الإبلاغ عن مقتطفات إنجليزية موسعة من المقابلة يقول وزير الدفاع، " تحتج البحرين على "مؤامرة انقلابية"، "، أخبار الخليج، 15 شباط/فبراير 2012.

(81) بطبيعة الحال، لا يمكن إنكار دور الولايات المتحدة في تشجيع هذا الإنفاق على الأمن والنهج الأمني الأكبر للسياسة البحرينية على حساب الصراع مع إيران. يتطلب هذا الموضوع تحقيقا منفصلا خاصا، ومع ذلك، ولم يتم التطرق إليه هنا بشكل كامل.

(82) كامبانيس، "حملة في البحرين تلمّح عن وضع حد للإصلاحات"، نيويورك تايمز، 26 آب/أغسطس 2010. 85 المجموعة الدولية لمعالجة الازمات، "الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (الثامنة): طريق البحرين الوعر نحو الإصلاح"، تقرير الشرق الأوسط 111 (6 نيسان/أبريل، 2011)، ص. 12.

(83) غينلغر، "الجانب الآخر من التطرف في البحرين"، 15 تموز/يوليو 2011. الكاتب، يوسف البنخليل، متورط أيضا في تقرير صلاح آل بندر بأنه قد دُفع له لكتابة مقالات ضد الشيعة.

(84) "القائد العام لقوة دفاع البحرين يستقبل رئيس التحرير الجديد لجريدة الوطن"، وكالة أخبار البحرين، 10 تموز/يوليو 2012.

(85) كينينمونت، "البحرين: ما وراء الطريق المسدود"، المعهد الملكي للشؤون الدولية، حزيران/يونيو 2012، ص. 5.

(86) "محتجو البحرين في مسيرات اثناء زيارة غايتس"، صحيفة واشنطن بوست، 12 آذار/مارس، 2011.

(87) ليفينسون، "شرخ ملكي في الخليج يربك القاعدة البحرية الامريكية الأساسية"، 21 شباط/فبراير 2013. الشيخ خالد متهم أيضا بالتوسط للتدخل العسكري الخليجي بقيادة السعودية في اجتماع في الرياض مع وزير الداخلية نايف ثم بن عبد العزيز. ويشير البعض الآخر إلى خليفة بن سلمان. انظر مثلا " الخوالد: بذرة الشر (2-2)، مرآة البحرين، 27 شباط/فبراير 2012.

(88) كينينمونت، "البحرين: ما وراء الطريق المسدود"، حزيران/يونيو 2012، ص. 5.

(89) المرجع نفسه، ص. 6.

(90) مقابلة مع عضو من الوفاق، الدوحة، كانون الثاني/يناير 2013. بالطبع، فإن التعيين المفاجئ لولي العهد الأمير سلمان في منصب "النائب الأول لرئيس الوزراء" في آذار/مارس 2013 يبدو أنه يخفف من احتمالات الخلافة للنواب الثلاثة الحاليين. انظر 
" الملك يصدر مرسوما ملكيا بتعيين صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير بصفة النائب الأول لرئيس مجلس الدولة"، وكالة أنباء البحرين، 11 أذار/مارس 2013.
(91) انظر "نحو 'كيان واحد' في الخليج: محادثة مع جين كينينمونت".، دائرة العلاقات العامة للسعودية والولايات المتحدة، 16 تموز/يوليو 2012.

(92) انظر، مثلا كينينمونت، " البحرين لا تزال عالقة "، السياسة الخارجية، 15 آب/أغسطس 2012.

(93) وفقا لكاتب في صحيفة الوطن. مقتبس غينلغر، "الصحوة السنية في البحرين"، 17 كانون الثاني/يناير، 2012.

(94) مقتبس في كينينمونت، "البحرين: ما وراء الطريق المسدود"، حزيران/يونيو 2012،ص. 8، الملاحظة 26.

(95) انظر، مثلا Ulrichsen، "الدرع المجوف للإصلاح الأمني في البحرين"، السياسة الخارجية، 12 نيسان/أبريل 2012.
أو، في المقابل، انه د تراجع ببساطة عن التورط المباشر في صنع القرار

(96) وفقا لكاتب في صحيفة الوطن. مقتبس في غنغلير، "الصحوة السنية في البحرين"، 17 كانون الثاني/يناير ، 2012.

(97) مقتبس في كينينمونت، "البحرين: ما وراء الطريق المسدود"، حزيران/يونيو 2012،ص. 8، الملاحظة 26.

(98) انظر، مثلا Ulrichsen، "الدرع المجوف للإصلاح الأمني في البحرين"، السياسة الخارجية، 12 نيسان/أبريل 2012.

(99) أو، في المقابل، انه تراجع ببساطة عن التورط المباشر في صنع القرار.

جستين غينغلر: الشقاق الملكي، والخوالد، وتحويل "أزمة الشيعة" في البحرين إلى مسألة أمنية "1-5"
جستين غينغلر: جذور سياسة الخوالد في تحويل "أزمة الشيعة" في البحرين إلى مسألة أمنية "2-5"
جستين غينغلر: صعود الخوالد في عهد حمد "3-5"
جستين غينغلر: السياسات الأمنية الاستباقية للخوالد توتر علاقات السنة والشيعة 4-5



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus