» رأي
ليس فقط هرمنا بل سئمنا من التقدمية السلفية
محمد نجم - 2011-06-05 - 10:39 ص
محمد نجم*
ليس أسوأ من السلطة إلا الليبرالية المرتاحة، التي فجأة هبطت عليها من السماء فرصة تهمة ولاية الفقيه من قبل الدولة ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية، لتقوم الفرقة الليبرالية بالعزف عليها مع إدراكها الواضح بل ربما بسبب هذا الإدراك، أنها لا تفعل غير تقديم الغطاء الإيديولوجي لدوران آلة إرهاب الدولة في الترويع وقطع الرزق فيما تستمر الليبرالية في التنديد بمشروع "ولاية الفقيه" في إطار بروباغندا دولة الكذب التي لم تقدم حتى الآن أي دليل آخر على دعاواها. و لماذا تقدم مثل ذلك أصلا إذا كان هناك من لديه استعداد فقط بمحاكمة النيات ليعتبر هذا دليلا أكثر من كافيا لإدانة الثورة باعتبارها انقلابا فارسيا.
أما محمد جابر الأنصاري فنفرده – مع اختلافنا – على حدة بعيدا عن هؤلاء المتمرنين، فهو للأمنة أكثرهم احتراما فبحكم كونه باحثا حقيقيا جادا ومرموقا، لا مجرد هاو من المتخمين بالكتب وحفاظ الاقتباسات دافع أصلا عن مشروعه الذي طالما آمن به وهو أن الواقع العربي غير مؤهل للثورة الديمقراطية، حيث أن تاريخ العرب بحسب الأنصاري أثبت أن العصبيات تغلب على كيان الدولة وأن العرب الذين برعوا في العلوم والفلسفة والأدب، فشلوا في السياسة بسبب أن بنية كياناتهم بنية قائمة على العصبيات والغلبة لا على الدولة، وهذا فيتو مسبق على كل ثورة حتى إنه كتب مؤخرا أن أفضل ما حصل عربيا في هذه الفترة من تقدم في عملية الإصلاح هو ما أدخله الملك عبد الله في المملكة العربية السعودية من إصلاحات تدريجية.
لعل من أهم عيوب هذا المشروع أنه لا يقيم وزنا إطلاقا لإرادة الناس في تغيير البنيات القاهرة وتكاد تصل معه إلى حلقة مفرغة ونتيجة مضحكة مفادها أن من الضروري أن يكون وجود الديمقراطية سابقا على المطالبة بها في المجتمع، لكنه في كل الأحوال كباحث محترم يتحاشى الإساءة لأي مكون من مكونات الشعب كما أنه لا يسعى إلى غائية سياسية تلوث كتابات من سواه ممن سنسميهم بالليبرالية السلفية.
مبرر هذه التسمية هو أن أول مرة ذكر فيها موضوع اتهام الحركة المطالبة بالتغيير أنها "حركة شيعية مطالبة بدولة ولاية الفقيه مدعومة من إيران" لم يكن ذلك على لسان هؤلاء الكتاب بل على لسان الدولة وتجمعها (الوحدة الوطنية) الذي يرأسه عراب الطائفية المتوج عبد اللطيف المحمود. وإنه لمن المعيب حقا على كتاب قضوا شطرا من حياتهم في البحث والتحليل والمتابعة أن تكون كتاباتهم مجرد تنظير لفكرة سبق أن طرحتها الدولة قبلهم في أطروحة أمنية غير فكرية ضد الاحتجاجات ليأتي هؤلاء بين ليلة وضحاها فيصوغوا لها معمارا نظريا وكأن اكتشافها كان من بنات أفكارهم في حين كان من المفترض أن يسبق تحليلهم النظرية الأمنية للدولة ولا يتلوها.
وفي كل كتابات هؤلاء برغم اختلاف العبارات جاءت التصنيفات سهلة وكأنها تكتب بقلم واحد من كل من إسحاق آل الشيخ ويوسف الحمدان وعبدالله خليفة وبدر عبد الملك وعبد الرحمن عثمان وفوزية رشيد وعلي الشرقاوي ولحق بهم من الكويت د.أحمد الخطيب ود. محمد الرميحي ود. عبدالله النفيسي في تشكيلة عجيبة جمعت القومي على السلفي على اليساري في اصطفاف طائفي واضح لم ينصف الحركة إلا ريثما ينتزعها انتزاعا من سياقها ويقذف بها في حضن إيران عنوة وظلما واصفا شبان وشابات الاحتجاجات في أحسن الأحوال أنهم مغرر بهم ومسيرون مقدما بذلك الضوء الأخضر من الليبرالية السلفية لمزيد من الفتك بالناس في أرزاقها وأعناقها.
والغريب أن بعض هذه الأقلام وهي تحذر مما تدعوه ثورة ثيوقراطية صفوية وتسمي بالاسم دون تورع رموزا دينية ضاربة بعرض الحائط أدنى معايير احترام أمن الناس وسلامتهم ومراعاة خطر استعداء الدولة عليهم، لم تقل كلمة واحدة بشأن ما يطلق في الجانب الآخر من دعوات القتل المعلن لطائفة كاملة من الناس ولم تبذل من الجهد في الرصد والتحليل "الفكري" ما يفكك هذا الغول الناشيء من تحالف إرهاب الدولة والثيوقراطية السلفية، لا بل إن بعض هذه الكتابات كال المديح لزعيم تجمع الوحدة الوطنية ومكونات هذا التجمع فيما قابل بالإزدراء والسخرية التجمع المعارض في ميدان اللؤلؤة. وفي مقال ضمن سلسلة يكتبها بدر عبد الملك في الأيام يصف وجود نساء الدوار بالمأجور والمغرر به أما حضور نساء تجمع الفاتح فإثبات وجود للمرأة.
إن اليسار البحريني النبيل الذي كانت له دائما في تاريخه فضيلة تشرفه على الحركة الدينية وهو أنه دافع عن عناصرها "فأوذي فيها ولم تؤذ فيه" يقدم اليوم للأسف الشديد أسوأ ما لديه عبر تحولات عناصره إلى الليبرالية المتحالفة مع السلفية لهزيمة وهم لا يوجد إلا في خيالاتها عن "خيول المهدي المنتظر مدعومة بنصرة شباب البحرين وجيوش إيران تخرج من الدوار لتغزو الكرة الأرضية".
*كاتب بحريني