«مطبخ» كراجيسكي في المنامة
2013-07-31 - 8:54 م
مرآة البحرين (خاص): خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، أذاع تلفزيون البحرين الرّسمي إعلاناً ظريفاً يظهر سفير الولايات المتحدة في المنامة توماس كراجيسكي مرتدياً مريلة حمراء للطبخ. وقال إنه يستعد لاستقبال كراجيسكي في سياق برنامج للطبخ ضمن خريطة برامجه لشهر رمضان الحالي [1].
لكنّ ما بدا على أنه خبر «ظريف» يصلح لأن يحتلّ صفحات التسلية في الجرائد، سرعان ما تحوّل إلى مناسبة لانطلاق الجدل حول دور السفير الأميركي ومهاجمة سياسات بلاده في البحرين من قبل موالين للحكومة.
ففي رد فعل على ذلك، أبدى النائب البرلماني الممثل عن كتلة جمعية المنبر الإسلامي المقرّبة من الديوان الملكي البحريني محمد العمادي، خلال جلسة للبرلمان 11 يونيو/ حزيران 2013، رفضه ظهور السفير الأميركي على الفضائية البحرينية.
وصرّح «نرجو إبعاد السفير عن هذه البرامج وتكفينا طبخاته المدسوسة» [2].
كما شنت شخصيات حليفة للسلطة هجوماً على هيئة شؤون الإعلام، احتجاجاً على سماحها بمشاركة كراجيسكي في البرامج الرمضانية.
تمثل التعليقات الواردة على هذا الإعلان جدلاً يتجاوز مطبخ الطعام خلال الشهر الكريم. إنها تمتدّ إلى مطبخ السياسات في هرم السلطة وردود فعل صانعي القرار على السياسات الأميركية.
إن واشنطن ضالعة في «مؤامرة» على البحرين. وكراجيسكي يدرّب المعارضين في السفارة على كيفيّة الإطاحة بنظام الحكم. هذه عينة من «المانشيتات» التي يمكن أن تصادفها بشكل يومي في وسائل الإعلام التابعة إلى النظام في المنامة منذ اندلاع موجة احتجاجات 14 فبراير/ شباط 2011.
تبدو الأمور مقلوبة. فالحليف الأميركي خارج حلف شمالي الأطلسي ومقرّ الأسطول الخامس منذ العام 1995، يطوّر شيئاً فشيئاً مقاربة تتسم بالعدائية، وتقترب من الخطاب الشعبوي المناهض للولايات المتحدة.
وكأمثلة على ما يمكن اعتبارها أوقاتاً «ملتبسة» تمر بها العلاقة بين البلدين، كشفت دراسة حديثة لمعهد «كارنيغي» 6 فبراير/ شباط 2013 أن السلطات البحرينية رفضت خلال الأحداث «منح إذن للولايات المتحدة بوضع طائرات حربية على أراضيها. ما اضطرّها لنقل الطائرات إلى دولة خليجية أخرى» [3].
بينما قالت صحيفة محلية ناطقة بلسان حال رئيس الحكومة هذا الشهر 19 يوليو/ تموز الحالي إن «الممثل الخاص للرئيس الأمريكي أوباما إلى منظمة المؤتمر الإسلامي رشاد حسين غير مرغوب به في البحرين». وأوضحت بأنه «طلب أن يقوم بزيارة للبحرين للالتقاء بعدد من الوزراء، إلا أن السلطات البحرينية المسئولة أبلغته أن الوقت الحالي غير مناسب لزيارته» [4].
«عقدة» كراجيسكي
يشكل كراجيسكي الذي عين سفيراً للولايات المتحدة العام 2011 ذروة الانزعاج من دور واشنطن. خلال جلسة الاستماع التي نظمها الكونغرس الأميركي 21 سبتمبر/ أيلول 2011 للقبول بتعيينه سفيرا في البحرين، قدم كراجيسكي مطالعة رأى فيها أن «الاستقرار في البحرين على المدى الطويل يتوقف على معالجة المظالم المحلية، ليس من خلال القمع، وإنما من خلال إصلاح حقيقي» [5]. وقال إنه يتوقع «من الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان المساءلة عن الانتهاكات ومنع أي تكرار لها».
لكن حكومة المنامة قرأت في ذلك إشارة شؤم من سفير يفتتح بها أوّل عهده.
منذ ذلك الحين دأب مسئولون على تقديم كراجيسكي أنه «صديق للمعارضة». ويجري تعريضه بموجب ذلك، إلى شرشحة يوميّة في الإعلام المملوك للسلطة، بطريقة لايكاد يضاهيها في العداء أي طرف شعبي. وقد تطوّر الأمر إلى تبني الحكومة في 5 مايو/ أيار 2013 مقترحاً يدعو إلى «وقف تدخلات السفير الأميركي في شئون البحرين» ولقاءاته مع من وصفتهم بـ«مثيري الفتنة» [6].
وصرحت ناطقة باسم الحكومة «إن البحرين ستلتزم بالاتفاقيات الدولية في التعامل مع السفير الأمريكي وستطبق اتفاقية جنيف الدولية لسنة 1991 التي تنظم ذلك».
كما حذر رئيس البرلمان خليفة الظهراني الأخ بالرضاعة لرئيس الوزراء البحريني منذ 40 عاماً خليفة بن سلمان آل خليفة من الولايات المتحدة التي اعتبرها «دولة تضمر الشر» [7]. ورأى في تصريح 13 يوليو/ تموز الجاري أن «اللوبي الأكبر في الكونغرس الأمريكي إيراني وأن (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة) هيلاري كلينتون حاربت البحرين» على حد تعبيره.
وخلال شهر أبريل/ نيسان الماضي اشتكى كراجيسكي إلى وزيرين في الحكومة من تعرضه إلى التهديد في صحيفة مملوكة إلى الديوان الملكي [8].
وجاء في افتتاحية لصحيفة «الوطن» التي تعبر عن لسان وزير الديوان خالد بن أحمد آل خليفة في 7 أبريل/ نيسان 2013 «إذا كانت الحكومة عاجزة عن إيقاف تدخلات السفارة الأمريكية في المنامة، فإن هناك وسائل أخرى ناجعة أكثر لإيقاف هذا التدخل في مصالحنا الوطنية» [9].
وأشارت إلى أن «الدبلوماسيين في السفارة يعرفون جيداً ما هي هذه الوسائل التي لم تفتح بابها بعد».
وسط ذلك، يتناقل السياسيون قصصاً تدلل على حال الجفاء الآخذ في الاتساع بين القصر وكراجيسكي. وأفاد مرجع معارض، وهو برلماني سابق عن إحدى الجمعيات التي تمتلك علاقة جيّدة مع السفير الأميركي بأن «الملك رفض طلبات متكرّرة للقاء بكراجيسكي منذ أشهر».
الأمر الذي دعا ضابطاً سابقاً في المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، وهو إميل نخلة، إلى التحذير في تصريح 11 يوليو/ تموز الجاري من أن «البحرين تجازف بعلاقتها مع الولايات المتحدة بمواصلة إهانة كراجيسكي» [10].
لكن لتفادي ذلك، توظف البحرين حيلة معروفة تعتمد على نوع من السياسات الشعبويّة: دعهم يقولون ذلك بدلاً منا!
إلى الرئيس أوباما
يقدم «تجمع الوحدة الوطنيّة»، وهو تكتل سياسي للموالين أنشيء العام 2011 بإيعاز من السلطة من أجل كسر موجة احتجاجات 14 فبراير/ شباط وإغراقها في المشاكل الطائفيّة، الرواية الأكثر شموليّة للاتجاه العام السائد في كواليس الحكم إزاء أميركا. فقد دشّن في منتصف يونيو/ حزيران الماضي عريضة شعبيّة موجهة إلى الرئيس أوباما تطالب بوضع حدّ لنفوذ كراجيسكي وطرده.
وقال رئيسه رجل الدين الشيخ عبداللطيف المحمود الذي يواظب على الصلاة في أحد الجوامع بمنطقة «الحِد» شرقيّ المنامة، ويقود ائتلافاً باسم الجمعيّات السنية رافض لأيّ حل يقلص من تركّز السلطة بيد العائلة الحاكمة «إن مؤامرة 2011 نبهت الشعب بحقيقة ما يحاك ضد المملكة، وقد دشنّا عريضة شعبية لتغيير السفير الأمريكي في البحرين» [11].
وأوضح في تصريح 8 يوليو/ تموز الجاري بأن «حملة جمع التوقيعات ستستمر طيلة شهر رمضان، وسيتم إرسالها رسميا للرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد رمضان» [12].
وتَعتبر العريضة التي يجري توقيعها في نحو 24 مركزاً تتوزع على أربع من أصل خمس محافظات أن هناك «انحيازاً واضحاً في موقف الإدارة الأميركية مع الطرف الذي قاد الأزمة السياسية» في إشارة إلى المعارضة [13]. كما تفترض في ديباجتها أن «المعلومات التي تصلكم من سفارتكم لها الأثر الكبير في المواقف المتخذة من إدارتكم ضد مملكة البحرين» [14].
وتنتهي بدعوة أوباما إلى «سحب السفير توماس كراجيسكي فوراً وتعيين بديلٍ عنه». ما هي احتمالات حدوث ذلك؟ ربما يصعب التكهن بذلك. لكن هذا هو المزاج الآن لدى نخبة الحكم في المنامة.
1. "مطبخ" السفير الأمريكي يثير جدلاً في البحرين
2. سفير أميركا لدى البحرين في مرمى النيران ثانية
3. الحليف غير المستقرّ: مأزق البحرين وسياسة الولايات المتحدة
5. NOMINATIONS OF THE 112TH CONGRESS--FIRST SESSION
6. سميرة رجب: مجلس الوزراء وافق على اتخاذ إجراءات لوقف تدخلات السفير الأميركي في الشأن المحلي
7. الظهراني: اللوبي الأكبر في الكونغرس الإمريكي إيراني... وهيلاري كلينتون حاربت البحرين
9. السفارة الأمريكية ورشاد حسين
10. إميل نخلة: الحكومة البحرينية تجازف بعلاقتها مع واشنطن بمواصلة إهانة «كراجيسكي»
11. تدشين عريضة شعبية لتغيير السفير الأمريكي بالبحرين
12. استنساخ «تمرّد» بالبحرين مصيره الفشل
13. اسماء مراكز توقيع العريضة الشعبية المناهضة لوجود السفير الامريكي
14. العريضة الشعبية لسحب السفير الامريكي في البحرين
- 2024-11-25هل تُقفل السلطة ملفات الأزمة في ديسمبر 2024؟
- 2024-11-13صلاة الجمعة.. لا بيع أو شراء في الشعيرة المقدّسة
- 2024-11-13ملك المستعمرة أم ملك البحرين: كيف تتعامل المملكة المتحدة مع مستعمرتها القديمة؟ ولماذا لم تعد تثير أسئلة حقوق الإنسان على فارس صليبها الأعظم؟
- 2024-11-05الجولة الخائبة
- 2024-11-03هكذا نفخت السلطة في نار "الحرب" على غزة كتاب أمريكي جديد يكشف دور زعماء 5 دول عربية منها البحرين في تأييد عمليات الإبادة