» رأي
سوسن الشاعر مع استيفني: أسئلة كاذبة وأجوبة صادقة
سيرين أحمد - 2011-06-04 - 7:57 ص
سيرين أحمد*
حسنا فعل تلفزيون البحرين باستضافة (ستيفني وليمز) القائمة بأعمال السفير الأمريكي، وذلك باعتبار أمريكا طرفاً خارجياً يمثل دولة صديقة وحليفاً استراتيجياً للبحرين، وباعتبار ستيفني (المتحدثة بالعربية بطلاقة) ملمة بالشأن البحريني بسبب وجودها في البحرين خلال فترة التسعينيات بشكل عام، وعملها الرسمي الحالي بشكل خاص. الأمر الذي يجعلها شاهداً مقيماً ومعايشاً للحدث، لا عابراً.
أقول، كان من الجيد لستيفني، أن تشهد بنفسها، وعبر التجربة المباشرة، المستوى الذي انحدر إليه الإعلام الرسمي في البحرين؛ كيف تحول هذا الجهاز إلى ساحة محاكمات هزلية. يهاجم فيها ويتهم ويحاكم أي طرف لا يقتبس الحقيقة من فم روايته الرسمية. سيكون مطلوباً من كل العالم أن يكذّب كل الشواهد والمعطيات والأدلة ويصدق الرواية التي يرددها النظام الناظم للحقيقة الواحدة، وإعلامه الرسمي بسذاجة، وإلا سيحكم عليه أنه شريك في المؤامرة ومشبوه وصاحب أجنده مغرضة.
***
سوسن الشاعر في برنامجها كلمة أخيرة، وعبر تمثيلها الكامل للصوت الرسمي والمزايدة عليه، وعبر محاسبتها الآخرين من خلال هذا الصوت بصلاحية كاملة ومطلقة، حاولت في هذا اللقاء عبر طرق حجاجية مستهلكة، التأثير على الموقف المبدئي لمحدثتها، وحرفها باتجاه إدانه الاحتجاجات الشعبية والمعارضة السياسية تارة، وإدانة الإدارة الأمريكية في تصريحها الأخير تجاه البحرين تارة أخرى. استخدمت لذلك مخزون من الشحن والتشويه والاجتزاء والابتسار للصور والمواقف والشواهد.
الحجج التي قدمتها الشاعر في مواجهة واتهام ضيفتها، بدت في مستوى ركيك وهش. والاستراتيجيات التي استخدمتها لذلك هي من النوع الذي يستخدمها البسطاء من العامة في محاججاتهم ومماحكاتهم تجاه بعضهم الآخر، حين يلجأ أحدهم إلى طرف محايد يحاول ثنيه عن رأيه السابق وكسب تعاطفه معه أو اتهامه بالتواطؤ. وهي استراتيجيات مقبولة شعبياً وجماهيرياً، لكن أن تستخدم في اعلام رسمي يخاطب جانب رسمي، فهو أمر مضحك بقدر ماهو مخجل.
أنا أعرف أكثر منك
من المضحك مثلاً أن يتعامل جهاز مثل تلفزيون البحرين مع الادارة الامريكية، باستراتيجية "أنا أعرف أكثر منك". وهي استراتيجية ساذجة ليست فقط تتهم ذكاء الأخيرة، بل تهينها، وكأن أمريكا، الدولة الكبرى، والحليف الاستراتيجي الذي اختار البحرين مقراً لقاعدته العسكرية، كانت ستدين النظام (الحليف) دون أن تكون على إلمام كاف بما يدور في الداخل. وكأن تلفزيون البحرين الذي صار متخصصاً في المحاكمات الهزلية والتعويمات الكيدية، يمتلك من المعلومات والاثباتات والدلائل ما لا تمتلكه الأخيرة (الجاهلة). وكأنه عن طريق عرض المشاهد المبتسرة من سياقاتها، سيفاجئ الطرف الأمريكي بما لم يكن يعرفه عن أحداث فبراير، أو عن جمعية الوفاق مثلاً.
المضحك أكثر، أن (ستيفني) لم تكن تبدي اندهاشاً لما كانت الشاعر تعرضه بحماس شديد. وكان واضحاً إلمامها بسياقات المشاهد وخلفياتها التي تُعمِّد تغييبها. هذه اللامبالاة أربكت الشاعر التي كانت تتوقع أن تجر مضيفتها للنطق بحكم مبتسر يناسب المشهد المبستر ويخدم الرواية الرسمية.
لامبالاة (ستيفني)، كانت تزيد من ارتباك الشاعر، وتجعلها تكرر سؤالها في كل من مرة: "هل شاهدت هذا من قبل؟" فيأت جواب الاخيرة ليؤكد، وبامتعاض بدأ يظهر عليها بعد التكرار الممل: "نعم وشاهدت أكثر من هذا أيضاً". عبر هذا الجواب كانت ستيفني تريد أن تؤكد لمضيفتها، أنها واعية للعبة تماماً، وأن الموقف الرسمي الأخير لم يأت عبثاً. لهذا كانت تتجاهل ما استماتت الشاعر أن تثبته من لاسلمية الحركة، واستمرت تؤكد: "ندعم دعوات الشعب العربي إلى الكرامة والشفافية ومحاسبة حكوماتها، وندعم الحكومات التي تستجيب لطلبات الاصلاح"
ماذا ستفعل لو كنت مكاني؟
الاستراتيجية الثانية: "ماذا ستفعل لو كنت مكاني؟". وهي استراتيجية يستخدمها العامة في محاججاتهم. اذ يوجه هذا السؤال لطرف محايد يراد أن يحصل منه على جواب يؤيد السائل ويحج به خصمه، ليثبت أن الحق معه فيما فعل.
لكن هل أحرزت الشاعر ما كانت تتوقعه من تأييد الطرف المحايد الذي هو أمريكا في هذه الحالة؟ اليكم أسئلة الشاعر وإجابات ستيفني:
■ ماذا ستفعلون لو أن متجمهرين تواجدوا في أماكن حساسة؟ الجواب: نحن لدينا يومياً تجمهرات عند البيت الأبيض وعند الكونجرس وفي الساحات العامة.
■ ماذا ستفعلون لو أن جماعة متطرفين أو حزب قالوا إننا نريد جمهورية كاثوليكية (في إشارة إلى دعوة التحالف من أجل الجمهورية التي تعمدت الشاعر إضافة كلمة إسلامية لها لاستفزاز جانب الرفض من قبل الطرف الأمريكي)؟ الجواب: أعتقد أن هذا السؤال افتراضي.
■ ماذا ستفعلون لو أن جماعة احتلت مكاناً مركزياً وبقت فيه شهر كامل؟ الجواب: التجمهر السلمي حق مشروع.
■ ماذا ستفعلون لو ذكر مذهب رئيس الولايات المتحدة في كل يذكر فيها اسمه كما تفعل تقاريركم مع الحكم البحريني السني في كل مرة؟ الجواب: طبيعي جداً، نحن لا نخفي انتماءاتنا.
■ ماذا ستفعلون مع الجماعات التي لها أجندات لاحداث انقلاب أو التخابر مع دولة أخرى؟ الجواب: في أي مجتمع ديمقراطي نتعامل مع الجهات الشرعية ونسعى إلى تعزيز المؤسسات.
وهنا، سوف لن يحتاج أحد لكثير من الذكاء ليرى كم كانت الإجابات مخيبة لآمال الاستراتيجية وصاحبتها.
عدوي هو صديق عدوك
الاستراتيجية الثالثة: "عدوي هو صديق عدوك". وهي تهدف إلى كسب تعاطف محاورك، بإيهامه أن خصمكما واحد، وبالتالي يجب عليه أن يصطف معك ضده.
الشاعر استماتت من أجل أن تظهر لستيفني، أن المعارضة السياسية في البحرين تحمل ولاءً مطلقاً لحزب الله الذي تعتبره أمريكا منظمة إرهابية، ولأيران التي تعتبرها أمريكا راعية للإرهاب. وبالتالي فإنه ينبغي لأمريكا أن تعتبرها عدوا باعتبار "صديق عدوك عدوك"، و"عدو عدوك صديقك".
الاستراتيجيات الأربع للأسئلة الفاشلة: "أنا أعرف أكثر منك" "ماذا ستفعل لو كنت مكاني؟" "عدوي هو صديق عدوك" "أنت شريك عدوي" |
ومن أجل تثبيت التهمة على المعارضة، عرضت الشاعر فيديو لمسيرة تُحمل فيها أعلام حزب الله وصور حسن نصر الله. وكانت الشاعر تشير بحماس من كشف سراً: هذه هي المعارضة التي لدينا، ولاء مطلق لحزب الله.
لكن الشاعر لم تذكر أن هذه المسيرة جاءت إثر انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان إثر حرب يونيو ٢٠٠٦. وأن المسيرة جاءت ضمن مسيرات عربية (جمهورها من السنة والشيعة)، احتفالاً بانتصار المقاومة على اسرائيل العدو الأول للعالم العربي، وأن العالم العربي احتفى حينها بحزب الله على غرار الاستراتيجية نفسها "عدو عدوي صديقي". وأنها لم تكن محصورة على المعارضة في البحرين.
المضحك هو محاولة الشاعر التأثير على ستيفني بتكرار السؤال بصيغ مختلفة: "ما عندكم مشكلة تكون الوفاق على علاقة بحزب الله؟" ثم استدراكها بعد أن وجدت الأولى غير مكترثة "يعني نحن ليس لنا مشكلة مع حزب الله ولكن انتم لديكم مشكلة". لكن ستيفني كانت واعية للعبة المهترئة حين قالت: "اعتقد أن جمعية الوفاق جمعية مرخصة وشرعية في البحرين. ونحن لدينا اتصالات مع كل الجمعيات والجهات الشرعية في البحرين".
***
"أنت شريك عدوي"، هي الاسترتيجية الأخيرة التي استخدمتها الشاعر بعد أن فشلت استراتيجياتها السابقة في التأثير على موقف محدثتها. لم يبق غير اتهام الطرف المحايد بالتواطؤ، مادام مصر على موقفه من روايتي. بدأت التهم:
■ مركز الدراسات الأمريكية من طرفكم، يقوم بأنشطة مشبوهه لأنه درب مريم الخواجة، وهي التي صارت اليوم صوت معارض في أمريكا. الجواب: "أنت تقيمين كل عمل هذا المركز من خلال تجربة واحدة؟!. مريم زائرة خاصة تقدم وجهة نظرها وهذا شيء طبيعي. ثم أن مريم كانت طالبة في جامعة البحرين، فهل تتهم جامعة البحرين؟"
■ العلاقة المشبوهه بين سفارة الولايات المتحدة وجمعية الوفاق. اللقاءات كثيرة ومتتالية وغير الطبيعية وفيها معلومات خاصة. الجواب: أستغرب من كل هذه الضجة على لقاءات عادية وطبيعية في مجتمع ديمقراطي. ألستم مجتمع ديمقراطي؟ نحن نلتقي بكل الجهات والتقينا بالمحمود مؤخراً.
■ أخبار عن صفقة لخروج الامريكيين من العراق مقابل تعزيز الدور الشيعي في البحرين. الجواب: " أرفض هذا الاتهام، وأستغرب هذا الكلام!"
وهنا يبدأ الاستياء يظهر على ردود ستيفني، ويبدأ استنكار المبالغات والتضخيمات التي يراد بها تثبيت اتهامات بعينها على طرف معارض مرخص وشرعي. الاتهام لم يقف عند حد حزب الله وإيران، بل وصل لأمريكا هذه المرة. هذا الاتهام الذي تتولى الإعلامية فيه دور المدعي العام، لا يكترث بسذاجة وضع هؤلاء المتخاصمين في سلة واحدة، لكنه يكترث فقط بضرب المعارضة وضرب الحركة الشعبية، وهذا يكفي ليخاصم كل العالم.
لقد نجح هذا البرنامج نجح. لكنه نجح أن يوصل عكس الرسالة التي أراد توصيلها. كان عبر ركاكة حججه، وعبر محنة الامتلاء الطائفي المنحاز والفاضح لمقدمته، يقوم بخدمة الطرف الذي أراد الإساءة إليه من حيث أراد العكس.
*كاتبة بحرينية