» تقارير
هل تصنع البحرين الخليج الجديد؟
2011-06-04 - 7:36 ص
مرآة البحرين (خاص): جددت سوسن الشاعر في لقائها بالقائم بأعمال السفير الأمريكي في برنامج كلمة أخيرة، المخاوف التي يثيرها تجمع الوحدة الوطنية وتياره من تحويل البحرين إلى عراق آخر بأيد أمريكية، معتبرة الناشطة الحقوقية مريم الخواجة، والتي تخرّجت من مركز الدراسات الأمريكية في جامعة البحرين، نموذجاً سياسياً يتم تسويقه في أمريكا، على شاكلة السياسي العراقي أحمد الجلبي، عندما فتحت له الولايات المتحدة الباب للحديث عن مظالم العراقيين، وحالة القمع في العراق، ومن ثم استخدمته هو وآخرين في شرعنة احتلالها للعراق، كما وجهت الشاعر ما وصفتها تساؤلات الشارع السني، ما إذا كانت الولايات المتحدة تدعم تقوية الشيعة في البحرين كما فعلت في العراق؟
معادلة إسقاط النظام
طالما حذر تجمع الوحدة الوطنية ورموزه وكل منظريه (من التيار السني الموالي) إبان حركة الاحتجاجات في فبراير/شباط الماضي، من تحويل البحرين إلى عراق آخر، دون أن يوضحوا الطريق التي يخشون أن تسلكها البلاد التي تقود إلى هذه النهاية. لقد استوقفهم مشهد العراق دائماً، دون أن نفهم بوضوح كيف قرأوا هذا المشهد، وكيف يجدونه، وكيف يرون الطريقة التي تمنع أن يستنسخ هذا النموذج في البحرين في ظل تشابه كبير في صورة التركيبة الطائفية بين البلدين.
إثر الحملة الأمنية التي قادها النظام، رأى تجمع الوحدة الوطنية أن ذلك كان الحل الأمثل لردع الفتنة والوقوف في وجه الفئة الضالة التي خرجت لإسقاط النظام، الأمر الذي يعادل تأسيس نظام على شاكلة العراق يكون فيه الحكم للأغلبية الشيعية تأسيساً على القاعدة الديمقراطية، يقول شيخ ناجي العربي، قلت لولي العهد، بعد آخر اجتماع مع الجمعيات السياسية: "يريدون أن يزيحوكم عن الحكم، ومن ثم يزيحوننا من الوجود نحن أيضاً".
خطاب أوباما
حتى قبل خطاب أوباما، تلاشت لدى التجمع (الذي بدا مرتاحاً ومنتشياً في كل ظهور له) أي مخاوف من عراق آخر يستنسخ في البحرين. ولكن خطاب أوباما الذي خصص جزءا مهما منه عن البحرين، كان يوحي بغير ذلك تماماً. أوباما وبعد حوالي الشهرين من الحملة الأمنية، أرسل رسالة للنظام وأمام العالم، بأن هذه الحملة قد فشلت، ودافع عن ما أسمتهم الحكومة (التنظيم الإرهابي) الذي ضم بعض السياسيين والحقوقيين من مختلف التوجهات، معتبراً إياهم جزءاً من المعارضة التي يجب أن يشملها الحوار.
أوباما كذلك، تكلم بشكل واضح، عن "مطالب مشروعة" حتى وإن تخوف من استغلال إيراني لهذه الاحتجاجات. رجح الرئيس الأمريكي حواراً بين سلطة مسئولة، وطرف ضحى بالغالي والنفيس لكي يجلس على مائدة حوار فاعل ومنتج للتغيير.
أوباما، تكلم أيضاً عن "مساجد الشيعة" وانتقد هدمها. هذه الفقرة (التي قيل أنها جاءت بضغط عراقي) قد توضح للتجمع (وخطه السياسي) لماذا همشهم أوباما في حديثه عن الحوار؟
الصورة التي وصلت لأوباما، ضمن المسار الراديكالي الذي سارت فيه الأحداث في البلاد، على يد النظام الحاكم، وبمباركة التجمع، وبإجماع تقارير وكالات الأنباء والقنوات الإعلامية، أن الأغلبية الشيعية تطالب بالإصلاح، في دولة يحكمها السنة. سواء كان ذلك لشعورهم بالاضطهاد، والإقصاء، تاريخياً، ومرحلياً، أو لكونهم لا يرون في النظام الحاكم أهلاً لإدارة البلاد سياسياً واقتصادياً، ويدفعهم ربيع الثورات العربية، لأن يطالبوا بالتغيير.
الشيعة يرحبون
رغم أن منهج الإسلاميين (الشيعة خصوصاً) هو الوقوف ضد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن جمعية الوفاق وفي مستوى أمينها العام رحبت بشدة بخطاب أوباما، وامتدحه الشيخ علي سلمان بقوة في خطبة الجمعة، وقال إن هذه هي الاستراتيجية السياسية التي ننتظرها من أمريكا في الشرق الأوسط. الأمر الذي أثار استغراب جهات إعلامية قريبة من حزب الله اللبناني.
في حين أصدر "التحالف من أجل الجمهورية" والذي كان يتزعمه المتهم الأول في "التنظيم الإرهابي" عبد الوهاب حسين، بياناً رحب فيه بالخطاب، ووصفه بأنه قدم "فهماً واضحاً وجديدا لجذور الأزمات في الشرق الأوسط" وقال بأن البحرينيين كانوا يترقبونه بأهمية، وتمنى أن يكون النظام الأمريكي أكثر تعاوناً مع المطالب الشعبية.
أكثر من ذلك، تدور نقاشات مطوّلة، في منتديات الإنترنت، وعبر التويتر، بين القواعد الشيعية، يدعو فيها كثيرون إلى تقدير الموقف الأمريكي علناً، ويقترحون رفع "العلم الأمريكي" في المظاهرات القادمة، أو إرسال باقة ورد ورسائل شكر للسفارة الأمريكية
البحرين والخليج الجديد
النموذج العراقي الذي تخوف منه "التجمع"، كان النظام يسير إليه منذ أن كشفت مخططات "تقرير البندر"، وأكمل تطبيقه في الشهور الثلاثة الماضية، بمباركة الفريق السني الذي يمثله التجمع، وبشكل فاضح وممنهج فاق العراق بمراحل.
ولربما بقيت الحركة الأخيرة التي ستحفظ المصالح الأمريكية، وتطلعاتها الاستراتيجية الواسعة، نحو خليج جديد، يقلب الكفتين، وترجيح الكفة الشيعية، في نموذج طائفي جاهز، اشتركت في صناعته السلطة والتجمع.
النموذج العراقي في البحرين، إذا ما تحقق، فسيكون حجر زاوية، لبسط سياسة التغيير في الخليج العربي، ودفع شعوبه (هذه المرة) للولاء إلى أمريكا (على غرار العراق)، وكسب أصدقاء جدد هم أكثر دواماً وأقوى بكثير من الأصدقاء القدامى، وهو كذلك عنصر قوة في تدعيم الوجود الأمريكي بالعراق والسيطرة عليه، فالعراق (الخليجي) لا بد وأن يعود لهذه المنظومة، تحت لواء أمريكي مشترك.
الاستقرار الذي سيدعمه وجود أنظمة ديمقراطية في الخليج، وشعوب صديقة للعراق، وموالية لأمريكا - بعيداً عن مشاكلها الداخلية التي لا بد وأن مساحة الديمقراطية المستحدثة ستكون كفيلة بإيجاد الحلول إليها - سيخرج النظام الأمريكي من مأزقه الأمني والسياسي في العراق، وسيجعله أبعد عن كراهية شعوب المنطقة، وقريباً من التفاهم معها على كثير من القضايا التاريخية المؤرقة لكلا الطرفين، كالصراع العربي الإسرائيلي، وسيزيد من عزلة إيران، ورضوخها أو تعاونها في صناعة المسار الجديد للشرق الأوسط، وهو أمر يسيل له لعاب النظام الأمريكي، وستساعد هذه السياسة كثيراً في استمرار بسط اليد الأمريكية على النظام العالمي في ظل هذه التغيرات غير المتوقعة، وبأقل التكاليف.
تلاحق الممكن
في الخصوصية الإيرانية، يبدو أن قادة الخليج، قد أدركوا هذه الجزئية، وبدأوا بلملمة الأمور مع إيران من جديد، في ورقة لعب جيدة، لمعادلة موازين القوى سياسياً، في قبال الصديق الأمريكي.
فهل سيحذو "تجمع الوحدة الوطني" أو تياره حذوهم، في قبال (المكون الشيعي)، ليبادروا إلى إعادة النظر في دورهم وسلوكهم وتعاملهم مع الحدث، وتقييم الضرر الذي لحق بقطاع واسع من المكوّن الشيعي (وحلفائه من السنة) بسبب هذا الموقف، هل سيعيدون فهم الفتنة جيدا، أم أن هناك ما طغى على كلمة المحمود في التجمع الأول، حين وجه رسالة للخارج مفادها أن السنة والشيعة سينسون كل خلافاتهم ويقفون كاليدين المتعاضدتين (وشابك بين يديه) في مواجهة أي تدخل أجنبي!