درس البحرين: ادخل الحوار ما دمت قوياً
محمد نجم - 2011-05-30 - 11:13 ص
محمد نجم
في مستهل ثورة اللؤلؤ وحتى الثلاثة أسابيع الأولى منها كانت الحكومة في موقف الدفاع بينما المعارضة في أوج قوتها وتوحدها. كانت المسيرات في انتظامها و احتشادها وانضباطها وسلميتها وبدء تحول الكثير من مكونات المجتمع المترددة أو المعارضة للثورة إلى التعاطف معها بل وتصريح الشيخ المحمود نفسه رئيس تجمع الوحدة الوطنية في الوسط أنه مع الملكية الدستورية بشرط أن تأتي في إطار التوافق، كل ذلك كان يعطي انطباعا أن المعارضة في حالة هجوم ولكن ما لم تدركه المعارضة وقتها أن مزيدا من الهجوم لا يعني بالضرورة تحسين الموقف بل ربما تدهوره.
لكن بدا أن القيادات التي فوجئت بهذه الليونة الحكومية التي لم تشهدها الحواضر العربية الأخرى مع ثوراتها منذ البداية وفوجئت أيضا بهذا المد الجماهيري الكاسح جعل غرورها السياسي يحلق بعيدا عن مقتضيات البراغماتية.
كنا بالضبط فيما يشبه مسكة المصارعين الشهيرة فهي مسكة فيها من الذكاء أكثر مما فيها من القوة. كان تخفيف الضغط قد يحرر الخصم والمزيد منه قد يودي به وبالتالي كان المفروض في تلك اللحظة أن يأتي الحكـَم ويعلن النتيجة أو كما يقول المثل البحريني الشهير "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم". وفي الليلة التي أعلن فيها الجمهوريون خيارهم كان الهمس يسمع واضحا في خيام اللؤلؤ، "شكلنا بنتورط".
الغريب أنه في تلك اللحظات وحتى بعدها بقليل وقبيل فض ربيع اللؤلؤ بساعات لم يبد على واحد قط من زعماء الجمعيات أو الراديكاليين أي إحساس أو شعور أو مجرد سؤال ماذا لو أن الخيار الأمني انتصر، هل نحن مستعدون للإجابة على هذا السؤال؟
كان الجميع مطمئنا لدرجة أن هاجسا كهذا لم يكن له أي محل من التفكير. وبالتالي تعاملت قيادة الحركة بسهولة شديدة مع فكرة الحوار مع الحكم أو مع تجمع الوحدة الوطنية المناصر للحكم، حتى إذا جاء الحل الأمني الصاعق بدت القيادات مذهولة مما حدث وظلت تكرر أن ذلك "كان على حين غرة وعلى غير توقع" وهي براءة تحسب على هذه القيادات لا لها، إذ متى كانت الأمور في السياسة بهذه الطيبة؟ خاصة ونحن نتحدث عن جيش وقوى أمن تتميز بوحدة جبهتها الداخلية التي لم يكن لتمرد شرطي هنا أو تعاطف جندي هناك أن يمس من صلابتها والتفافها حول النظام، وهو عامل لم تقدر القيادات خطورته مع أنها كانت تلغو به في كل محفل وتعترف بوجوده عند المقارنة مع جيشي تونس ومصر.
من جهة أخرى وفي الأسبوع الأول من فرض حالة السلامة الوطنية تحول الموقف ليس فقط أمنيا بل حتى سياسيا لصالح الحكومة إلى حد ما وبدا على مؤيدي الثورة تذمر من تطرف الراديكاليين الذين حولوا وجهة الثورة من الملكية الدستورية إلى مطالب أكثر جذرية وكان الوضع مهيئا لحل سياسي تقبل به حتى جماهير "التحالف الجمهوري".
لم تكن جزيرة بهذا الصغر تحتاج حكما عسكريا بهذه السعة والإطلاق، إذ أن طريق المرفأ المالي كان قد فتح وتدفقت الحركة المرورية بحرية وخفضت ساعات حظر التجول في أول الأيام. إن أبسط مراقب عسكري أو مدني يعلم أن كل مبررات فرض السلامة الوطنية زالت في الأسبوع الأول. ومرة أخرى في درس مماثل لكن معاكس لدرس المعارضة بدا أن سهولة التخلص من مركز الثورة في الميدان وجيوبها في القرى دفع السلطة إلى مزيد من الغرور والتمادي لمواصلة الزحف مسجدا مسجدا قرية قرية وظيفة وظيفة خاصة مع دخول العقيدة السلفية في التعامل مع الوضع بوصفه حركة صفوية شيعية تريد احتلال البحرين وتأسيس نظام ولاية فقيه فيها وطرد السنة منها.
كانت السلطة بالضبط تقوم بالأفعال ثم تخترع الأسباب حتى أن الكلام عن وجود اعتداء إيراني – قيل فيما بعد أنه مجرد احتمال اعتداء – ظهر بعد أيام عديدة من دخول درع الجزيرة. بل إن أسباب تدخل الدرع وبعدما ظهرت كلفته اللوجتسية والأخلاقية بدأت تتغير تباعا من حفظ الأمن والنظام إلى حماية المنشآت الحيوية إلى حراسة الحدود من العدوان الخارجي إلى الوقاية من احتمال وجود عدوان خارجي !
وهكذا ارتكبت السلطة خطيئة الغرور ذاتها التي ارتكبتها المعارضة والتي تجعل المنتصر يشعر بالزهو فيطلب مزيدا من النصر بدل أن يعرض الحل وهو في أوج قوته ولا ينتظر إذلال خصمه. تحولت الأوضاع اليوم مرة أخرى لتجعل الحكومة في موقع الدفاع بسبب الموقف الدولي من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي يندى لها جبين من يصمت عنها فكيف بمن يمارسها، حتى أن كل حلقات بوق السلطة سعيد الحمد وأعمدة جوقتها في الفترة الأخيرة تتحدث عما (لم) تقم به حكومة البحرين وما (لم) ترتكبه وما (لم) تنتهكه وما (لم) تأمر به وما (لم) تسمح به، ومعروف التلازم بين اللغة الدفاعية و أدوات النفي. و كان لافتا أن يعلن عن زيارة المفوضية بعد يوم واحد فقط من التطبيل الإعلامي لزيارة دعاية فاشلة قام بها الوفد البرلماني البحريني لأوروبا.
إن هذا البلد كان على الدوام بلد الفرص الضائعة وإن الدرس الذي هو برسم الاستيعاب لكنه يضيع في كل مرة دون من يحفظه، هو "اعرض الحل واقبل به حين تكون قويا وإنه من أسوأ الأمور أن تكون مدافعا".